قالتها الفنانة المسرحية الوزيرة ثريا جبران:”العيطة عليك يا..”،وبحث فيها الباحث الاتحادي”النجمي”لنيل شهادة الدكتوراه في فن:”العيطة والفنون الشعبية”،واعتبرت هذه البحوث الشيخة”خربوعة”من مؤسسي فن العيطة من أيام المقاومة وجيش التحرير،و عيطات”الحمداوية”ليست”زهوانية”بل هي عيطات تراثية أصيلية،وقد حملت مشعل هذا النشاط وارتقت به عائلات مغربية بأكملها كأولاد”بنعكيدة”وأولاد “البوعزاوي”،وهكذا دواليك استمر الحكم الفني والثقافي اليساري للمغرب إلى أن ظهرت اليوم قنبلة الموسم في فن العيطة المرساوية أو إسفافها المهندس الشاب”عثمان الجرة”الذي كما يقول عن نفسه:”ترك الهندسة والتدبير إلى التعريجة والبندير”؟؟،فتلقفته كل الإذاعات والشاشات قبل الأمسيات والسهرات والمواقع والصفحات؟؟،إنه الأمل الجديد والأسطورة الخرافية للشباب المغربي الذي يعتقد أن الأمور قد تعقدت في حياته ويعاكسه الحظ على الدوام في كل شيء،ولكن في الحقيقة،لا تعقيد ولا”عكوس”ولا شيء،والحياة أبسط مما نتصور،ولا بطالة بعد اليوم ولا انتظار،ولا”فراشةّ”في الشوارع تجمع بضاعتها أمام عينيها وغصبا عنها،ولا تسول أو”كريدي”السجائر السامة من الأكشاك وعربات التقسيط،وفناجين الشاي والقهوة المرة في المقاهي،لا مسيرة ولا احتجاج في الأقاليم والعمالات عبر المملكة،ولا”هرمكة”غليظة تكسر عظام الشباب والشابات وتسيل دمائهم ودمائنا الزكية في العاصمة وأمام البرلمان،لا سمسرة في وثائق الهجرة السرية ولا موت مجاني بعد اليوم في أعالي البحار،ولا…ولا…ولا…،يكفيكم يا شباب تأسيس فرقة أحلامكم وأحلام الوطن،لا..لا..،ليس شيئا من ذلك الذي كلس أمخاخكم،لا..لا..،ليس فرقة للعمل في أوراش البناء و”الضالة”،ولا فرقة للعمل في مزارع الفلاحة و”الحصاد”،ولا فرق الفتيات والنساء المياومات في المنازل وسط الابتزاز،ولا المكدسات في أحسن الحالات في المعامل والمصانع طول اليوم فقط برمق”الطون والحرور”،ولا فرق الشركات الصغرى ومقاولات الأصدقاء المقاومة”قيل تموت قيل تحيا”،ولا حتى فرق الجمعيات التطوعية التي تناضل في الوحل والتعاونيات الحرفية بكل مشاكلها،ولا فرق فنية هادفة أو فرق رياضية جادة ومعاناتها؟؟،مضى عهد كل هذه”تمارة”،واليوم تكفيكم فرقة شبابية معاصرة للعيطة المرساوية أو”الدقة” المراكشية،أو”النفار”والآلة الفاسية،أو”الماجوريط”والفرقة النحاسية،أو جوقة ل”تنكافت”والأعراس في الأحياء الشعبية..،وستربحون حياتكم وتتغلبون على مشاكلكم، كل مشاكلكم،وها أندا النموذج الناجح المرح أمامكم،تركت هندسة “الماركوتينغ” والتدبير إلى”التعرجة”و”البندير”،فتغيرت حياتي،اشتريت”التعرجة”ب 7 دراهم وأربح بها 7 ملايين في كل “قصارة”،غير ب”الدسارة”والخسارة في “الهدرة”،والقصارة والخسارة في الداخل وفي الخارج على كفى من يشيل؟؟.
