“عمر” يظهر في القدس،و”المعتصم” مدير شركة للدعاية والإعلان،و”خالد” عضو لجنة التحكيم في مسابقة نجم الراي العالمي،و”طارق” حكاية أول “حراك” في العالم،و”امرىء القيس” في باريس وابن الرومي في مدن الصفيح…،أدب رائع طالما استدعى أبطال الماضي لمعالجة إشكالات الحاضر،وفي ذلك إحياء الذاكرة المخرومة وشحذ للهمم المتعبة من أجل دورة الإنجاز الحضاري الضخم والممكن على الدوام متى توفرت له نفس الظروف والدوافع والقدوات الشامخة المعطاءة. ونحن بدورنا نستسمحكم في مرافقة الإمام الجليل “أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك” وقد أيقظناه من مرقده الهنىء بعد جهد جهيد أقنعناه فيه أن الأمر يستحق زيارة العديد من مؤسساته التربوية التي حملت اسمه من بعده،وكان يتساءل هل له مؤسسات وكيف ولماذا؟،وهو الذي غادر الدنيا ولم يترك فيها غير مؤلفات ما كان يظن اهتمام أحد بها،فبالأحرى اتخاذها مرجعا فقهيا ومعلما موجها في شؤون الدنيا والآخرة؟؟.
في طريقه إلى إحدى مؤسساته في الشارع الطويل بمدينة الرشيدية، كان يسير متخفيا مندهشا مذعورا يستغرب ما تقع عليه عينه من الملاهي الغريبة”باريس”و”ميامي”و”ميلانو”و”تورينو”…،والمقاهي الغربية”البارصا”و”الريال”و”جور إينوي”و”طالعين الجبال”…،وأكشاك السجائر والشيشة المنسمة وبعضها مآرب “التقسيط”ومأوي”الكرابة”،وعربات الدفع اليدوي للعلك و”الزريعة”وبلاوي”المعجون”وبيع”الديطاي”طاي طاي…؟،كل هذا لا يدل على شارع مؤسسة تربوية ومحيطها،أكثر مما يدل ربما على طريق منتجع معروف يرتاده السياح الجامحون المتحررون وليس التلاميذ الأبرياء النجباء ولا التلميذات المتمدرسات العفيفات؟؟. لقد سار الإمام المسكين بلباسه الرث ونعله البالي والعرق يعلو جبهته ويتقطر الحياء من عمامته وخطاه تنزلق يمنة ويسرة وهو يستخفي ويدوس على مروءته وهو الذي ما فتىء يقول أيام حياته ما حفظه عن رسول الله:” فمن اتقى الشبهات (أماكن ومواقف) فقد استبرأ لدينه وعرضه،ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام،كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه”؟؟، ولنتابع الآن إمامنا الفقيه المحدث نجم الأئمة وبدر العلماء،صاحب الأخلاق والذكاء والهيبة والوقار وموطأ أهل السنة والجماعة، وهو يتفقد إعداديته:
لقد أوقفه موظف الحراسة “securité”على بابها،مستغربا من هيئته الغريبة وغير المعهودة،وانهال عليه بأسئلة محرجة،من أنت، وإلى أين، وماذا تريد؟،أحس منه ببعض الضجر فاستسمحه وأخبره بأنه يحمل الإجازة+10 ولكنه عبد مأمور يحرس المؤسسة من الغرباء،رد عليه الإمام مقرعا: كان عليك أن تحرس المؤسسة من الظواهر الغريبة قبل كل شيء،ألا ترى هذا اللباس السافر للفتيات والسلوك الداعر للفتيان وبيع الكحول والسجائر للقاصرين وأوراق الدخول للمتغيبين…، رد عليه الحارس إن كنت تريد المسجد يا سيدي أو الفتوى فهذه إعدادية،إعدادية الإمام مالك رضي الله عنه،رد عليه الإمام: وأنا الإمام مالك رضي الله عنه،سميتم مؤسستكم باسمي دون موافقة مني،والآن تلطخون اسمي رغما عني،ألا تتقون الله في أئمتكم وعلمائكم؟،عرف الحارس من خلال تقديمه أنه صاحب المؤسسة فعلا،فرحب به بطريقة أخرى وهو يضطرب، وعرض عليه مرافقته داخل المؤسسة و إرشاده حتى يبلغ مأمنه،رفض الإمام عرضه وهو يستوضح منه:”ترشدني أم ترشد عني،وتبلغني أم تبلغ عني”؟