ليس الغريب في أن يكون المغرب السياسي عامة والانتخابي خاصة معقدا غاية التعقيد،فتلك طبيعة السياسة والانتخابات في كل المشارق والمغارب،ولكن الإشكال والغريب أن يظل مجالنا السياسي وحقله الانتخابي عقيما إلى حد كبير أو شبه ذلك،يخنق عباده المؤمنين به واللاعبين الممارسين فيه والمتفرجين عليه،في هوامشه الضيقة ولا يسمح لهم في كل شيء إلا بفتاة لا يغني ولا يسمن من الحاجيات والمتطلبات في شيء،فلا ظهرا ولا مالا يبقي ولا أرضا ولا ديمقراطية وتنمية يحقق؟؟.والأشكل والأغرب من كل هذا،أن يظل كل ما سبق ضروريا وحاسما ومدخلا لازما لكل ديمقراطية وتنمية وتربية ونهضة وغيرها،من هنا ضرورة الاستمرار في البحث عن المفاتيح الحقيقية لدواليبنا السياسية ولعبتها الانتخابية،أو على الأصح مفاتيح مغربنا المنشود،مغرب الوحدة والعدالة والديمقراطية والتنمية والأمن والاستقرار والتقدم والازدهار؟؟.
لا تبرء الدولة ونظامها السياسي الشمولي في الجوهر والتعددي في المظهر،المدمن على”الدوباج”السياسي وتفريخ الأحزاب الإدارية لمهام ملغومة في الساحة على الدوام،وإنزالها إلى الشارع حتى تحظى في وقت وجيز بالتعاطف الشعبي وبالعناية الرسمية والدولية ككل أبناء الشوارع في عصر العولمة ورعاية الانحراف والتبعية ترغيبا وترهيبا. لا تبرء قوانين اللعبة الفاسدة وأساليب إفراغ المؤسسات من أدوارها الحقيقية والتحكم كمحرك الدمى في كل خيوطها رغم هياكلها المستقلة الشامخة وبهرجتها الحرة الساطعة،ففي المشهد الحزبي وما آل إليه من تمييع الأدوار و مؤسسات الإصلاح والتراجع عن المكتسبات،والتنابز بالألقاب وتلفيق التهم ما صح منها وما لم يصح(الأخونة والأعونة)،وكل هذا صراع على هامش المعركة وإشكالات الوطن وهموم المواطن الذي دب فيه الياس و غلبت عليه الحيرة الكبيرة،لأنه لا يرى همومه إلا مزمنة ومستفحلة في الإدارة والصحة والتعليم والبطالة والسكن…ولا تفتىء تستيقظ عليه مواجعها في كل موسم انتخابي،يخطب المرشحون فيه وده ليخضعوه بعدها مباشرة لسيف الإكراهات والضغوطات التي لا يكاد يخرج منها إلا بخفي حنين،ثم لا تلبث هذه الهموم أن تركد وتستغرق بعدها في النوم العميق،وإلى موسم انتخابي أخر حيث لا تزيدها الأيام إلا سمكا وبدانة،صلافة وخطورة…،ضعف الفضاءات والبنيات والطرقات والتهاب أسعار الماء والكهرباء والوقود وغيرها مما يرهق عيشه،ويعمق بأسه ويأسه؟؟،وكل هذا لا يمكن مواجهته والتراكم في حله إلا بأحزاب حقيقية تستطيع بمقتضى القوانين والدستور ملأ مساحتها الحقيقية بين الشعب والدولة:
- ولكن عندما يقدم للشعب حزب معلوم مثلا، يعترف بكل تواضع بأنه ليس له من الأمر شيء،وبأن الدولة والنظام هو صاحب كل شيء ومشروعه من مشاريعها وبرامجه من برامجها وأدوات تنفيذه من أدواتها وخدامها وأعوانها،فعلى ما ينسخ هذه البرامج ويعد المواطن ويدخل الانتخابات أصلا وفصلا؟؟.
- وعندما يظل هذا الحزب المعلوم يؤكد مرارا وتكرارا،على أنه لا يدافع عن شيء أي شيء،إلا عن الملكية وكأنه خوصصها،وعن إثبات وجوده كحزب بين الأحزاب التي رفضت الاعتراف له بحزبيته الملغومة ونسبه البلاطي المعلوم،فبأي حق يستعمل المواطن المسكين حطبا في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل؟؟.
- وعندما يعجز هذا الحزب المعلوم في غياب مشروع مجتمعي له،حين يعجز أن يستقطب المواطنين على أرض الواقع فبالأحرى المناضلين،ولكن رضاعته البلاطية وحدها تكفيه ليستقطب أحزابهم رباع وثمان ويجمعها حوله ويفرق تعاونها وتحالفها مع بعضها سرا وعلانية فرادى وجماعات،فمن ينبغي له أن يكون مثل من؟؟.