يتحدث الناس اليوم عن “بلوكاج” وقح وعفن في تشكيل حكومة “ابنكيران”،وعن جيوب المقاومة ومعارضة الإصلاح،وعن الناخبين الكبار يسرقون إرادة الناخبين الصغار،عن الالتفاف على الدستور والمسار الديمقراطي،عن الإحباط السياسي الكبير الذي يتزايد في البلاد،وعن التقشف الاضطراري في كل شيء تعاطت معه الحكومة،الأسعار والزيادات والمقاصات والمقايسات وحتى المساعدات و”التيسيرات”و”الرميدات”،عن العجز الكبير في مواجهة الحاجيات الحقيقية والانتطارات المتزايدة للمواطنين،مع المباريات والتعاقدات والتقاعدات والاحتجاجات…؟؟،ولكن لا…لا…،نحن في حكومة”الجرة”التي تشكلت هذا المساء في”رشيد شو”دون مشاورات ولا مفاوضات ولا”بلوكاج”،وأمام الملإ وعلى عينك يا “ابنكيران”،وعلى المباشر عينا وزير الصحة والرياضة و وزير السعادة والنشاط وزير البيئة والغابة و وزير “الذيابة”و”الحطابة”..،عفوا وزير”التعرجة والبندير”،و وزير”الهجهوج”و”السنتير”ووزير”الطبل والغيطة” و وزير “القرقاش”و”الخرخاش”ووزير الكمان والبيان..؟؟،أما القانون والصحة والتعليم والتشغيل والسكن والعنوسة و”التشرميل” فقد استغنى عنهم القوم إلى حين؟؟،فنحن معشر”الجراويين”،لا شيء يهمنا من كل هذا،ونستطيع العيش الرغيد بدون حكومتكم ولا برلمان ولا حتى وزارات ومندوبيات وأكاديميات…، وكل المؤسسات والسياسات والنقاشات البزنطية،نستطيع العيش كما نحن اليوم بدون..وبدون..وبدون،نحن في عالمنا يكفينا مجرد”تعريجة”و”بندير”واهيا”الجيلالي”؟؟،فمزيدا من”البلوكاج”حتى يتربع الشاب”عثمان الجرة”فعلا على حكومتنا،و”أراك من الجرة الشاخدة”،وما يفتح لها فنيا وثقافيا من القاعات والمسارح دون دورية داخلية أو ضغوطات خارجية،وما يؤمن لها بسخاء وزيادة من رجال الأمن حول المقاهي والملاهي،وما يجلب لها خصيصا من الراقصات المحليات والدوليات،وما يبدع لها من الرقصات الشعبيات والعصريات،وما يعبىء لها من مشروبات روحية وسيوف خشبية للعربدة و”التشرميل”،وما هو المشكل في كل ذلك؟؟،ألم يتحدثوا عن رئيس حزب ل 6 و8 أحزاب،وإذا كانت الرؤوس لا تتمايل طربا إلا على شبع البطون،فما الضير أن يكون صاحبنا الفنان المهندس الشاب رئيسا لكل الأحزاب والحكومات،هو على الأقل سيضمن النشاط والملايين للملايين؟؟.
الله يا زمان،صحيح أن من حق كل مواطن أن يكون له رأي في الحكومة المرتقبة بل وتكون له حكومته الخاصة،ورأي أو فتوى في مختلف المواضيع على الشاشة لا يتمكن منه العلماء والفقهاء والمختصون والخبراء والمهتمون والممارسون،ولكن ليس إلى درجة هذا الخبث والإسفاف الذي استطاع تعيين الحكومة على التلفاز بدون مفاوضات ولا “بلوكاج”،في حين لم يستطع المعنيون بالأمر تعيينها في الواقع بسبب المفاوضات و”البلوكاج”؟؟، الله يا زمان،ما هذا التخنث الذي عم البلاد وطم العباد،وما هذا السحت الذي لم نعد نبالي من أين نأتي به ولا فيما نصرفه،لماذا لم نعد نبالي باليوم الذي قد يرد علينا فيه الصيرفي عملتنا الزائفة؟،ولا يوم قد يرد علينا فيه الوطن مواطتنا المغشوشة؟