بنكيران، أمين عام أكبر حزب مغربي ذي مرجعية إسلامية “العدالة والتنمية”، فائز بالانتخابات التشريعية في مناسبتين: 25 نونبر 2011 و7 أكتوبر 2016، عرف بكونه رجل دين وسياسة ورئيس الحكومة المكلف بتشكيل حكومة جديدة، كما عرف بتعدد وتنوع عيوبه كالتطفل والتهريج مثلا. ورط نفسه والشعب والدولة في عديد الزلات، منها ما هو متعلق بالبرتوكول أو بقرارات جائرة أو تصريحات عشوائية.
فلا يكاد يخرج من ورطة حتى يدخل أخرى، وطالما وجد نفسه أمام مواقف حرجة جراء تهوره وقلة خبرته، لاسيما أثناء استقبال ضيوف المغرب من كبار الشخصيات والمسؤولين الدوليين. والمغاربة يذكرون جيدا حادثا، كاد يعصف بالعلاقات المغربية البلجيكية، عندما استقبل وزير خارجية بلجيكا، الذي كان مرفوقا بوزيرة العدل ببلاده، وقال له أمامها بأنه يجيد الحديث باللغة الفرنسية، وما كان له استقدام مترجمة معه. ومازالوا يشعرون بطعم العلقم حيال مشهد انحناءته لتقبيل كتفي العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز بعد نزوله من طائرته، مما أثار سخطا عارما في أوساط نشطاء الشبكات الاجتماعية، معتبرين أداءه التحية بتلك الطريقة المذلة، إهانة كبرى للشعب المغربي وللمؤسسات بما فيها مؤسسة رئاسة الحكومة ذاتها، من غير أن تشفع له تبريراته الواهية “خطيئته”.
ولما كان مفروضا أن ينشغل ببحث السبل الجديرة بتقريب وجهات النظر بينه والقادة السياسيين، وعلى رأسهم رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ووزير الفلاحة والصيد البحري في الحكومة المنتهية ولايتها عزيز أخنوش، لرفع الحواجز والخروج من مأزق تعثر مشاورات تشكيل أغلبيته الحكومية، حتى يستطيع تدارك الزمن الضائع الذي تجاوز الشهرين، وتفاديا لما يمكن أن يترتب عنه من عواقب سياسية واقتصادية ودبلوماسية وخيمة، من شأنها تمديد عطالة مؤسسات عمومية هامة وخاصة تشكيل مجلس النواب وهياكله والدبلوماسية البرلمانية، فضلا عما لتأخير التصويت عن مشروع قانون المالية برسم عام 2017، من آثار سلبية عن الاستثمار وشل الوضع الاقتصادي.
وكان مطالبا كذلك بالتفاعل مع غضب الشارع وإخماد النيران المتأججة في صدور الموطنين، إثر مصادقة الجمعية العامة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، في دورتها العاشرة المنعقدة بالرباط يومي 21 و22 نونبر 2016 على الرأي الاستشاري، حول مشروع القانون الإطار للمنظومة التعليمية بشأن إلغاء مجانية التعليم بالسلكين الثانوي التأهيلي والعالي، الذي سبق أن تقدم به إلى المجلس في يوليوز 2016، ويسارع إلى التراجع عن هذه “التوصية” المشؤومة بما يثبت استقلالية قراراته، آثر مرة أخرى إحناء رأسه وإغماض عينيه في انتظار مرور “العاصفة”. وفي خضم الارتباك والغليان، أثار من حيث يدري أو لا يدري أزمة دبلوماسية مع موسكو، من خلال تصريحات مرتجلة لإحدى الوكالات العربية الإخبارية، محملا مسؤولية تدمير سوريا لروسيا.
بالله عليكم هل من “المعقول” أن يجيز لنفسه التدخل في شؤون الغير من يأتي ثانيا في هرم السلطة، ببلد قطع خطوات عملاقة في طريق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمؤسسات وسيادة الدول، وكثر حساده الذين يسعون إلى محاولة عرقلة مساره التنموي وضرب أي تقارب خارجي؟ ألا يعلم أن الملك محمد السادس، الذي لم يفتأ يؤسس لعلاقات جديدة وجيدة مع بلدان العالم، كان قد قام بزيارة رسمية إلى روسيا الاتحادية في شهر مارس 2016، أجرى خلالها محادثات مع الرئيس فلاديمير بوتين، توجت بالتوقيع على عديد اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات، لتعميق الشراكة الاستراتيجية الروسية المغربية، وناقشا القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك؟ فإلى متى سيستمر متماديا في خبطاته العشوائية وجر البلاد إلى الهاوية؟
إن ما صرح به بنكيران حول الصراع السوري، أدى إلى وضع السفارة الروسية بالرباط احتجاجا رسميا لدى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية، مما اضطر معه وزير الخارجية صلاح الدين مزوار إلى محاولة تلطيف الأجواء واحتواء الأزمة، عبر إصدار بيان يطمئن فيه السفير الروسي فاليري فوروبييفن، بأن ما صدر عن “هبيل الرباط” مجرد “هذيان” غير ملزم للملكة المغربية. إذ لا يمكن لمسؤول من حجم رئيس حكومة، إطلاق الكلام على عواهنه في تصريحاته خارج الأعراف الدبلوماسية، ويجيز لنفسه إعطاء الدروس لقوة عظمى مثل روسيا، وإلا ما معنى قوله: “أحث روسيا أن تكون قوة لحل الأزمة في سوريا، لا أن تكون طرفا فيها” وأن “ما يفعله النظام السوري بشعبه، مسنودا بروسيا وغيرها، يتجاوز كل الحدود الإنسانية، ولا يمكن فهم أسبابه الحقيقية، لماذا تدمر روسيا سوريا بهذا الشكل؟”. فكيف لمن لم يستطع الرفق بجيوب الطبقات الفقيرة والمتوسطة في بلاده، خلال السنوات الخمس الماضية من عمر حكومته المنتهية ولايتها، ويثني كتائبه الإلكترونية عن حروبها ضد معارضيه وخصومه السياسيين، أن يكون أهلا لإصدار الفتاوى إلى الآخرين ويدافع عن بقية شعوب العالم؟ ألم يتساءل يوما عن أسباب امتثاله لصندوق النقد الدولي في بهدلة المغاربة؟
إن مشكلة بنكيران تكمن في كونه لم يبذل أدنى جهد للتخلص من عباءته البالية، والاتعاظ بتجارب البلدان الأخرى كالشقيقة تونس، التي أبدت حرصا شديدا على احترام مبادئ وثوابت دبلوماسيتها، عندما أقدمت مؤخرا على إقالة وزير الشؤون الدينية، إثر هجومه على “الوهابية” واعتبارها مصدرا لتفريخ الإرهاب، حفاظا على روابط الصداقة والتعاون مع المملكة السعودية… فهل بمثل هؤلاء الرجال يستقيم حال البلاد والعباد، وتتعزز علاقاتنا الدبلوماسية مع باقي دول العالم؟
المصدر : https://tinghir.info/?p=23613