- عندما يصبح هذا الحزب المعلوم بقدرة قادر هو حزب الملاعق الذهبية والمشاريع والشركات..،الذي رحل ويرحل إليه النواب قبل وبعد الانتخابات،حتى يصبح هو الحزب الأول في البرلمان حتى قبل أن يؤسس،فلما لا يرتكب كل الخطايا وليس خطيئة التأسيس وخطيئة القرب فحسب،رغم أن جلالة الملك أكد بالواضح عدم انتمائه إلى أي حزب إلا للمغرب؟؟
- عندما يمسي هذا الحزب المعلوم تضمن له خدمات العديد من “خدام الدولة”وأعوانها، من ولاة وعمال وقواد وشيوخ ومقدمين..و وعودهم البئيسة والميؤوس منها،يرخصون ويمنعون ويحرضون ويجيشون حتى للمسيرات المتخلى عنها..،فعلى ما يضطر المضطرون لسلوك المسالك القانونية والبنائية مثل الآخرين ومعهم مثلث خوف ورعب المواطن(المخزن والعافية والواد)،ولما لا يتجرؤون لاتهام منافسيهم الشرفاء ب”الأخونة” عوض أن يعترفوا على أنفسهم ب”الأعونة”وهي اصح وااكد؟؟.
- عندما يدعي هذا الحزب الملغوم أنه حزب جديد للعهد الجديد لمواطن جديد بأسلوب جديد،يخال المرء أنه قد تم اكتشاف ينابيع الجدة في هذا الوطن العتيق،التي بعدت عنه الجدة مكانا وزمانا بعد الأرض عن السماء،و ما العزوف المتزايد عن التسجيل والتصويت إلا دليلا واضحا على ذلك؟؟.
- عندما يكون هذا الحزب الملغوم هلاميا غير منظم إلا في الأوراق والحقائب والولائم والغنائم،بل إن هيئاته الموازية لا تفتىء تعلن موتها فور ولادتها،فعلى ما يبكي هو ذاته هلامية روحه التي لم يعد شبحها يخيف المؤمنين المتوكلين والذين يرفضون تقديمهم قربانا لغير الله،فما بالك بالولاء والإتباع للفساد والاستبداد؟؟.
- عندما يضحى هذا الحزب الملغوم هو حزب الصم والبكم والعميان،لا يسمع ولا يرى فيه أحد غيره ومغنمه،نفهم لماذا كل هذه الملحمة الوصولية بكل الألوان وكل المصالح وكل السبل،التي يظن أصحابها أن القرب من البلاط و معرفة خدامه وولوج أعتابه الشريفة،مفتاح المفاتيح وقانون القوانين وضمانة الضمانات؟؟
- عندما يكون هذا الحزب المكلوم مجرد حزب جهة شمالية مهمشة يريد لها رؤسائها أبعادا وطنية موسعة،ولو بالسطو على المشاريع التنموية للجهات الأخرى في الوسط والجنوب والشرق،عندها نفهم معنى الجهوية الموسعة والعدالة المجالية،ونفهم أكثر لماذا طرد الشعب هذا الوافد الغريب من مدنه شر طردة في استحقاقات 04 شتنبر 2015،ولم يجد إلا “التحكم” و”الأعوان” و”الأعيان” ينقذون ماء وجهه في البوادي وهو لم يفتح بعد حتى مكاتبه فيها؟؟
- وعندما لا يزال هذا الحزب المكلوم يفتقد إلى أية مرجعية تنظيمية أو عقيدة فكرية تحترم هوية الشعب وتنتظم أبنائه،نفهم لماذا تسود فيه كل هذه الإيديولوجية الوقحة التي تصرح جهارا نهارا بأنه حزب كذا(المسلمين) جاء لمحاربة كذا(الإسلاميين) ولو بالتطبيع مع كذا وكذا من”الحشاشين”و”البصاصين” و”البلطجيين”…؟؟،ولماذا كان ولا يزال وسيظل يصبح ويمسي ولن ينفك كما قال أحد أبنائه والمنافحين عنه بضراوة “عبد اللطيف وهبي” وهو يشرح حزبه المستعصي على الفهم حتى على أبنائه،يقول في كتابه:”بين الوهم والاختناق”والذي أخذنا منه تشريحاته أعلاه…:”إنه حزب يجمعه الشتات وتفرقه الوحدة”؟؟.