،ورغم ذلك فقد استبقه الحارس وهما يمشيان داخل المؤسسة الممتدة في الفراغ الطويل العريض،والأمام يتساءل:”غير ممكن…لا..لا..لا…غير ممكن…كل هذا الفراغ،أين الأساتذة والتلاميذ والإدارة”؟؟،أجابه الحارس المرافق:لا تتعجل سيدي فكل شيء موجود في مؤسستكم وسترونه بأم أعينكم،سترون الأساتذة المربون الآن يقضون استراحتهم في قاعة الأساتذة..والتلاميذ هناك في قاعتهم يدرسون ويمرحون…والإدارة هنالك كما سترى تحرص وتخدم الجميع؟؟.قال الإمام:لقد تقطعت نعالنا مشيا وتجوالا ولم نرى بعد شيئا في هذا الفراغ الشاسع إلا بعض اللافتات الممسوحة على بعض البنايات الشاهقة والمتفرقة هنا وهناك،قل لي بربك ماذا حدث،آه أخيرا،ها نحن أمام قاعة الأساتذة وأرى هناك أجنحة التلاميذ وملاعب الرياضة ومآرب الدراجات وهنالك جناح الإدارة ومأرب السيارات،ولكن مالي أرى كل شيء فارغا،هل هذا يوم عطلة أم أضرب القوم وقت الدوام”؟،قال الحارس:”لا أخفيك الحقيقة يا مولاي،هنا كان الأساتذة واليوم لم يعودوا،وهناك كان التلاميذ واليوم لم يعودوا،وهنالك أيضا كانت الإدارة واليوم لم تعد،لقد طرد القوم من مؤسستكم شر طردة،لا تسأل يا مولاي كيف ولماذا،فقد فوتت مؤسستكم التربوية حسب ما يقال إلى الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالجهة الجديدة درعة تافيلالت”؟.علت الحيرة وجه الإمام وهو يسأل:”مهلا مهلا،وما الأكاديمية؟ وما الجهوية؟وما التربية والتكوين؟وما درعة تافيلالت؟،لا تقل لي أن الأكاديمية تسطو على ملك غيرها،وأنها عجزت عن حل مشكلتها في الإقامة وهي المرشحة لحل مشاكل المؤسسات الأخرى في الإقامة وفي غيرها،وأن الجهوية ضاقت بها الأرض حتى أصبحت إقليمية ومحلية،وأن…وأن…وأن…،والأساتذة والتلاميذ والإدارة”؟؟.
قال الحارس “securité”:”دعنا على الأقل يا مولاي نكمل جولتنا على أطلال المؤسسة حتى تتضح لكم الصورة وحجم الفضيحة فتستقيم لكم على الأقل خلاصة الفتوى،دعنا نفتح قاعة الأساتذة هذه..تفضل يا مولاي،..ها هنا كان الأساتذة واليوم لم يعودوا؟،ها هنا كان العلماء والأدباء والإعلاميون والتقنيون الذين ذاع صيتهم عبر المعارض الوطنية للتقنيات والإبداع،واليوم لم يعودوا؟،ها هنا كان الممدون على الأسرة ممن شارفوا على التقاعد يشكون ألما وأملا،وكان ضحايا الانتقال التعسفي في إطار ما يسمونه تصريف الفائض يشتطون صمتا وغضبا،والمتعاقدون في إطار سد الخصاص لم تقدم لهم أية ضمانة،لا أجرة ولا إدماج ولا تحفيز ولا امتياز،ورغمها كان الجميع لا يبخل بالعطاء والوفاء،واليوم لم يعودوا؟،لقد كانت هذه القاعة قاعة الأساتذة فعلا،الأسرة والوسائد والجداريات،والشاي و”الملوي” والحلويات، والصلاة والطرائف والضجيج، والنقابيات المتضاربة والمذكرات والمذكرات المضادة،واليوم لم يعودوا؟،لقد كانت قاعة الأساتذة تضج بالشكوى على الدوام، من أحاديث المقاصة والمقايسة وصناديق التقاعد والترقيات والاقتطاعات وغير ذلك مما قصم ظهر الموظف المسكين،وكل ذلك أصبح اليوم صيحة في واد ونفخة في رماد ولم يعد”؟؟. وهنا لم يجد الإمام ما يعلق به إلا أن تمتم:”يا ويح أم الوزير.. يا ويح أم الوزير،أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه،وإذا أعطيتم فأكرموا،إن كنم تريدون التربية والتعليم فعلا”؟؟.
