فاطمة من تنغير، صبيرة وكلثومة من إماسين، سعاد وحليمة من بوتغرار نواحي قلعة مكونة.. هي حالات لفتيات خرجن من بيت الأسرة ولم يعدن، متغيبات تُجهل الأسباب التي دفعتهن إلى مغادرة أسرهن، اختياريا أو قسريا، إلا أن القصص جمعيها تتفق على أن الموضوع يخطو ليصبح “ظاهرة” دخيلة على مجتمع محافظ، يعتبر “فرار” المرأة من منزل أسرتها ناقوس خطر، وإن اختارت الهروب من وضع ما.
خرجت ولم تعد
لم تعد الشّابة فاطمة إلى بيت أسرتها بحي الوفاء بتنغير، كما اعتادت أن تفعل كل مساء. الفتاة، التي تبلغ من العمر 19 سنة، اشتغلت مؤخرا في محل تجاري، وتتناول وجبة الغداء كل يوم في منزل أسرتها. وفي المساء، لا يمكن أن تتأخر عن البيت، في مجتمع محافظ، يحاسب المرأة على كل خطوة، ويعتبر تأخرها وإن في العمل كبيرة الكبائر..
يوم الجمعة الماضية، لم تعد إلى المنزل مساءً. وبعد استفسار أهلها عنها في مقر عملها، تبين أن الفتاة اختفت عن الأنظار دون أن تترك أثرا.
قريبة الفتاة المختفية مؤخرا بتنغير قالت، في حديثها لهسبريس، إن أفراد الأسرة قدموا إخبارا إلى السلطات باختفائها، وأن هناك من رآها بآسفي، إلا أن سنها لا يتيح لأحد أن يرغمها على العودة، بالرغم من أنها لأول مرة تغادر بيت أسرتها.
المتحدثة نفسها تؤكد أن المختفية لم تكن تعاني أي اضطراب نفسي، ولا مشاكل تدفعها إلى المغادرة، وأن مغادرتها لمنزل نحو وجهة مجهولة يبقى بالنسبة إليها لغزا صعب الحل.
أسبوع على اختفاء سعاد وحليمة
من القرية الجبلية بوتغرار بإقليم تنغير استيقظت أسرتان يوم 3 نونبر الحالي لتجدا أن فتاتين اختفيتا عن الأنظار، إحداهما من مواليد 1997 والأخرى من مواليد سنة 2000.
علي أزابي، قريب إحداهما، قال، في تصريحات لسهبريس، إن “الفتاتين غادرتا القرية في اليوم نفسه، وأن سائق طاكسي أخبر الأسرتين بأنه هو من أقلهما من دوارهما الجبلي نحو مركز قلعة مكونة، كما أقل مجموعة من الركاب، وأنه لا علم له بوجهتهما بعد وصولهما قلعة مكونة بإقليم تنغير”.
وأردف أنه جرى إخبار الدرك بقلعة مكونة بحادث الاختفاء، كما أن الأهل ينخرطون في البحث عنهما في ورزازت ونواحيها، وأنهم يتلقون اتصالات متضاربة عن أماكن وجود الفتاتين المختفيتين، خاصة بعد نشر صور إحداهما في موقع التواصل والمواقع المحلية”.
اختفاء شقيقتين منذ أربعة أشهر
ليست وحدها فاطمة وسعاد وحليمة من يستأثر باهتمام الناس في الجنوب الشرقي بظاهرة توصف بأنها لم تكن معروفة بهذا الشكل اللافت والمتزامن، في قرى هادئة لا يكدر صفوها سوى قلة ذات اليد، وغياب الطرقات والمرافق، ويتميز أهلها بالكثير من الصبر والرضا بالقدر والمكتوب.