إنها بلطجة “التحكم”،لا ترى الكفاءة والصواب إلا في ذاتها وسندتها وعبدتها،وتفقد الثقة والانفتاح على غيرها مع أن الميدان ورفع الحاجة يستوعب ويحتاج إلى الجميع،هذه السياسة تقرب الولاءات وتبعد الكفاءات وتعلن ما لا تخفي،ولا تتقيد حتى بما تضعه من القوانين الدستورية فبالأحرى ما يضعه الآخرون في المؤسسات التمثيلية والتشريعية،وما كل المنع غير القانوني ولا الدستوري الذي سبق الكرنفال الانتخابي 2016 عنا ببعيد(منع الإحسان العمومي في رمضان وعيد الأضحى،وبعض الأنشطة الجمعوية والمخيمات الصيفية،وحتى التجمعات الحزبية الوزارية،والخيام الحركية التواصلية،والتسجيلات الشبابية،والترشيحات السلفية…؟؟، والغريب أن هذا قد منع منه البعض وسمح به للبعض الآخر،وكلها حقوق قد فصل فيها القانون بالأحقية والإباحة للجميع دون قيد أو شرط أو ربط بالزمان و المكان أو الأشخاص والهيئات)؟؟.ومع الأسف،لا يفتىء الإخوان وعلى رأسهم رئيس الحكومة يؤكدون عمليا وبالملموس بفصل الدعوي عن السياسي،وبأن لا علاقة تربطهم بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ولا بأي تنظيم غيره،وبأنهم استثناء واجتهاد ونبوغ مغربي محض تؤطره الخصوصية الوطنية والعقيدة المشتركة للأمة،وبأن مصلحة الوطن وخدمة المواطن مقدمة على مصلحة الحزب،وبأن هؤلاء الحزبيين هم مجرد مساهمين من مبدئهم التعاون مع الفضلاء على الصالح العام،هم من الشعب وإليه ولا يفتئون ينجزون له ما استطاعوا ولا يفتئون مثله يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق،ولا يفتئون يصرحون بأن أمر الدين خاص بإمارة المؤمنين وليس شأن الصراعات الحزبية ولا شأن الحكومة ولا برامجها وسجالاتها،ولا زالت التعيينات في المناصب الكبرى للدولة دستورية لا تتم إلا بالترشيحات والكفاءات والالتزامات التامة بالقوانين الدستورية عند تدبير أصحابها لشأنها،ثم تأتي المراهقة السياسية والبهرجة الإعلامية المغرضة بعد كل ذلك لتستنسخ مصطلحات عدوانية واتهامات مجانية غريبة كل الغرابة عن الحقيقة والواقع،وتقصف برعبها وتبتك بدعشنتها آذان العالم كل يوم، مثل أخونة الدولة وخلط الدين بالسياسة..،والواقع أن الصحيح، هو ما هي عليه هي من العلمنة والتغريب العنيف الذي لا يعدو أن يكون في أول وآخر المطاف غير “فرنسة” و”أمركة” وعولمة متوحشة لا تراعي في هوية وخصوصيات الشعوب إلا ولا ذمة، فهل بعد هذا “تحكم وأعونة”؟؟.
إن التحكم أكبر ما يفسد الديمقراطية ويضع التنمية على الهامش لمن هب ودب،وهو فكرة وتسلط استعماري قديم،يسلب المواطنين حريتهم والأوطان إرادتها،تحت مسميات كاذبة مثل الحماية والتنوير والمساعدة على النهوض،وغير ذلك مما ليس سوى خلفيات مفضوحة لقمع إرادة الشعوب ونهب خيراتها وتشتيت كلمتها وتمزيق مناضليها إلى موالين ومعارضين:”بياعين” انتهازيين خونة ضد مجاهدين وطنيين أبطال. خرج الاستعمار واستمر التحكم بدعوى الحفاظ على الدولة والأمن والاستقرار، وكأن المواطنين والهيئات الحزبية التي تؤطرهم قاصرين ومغرضين لا يريدون إلا عكس ذلك؟؟،فكان من السلاطين ومحيطهم من مارس الحكم والسلطة وسعى في خدمة الشعب وحل المعضلات ومنهم من مارس التحكم والتسلط وسعى في قمع الشعب واختلاق المعضلات، ولم تعوزه في ذلك لا أدوات ولا أساليب ولا أعوان،السلطنة والإمامة والإمارة،يقول عبد الله العروي في كتابه “ديوان السياسة”:”وقد ركز السلطان مولاي عبد الحفيظ في حكمه مثلا على الإمامة يعني الزوايا وشيوخها،بينما ركز السلطان مولاي إسماعيل على الإمارة يعني القبائل وأمرائها”؟؟،ترى هل سنلبي نداء عهدنا الجديد ومعسكر الديمقراطية والإصلاح وندعمهما في الاستحقاق المفصلي القادم ل07 أكتوبر 2016، حتى نستغني بعده بالديمقراطية والتنمية والعدالة والقوانين الدستورية فوق الجميع،لا “أخونة”ولا”أعونة”ولا شمولية ولا تحكم كما تقضي بذلك المؤسسات وفصل السلط وسياسة القرب و المفهوم الجديد للسلطة والمقاربة التشاركية…،أم ترانا سنتقاعس عن المشاركة والتصويت للأصلح فتظل عفاريت وتماسيح معسكر الفساد والاستبداد تعض بالنواجد على كل شيء وتستعمل من أجل ذلك كل شيء،الإمامة والسلطان،والإمارة والصولجان،والتجارة والأعوان،وحتى الشعب والأخوان؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=21742