سمع الإمام صخبا وضجيجا في الجهة الأخرى فسأل عن ذلك فقال له الحارس إنه جناح التلاميذ فتدحرجا كليهما نحوه،ليجداه فارغا إلا من صفير رياح تعزف موسيقاها في الممرات والفصول الفارغة،فلم يجد الحارس نفسه إلا أن بدأ يعلق على نغماتها قائلا:”هنا كان التلاميذ واليوم لم يعودوا؟،هنا كانت الحيوية والبراءة والجد والاجتهاد في مختلف المواد العلمية والأدبية والتقنية والفنية والرياضية..واليوم لم يعودوا؟،نعم أتذكر هنا كان “مسلم” ينشط نادي الفنون أحسن تنشيط”؟. قال الإمام:”أوى كان عندكم الإمام “مسلم”،كل شيء كان عندكم إذن”؟.قال الحارس:”لعلك لم تفهم يا إمام”؟.قال الإمام:”وكيف لا أفهم الإمام “مسلم” حجة الله في خلقه”؟.رد عليه الحارس:”أنا أقصد “الرابور مسلم”،كان “يرابي” هنا ويرسم حلمه نريد ولا نريد،نريد تربية وأخلاقا،نريد علما ومعرفة،نريد دراسة واجتهادا،نريد مؤسسات وفضاءات….،ولا نريد تزويرا وغشا،لا نريد ميوعة وفسقا،لا نريد تكرارا وهدرا، سطوا واكتظاظا،لا نريد.. لا نريد، وسبحان الله كل ذلك الذي كان لا يريد هو الذي كان ولا زال يقع”؟؟.قال الإمام :”مسلمكم”مشكاته من مشكاتنا وكلامه من كلامنا،وكلما كان العلم بلا إيمان كان أعمى،وكلما كان الإيمان بلا علم كان أعرج”؟؟.
خرج الرجلان من تلك القاعات والممرات الفارغة ليعرجا إلى زاوية أخرى هي زاوية الإدارة كما هو مكتوب على لافتتها الممسوحة المتآكلة،قال الإمام وهم أمامها:”وأخيرا،هنا الإدارة إذن”؟،قال الحارس:”هنا كانت الإدارة واليوم لم تعد؟،والإدارة عيادة وحراسة وقيادة،أما العيادة فلا تسأل عن عذابها اليومي مع الجميع،وهي تكاد تكون الكل في الكل مع الكل،وأما الحراسة فلا تسأل عن متعتها في اللعب في الحواسيب و مهارتها في الإبحار عبر”الأنترنيت”،وأراك يا مولاي وكأنك تسأل عن معنى الحاسوب و “الأنترنيت” ولم يكونا في عهدكم يا مولاي،…وأما ا”الأنترنيت” فهو شبكة عنكبوتية تربط كل شيء بكل شيء،وفيها كل شيء مباح لكل شيء،من أجل كل شيء ولا شيء،إلا الأمور العملية داخل المؤسسة،وهذه قد تكلف بها السيد المدير شخصيا،ورغم أن مكتبه زجاجي شفاف،إلا أن سيادته يفضل حمل هاتفه في يده والجلوس في الخارج على كرسيه في هذا الزقاق الضيق بين الإدارة والمرافق،ولماذا،لأن مشروعه في المؤسسة يكاد يكون هو ألا يمر كائن من كان إلى المرافق الصحية إلا إذا وضع له درهما على الصحن الذي أمامه فوق الكرسي،وكم كان حظكم يا مولاي أنكم لم تجدوه الآن وإلا ابتز منكم درهما أودرهمين، لتنمية المشروع”؟، قال الإمام وهو لم يعد يكتم غيظه:”أي مشروع…أي مشروع؟،مشروع الإدارة أم مشروع القيادة أم مشروع الإمامة والريادة”؟ـ قال الحارس:”كل ذلك كان مختزلا في مشروع الدرهم،حتى أنه قد فتح دفترا لتسجيل الديون على أصحابها إلى آخر الشهر؟،لكن والحمد لله لقد كان كل ذلك كابوسا وانزاح، فلم يعد اليوم أي شيء من ذلك”؟؟.
