فـــــن العيش

admin
اقلام حرة
admin6 سبتمبر 2016
فـــــن العيش
محمد غربي

يقول “هنري ميللر” أن الطريقة التي يقرأ بها المرء كتابا، هي الطريقة التي يقرأ بها الحياة، من حسن حظ هذا الأديب الأمريكي أنه لم يعرف العرب و لم يتجول بمكتباتهم و معارضهم و إلا لكان ربما غير رأيه و هو يرى أن أكثر الكتب مبيعا لديهم على ضعف ولعهم بالقراءة هي كتب عن “الموت” و “عذاب القبر” و “حوريات الجنة” أو في أحسن الأحوال هي كتب عن الطبخ و أساليب النحافة و طرق تبييض البشرة و الاعتناء بها.

فالحديث عن ثنائية الحياة و الموت عندنا نحن العرب له منطقه الخاص، فبعد أن عجزنا عن صناعة حاضر نكون فيه سادة أنفسنا كباقي الأمم المتقدمة و المتحضرة، و أن نجعل من واقعنا يعمه الأمن و السلام و تسوده القيم الإنسانية النبيلة ، مثل المساواة و العدالة الاجتماعية و رغد العيش، رحنا نمني النفس بعالم آخر بعد الموت تكون لنا فيه الكلمة العليا، و كل من سوانا في الدرك الأسفل من النار، بل و أصبحنا شيئا فشيئا ننزلق في مدارج فكر ظلامي يحتفي بالموت و يصنع له إيديولوجية خاصة بنا نحن فقط و بمباركة من منظري الإرهاب و عرابيه و على رأسهم ابن تيمية و من تلاه من تلامذته مثل سيد قطب و أيمن الظواهري و أبو يحي الليبي و غيرهم، حتى بات القتل و الذبح و الانتحار مشهدا يوميا في حياتنا، يتكرر ببشاعة على أيدي شباب جعلوا مهمتهم الوحيدة على هذه الأرض هي قيادة قوافل من الأبرياء مرغمين إلى العالم الآخر. و في علاقة دائمة بثنائية الحياة و الموت، لم أجد شيئا أبلغ تعبيرا و أصدق مقالا أكثر من تلك العبارة الشهيرة لكونفوشيوس و التي يقول فيها “اننا لم نعرف شيئا حتى الان عن الحياة، فكيف نعرف عن الموت؟”، لذلك كنت أتمنى من أصحاب الفكر “الأخروي”، أن يدلونا على شخص واحد عاد من الموت لنسأله عما إذا كان وجده عالما جديرا بأن نضيع من أجله فرصة هذه الحياة التي هي بين أيدينا، أم لا.

الكثيرون أضاعوا حياتهم بحثا عن ذواتهم، و في خضم بحثهم ذاك نسوا شيئا مهما هو أن يصنعوا ذواتهم، فيقفون في آخر العمر ينظرون لكل تلك السنوات التي تسربت من بين أيديهم في بحث مضن عن شيء لم يكن له وجود أصلا، فتجدهم يبررون فشلهم ذلك بأمل زائف في نجاح من نوع آخر لكنه نجاح و فوز مؤجل إلى ما بعد الموت.

أن الحياة هي فن الممكن، هي ذلك التحدي اللذيذ في التسليم بعدم أهمية الأشياء، لكن بحذر، أقصد بالقدر الذي يمكنك من التخلص من ذلك الضغط العصبي و النفسي الذي يعمي عينيك عن الطريق الصحيح و يشل تفكيرك، فعندما تتحرر من أفكارك السلبية، ستتضح الرؤيا أمامك و عندها فقط ستجد طريق النجاح.

يقول ألبير كامو أن إن طريق الحياة وعرٌ وشاق بدون مساعدة الدين والفن والحب، لكن الغريب أن الكثيرين منا أسقطوا الفن و الحب و تمسكوا ببعض قشور الدين، أملا في حياة أفضل، متناسين أو متجاهلين أن الله بجلاله أمرنا أن نعيش الحياة على الوجه الأكمل حين قال في سورة القصص “وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا” فالفشل ليس مدعاة لليأس و التسليم بعبثية العيش على هذه الأرض، بقدر ما يجب أن يكون حافزا للمحاولة مرة ثانية و ثالثة و رابعة، و لعل تجارب عظماء التاريخ دليل على صدق كلامي فتوماس أديسون، لخص كل خبرته في عبارة واحدة أراد من خلالها أن يعطينا درسا بالغ الأهمية حينما قال “الكثيرون ممن فشلوا في الحياة هم أشخاص لم يدركوا كم كانوا قريبين من النجاح عندما استسلموا ويئسوا من المحاولة”.

فتذكر و أنت تعيش حياتك أن سعادتك تستحق بعض المغامرة فلا يفوز باللذة إلا كل مغامر ومات بالحسرة كل من قرأ العواقب، و أختم حديثي بعبارة الكاتبة الرائعة هيلن كيلر الحياة إما أن تكون مغامرة جريئة…أو لا شيء

المصدرمحمد غربي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.