يوم 26 يونيو، كان يوما مشهودا بالنسبة إلى عائلة عبد القادر (إ) بدوار أيت امحمد، بإماسين التابع لقيادة سكورة بإقليم ورزازات. مضى الآن أربعة أشهر ويزيد، ولا تزال قصة اختفاء شقيقتين مباشرة بعد زواجهما تثير فضول الناس، وتجعل ألسنة السوء تحبك بغير علم قصصا عن فتاتين تزوجتا في اليوم نفسه، ثم انقلبت حياة الأسرة رأسا على عقب بعد اختفائهما المفاجئ.
فتياتي محتجزات نواحي بومالن
يحكي عبد القادر لهسبريس الإلكترونية بتأثر بالغ كي جُنت زوجته ومرض هو أيضا، وتركه أحد أبنائه بعد اختفاء ابنتيه صبيرة وكلثومة منذ أزيد من أربعة أشهر.
“لم أرغم بناتي على الزواج، ولو فعلت ذلك لشعرت الآن بالذنب. كانتا راشدتين، إحداهما تبلغ 18 سنة ونصف، والأخرى 21 سنة وخمسة أشهر. كانتا سليمتان قبل الزواج وأثناءه. وبعد زواجهما بشهر، أصيبتا بمرض نفسي، ثم خرجتا دون عودة. إن كان الزواج هو الذي جعلهما كذلك فقد طالبت بتطليقهما، وعودتهما إلى الأسرة، لعل أمهما يعود إليها رشدها، وتُشفى. فلا يمكن أن أُكرِههما على فعل شيء لا لم ترغبا به أبدا”.
عبد القادر، البالغ من العمر 56 سنة، زاد في حديثه: “لقد دُمرت أسرتي بعد اختفاء ابنتي، زوجتي جُنّت وأحد أبنائي سافر نحو وجهة مجهولة، وأنا أعرف ابنتي المختفيتين بأنهما متدينتان وشريفتان تخافان الله”.
ويزيد: “بحثنا في كل مكان، ونشرنا صورهن في بعض المنابر المهتمة، ثم تلقينا مكالمة هاتفية متكررة، من شخص يخبرنا بأن ابنتيّ توجدان لدى عائلة نواحي بومالن دادس بإقليم تنغير، وأن شخصا ما يحتجزهما هناك”.
عبد القادر، الذي سبق له أن اشتغل إمام مسجد لمدة عقدين، يكمل حديثه بحرقة: “لدينا تسجيل صوتي لهذا الشخص الذي يخبرنا بمكان وجودهما في بومالن، والذي يرفض أن يخبرنا أين بالضبط، ولا نعرف حقيقة اختفائهما، هل هناك من دبر اختفاءهما، ويستغلهما؟ وهل لا تزالان على قيد الحياة أم لا؛ لكننا نتمنى أن تعودا إلى أسرتهما في القريب العاجل وأن يتم تطليقهن إن كانتا لا يرغبن في الزواج”، يتساءل والد الفتاتين.
الصديقي: الأسر تتكتم عن الأسباب
وتعليقا منه حول الموضوع، قال عبد الحكيم الصديقي، الناشط الجمعوي بتنغير، إن “قضية اختفاء الفتيات لم يرقَ بعد إلى مستوى الظاهرة بمعناها السوسيولوجي؛ لكن هذه الحالات بدأت، للأسف، تتكرر بشكل لافت للنظر يخرجها من دائرة العزلة أيضا. وإلى حد الآن، لا يمكن الجزم بمعرفة الأسباب الكامنة وراء هذه الحالات، نظرا لغياب أي معطيات حول سبب الاختفاء حتى بعد عثور أسر المختفيات على بناتهن”.
الناشط الجمعوي بتنغير زاد، في حديثه لهسبريس، أن “الأسر تتكتم على أسرار المختفيات ولا تجاهر بها، بسبب التقاليد والعادات ونظرة المجتمع إلى المرأة بأنها جالبة للعار وللفضيحة؛ وهو ما يجعل الأمر يستعصي على الفهم، إلا أن الأمر يحتاج تضافر جهود المؤسسات والفاعلين في مجال الأسرة والطفولة للحد من حالات الاختفاء”.
المصدر : https://tinghir.info/?p=22947