قال الحارس وهو يرى الإمام لا ينفك يتعجب مما يرى ويسمع:”لا تتعجب يا مولاي فلو رأيت حقيقة الأمور من جهة أخرى لالتمست الأعذار للجميع،فمثلا مديرنا المحترم هذا وكأنه قد نزعوا منه كل الصلاحيات،فلم يعد يستطيع المسكين الحفاظ على تلاميذه رغم إلحاح الآباء، ولا على أساتذته رغم طاقاتهم الخلاقة،ولا حتى على مؤسسته التي انتزعت منه بفعل فاعل أو كيد كائد لم يدخر حقدا وجهدا في تصفية هذا النوع من التعليم الأصيل الوحيد والفريد في المنطقة،وكأنه لا يعرف تاريخه في المنطقة حتى أنها سميت باسمه:”تافيلالت العالمة”؟؟،فماذا بقي للمدير المسكين غير مشروعه المؤسساتي المعلوم”؟،قال الإمام وهو يرفض كل الأباطيل والترهات:”ولكن ماذا عن التلاميذ؟والأساتذة؟والإدارة؟… ماذا عن التلاميذ؟والأساتذة؟والإدارة”؟؟،أجاب الحارس بكل حصرة:”الآن وقد وثقت بك و وثقت بي،أقول لك الحقيقة:أما التلاميذ فقد وزعوا عنوة على مؤسسات أخريات بعيدات رغم رفض واحتجاج الآباء،ورغم توجه الوزارة إلى سياسة المؤسسات الصغيرة عملا بتعليم القرب والتحكم في الأعداد؟،أما الأساتذة فقد نقلوا تعسفا إلى مؤسسات لم يطلبوها وفي ذلك زعزعة استقرارهم النفسي والمهني والاجتماعي؟،أما الإدارة فيعلم الله بحالها ومآلها…يعلم الله بحالها ومآلها،ولكن تكفينا إدارة الأكاديمية التي أغرقت المؤسسات فوق حمولتها وكأنها تريدها حاميات عسكرية لا مؤسسات تربوية؟،تكفينا إدارة الأكاديمية فقد كان المواطن لا يجد حرجا في أن ينتقل لأبسط شيء إلى الإدارات الإقليمية والجهوية بل والمركزية وهي اليوم تشفق عليه من أن ينتقل إلى مصالحها لو كانت في ضواحي المدينة وهي منها؟؟،لا تقل أهذا إصلاح التعليم عندنا يا مولاي،ولا تعيرنا بفشل كل الإصلاحات والمواثيق والمخططات والأولويات،وتظننا قد فوتنا مع بعض المسؤولين عقولنا قبل أن نفوت مؤسستكم،مؤسستكم يا مولاي قد طالها التفويت للضرورة،وهناك مدرسة أخرى وربما ملحقة أو ملحقات ستعمل إن شاء الله على وحدة المرفق الإداري الأكاديمي بالضرورة،إن لم يكن في الواقع ففي العالم الرقمي والافتراضي على الأقل www.acadim_malik.com؟؟،وكما تعلمون وأنتم سيد الأئمة والعلماء والعارفين أن للضرورة أحكام،والأحكام والضرورات تبيح المحظورات”؟.
قال الإمام وقد أدرك أن اللعبة كلها لعبة سوء الحكامة:”بل فوتم مؤسسات ومؤسسات من غير أية ضرورة،ولا تتحداني يا حارسي الطيب وإلا أمطرتك بالعديد من الحالات لا حصر لها،فالمؤسسة التي تنعدم فيها أدنى شروط التربية والتعليم وأدواته ولوازمه أليست مفوتة؟،والمؤسسة المكتظة بما لا يسمح لا بالتربية ولا بالتكوين فبالأحرى الترفيه والتنشيط أليست مفوتة؟،والمؤسسة البعيدة عن المستفيدين وعن العاملين بعد المشرقين والمغربين ودون نقل مدرسي ولا داخلية إيواء وإطعام؟،والمؤسسة غير المنفتحة على الآباء والفاعلين والمحيط والحياة المعاصرة؟،والمؤسسة المخوصصة التي لا يستطيع الولوج إليها عموم أبناء الشعب؟،والمؤسسة التي لا تنتج مواهب وطاقات ولا تعتني بها بشكل من الأشكال؟،والمؤسسة التي تكون فيها العلاقات متوترة والصراعات متأججة والتكوينات والأنشطة والمشاريع والشراكات مغيبة؟،والمؤسسة التي تبقى جمعياتها الأبوية والرياضية ومجالسها التربوية والتدبيرية صورية غير مفعلة ولا زالت تسيرها التعليمات والاكراهات والأمزجة والرغبات وتصفية الحسابات قبل القوانين والمذكرات والشراكات؟،على قولكم،كم تعجبوننا في الأسماء على الأقل،مؤسسات”علي”و”عمر”و”أبوبكر”و”حفصة”و”صفية”و”عائشة”و”أسماء”و”البخاري”و”مسلم”و”مالك”و”ابن حزم”و”ابن سيناء”و”ابن البيطار”…،ما أكثر المؤسسات حين تعدها،ولكنها للتفويت في المجمل تتعرض،ولكن لا عليكم..لا عليكم، صلوا على تعليمكم صلاة الحاضر والغائب،وطوفوا بمؤسسات أئمتكم وعلمائكم طواف مودع،ودعوني أعود أدراجي من حيث أتيت،دعني يا حارسي الطيب ولا تذرف دمعك،دعوني..دعوني أنم في قبري كما تمنيت،وفوتوا ما شئتم و”أكدموا”ما حلا لكم،فهذا زمن التفويتات وزمن الأكاديميات،زمن عجزت فيه المحاكم على رد الحقوق إلى أصحابها،ووضعت أرقام خضراء للضحك على الذقون”؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=22271