،أحرية شخصية وإبداع فني هو أم إسفاف وانحراف سلوكي وأخلاقي،أم ما هذا الذي بتنا نرى فيه من أكل القوم بالأثداء من غير جوع ولا عطش،وربما فقط إفسادا للأذواق وتمريغا للقيم وشرف الرجولة على حد قول الشاعر:”وكأن خالدا سوزان ومريم مروان”،و”الشيخات”شيوخا والعلماء”عوالم”وعلامات؟؟،الله يا زمان،أغركم من الحكومة”الملتحية”قولهم عنها فاشلة فنيا وسياسيا وهي التي لا تبالي رشدا وكرما بالحياة الخاصة للأفراد ولا باختياراتهم وأذواقهم غير السليمة رغم سعيهم لنشرها وتعميمها والدعاية لها ولو عبر الإعلام،ثم ما هو الفن وما هو العفن؟؟،الفن يرفع أقواما وينمي أذواقا ويوليها أعلى الرتب،والعفن يخفض أقواما ويفسد أذواقا ويوليها أسفل الرتب؟؟،الله يا زمان،ما بال شبابنا اليوم أصبح يتراجع عن التنافس والإنتاج والإبداع والاختراع في عوالم العلوم والتقنيات إلى مجرد الخوض والغرق في متاهات النزوات والشهوات وهرطقات”حزمني يا با…وهز يا وز”؟؟،هل صدق أن الحضارة يمكن أن تبنى بالأفكار الحقيرة والميتة أوالمهن الهامشية والمميتة؟؟،أم صدق قولهم:”إلى ما جابها القلم،يجيبها القدم ويجيبها النغم”؟؟،ألا يعرف أن الدول المتقدمة تدرس الفنون والرياضة والمهن المجتمعية بالموازاة مع المواد الأساسية العلمية والأدبية والفلسفية،حتى إذا استقر رأي الطالب على توجه معين واختيار محدد،كان له ذلك وأعين عليه،وضمن له الاستقرار في حرفة لا تكون فيها الفنون والرياضات والرقص والغناء إلا هواية لا تخصصا،حوافز (catalyseurs)حياة عامة لا متفاعلات ولا نواتج،بل تنشط التفاعل وتكون قبله ومعه وبعده،فنحصل مثلا على طبيب يهوى الكتابة(طبيب كاتب)أو مهندس يهوى التمثيل(مهندس ممثل)أو أستاذ يهوى الشعر والتشكيل(أستاذ شاعر وتشكيلي)،وشتان شتان بين الاثنين طبيب كاتب أو كاتب طبيب،فالأول بعلمه ومهنيته وخبرته على عكس الثاني تماما لا يمكن إلا أن يعالج المرضى ويساعدهم على الحياة،بينما نقيضه لا،و رغم كل فلسفته وهرطقته،علميا لا يمكن إلا أن يقتل الأصحاء ويقرب إليهم المماة؟؟، الله يا زمان،من إعلامنا المفلس وما يقصفنا به كل يوم من مشاريع الأوهام وأوهام المشاريع،هل يستطيع أن يقول لنا مثلا، كم يصل في سباقات الفن والرياضة بالآلاف إلى نهايتها،غير عدد محدود على رؤوس الأصابع،وماذا بعد وصولهم وانصراف أيام الشهرة والأضواء،ماذا بعد الانطفاء غير ما نصدم به كل يوم من التسول لتغطية مصاريف العيش الآدمي والأمراض والمصحات والندم ولات حين مندم؟؟،أغركم من عثمان”الجرة”انه ثمن”التعرجة”و”البندير”المغربيين،تلك الأدوات الفخارية والخشبية الساحرة،واللتان يكسوهما جلد يابس قيل أنه حيواني وقيل أنه إنساني يشبع ضربا حيا وميتا،أدوات مجرد طقطقاتها تترك الإنسان أي إنسان يهتز من أعماقه وبكل كيانه ويقشعر بدنه وترتعد أطرافه وتطلق أساريره،فيبتهج ويسعد ويفرح ويمرح”بلا هواه”،فتحية له على كل حال،ولكن فقط،لو نثمن يا إعلامنا المبجل ما هو أهم وأفضل وأولى،لو نثمن العمل عن جدارة واستحقاق بدل الكدية والتسول عن تغرير ونفوق ونفاق،لو نثمن يا سادتي السياسة والإعلام والفن والثقافة بدل الكياسة والدعاية والتضليل والإسفاف..السياسة والإعلام والفن والثقافة بدل الكياسة والدعاية والتضليل والإسفاف ؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=23354