أصبحت مشاريع الصرف الصحي وتطهير السائل تعرف نموا مطردا في العالم القروي، بعدما كانت مقتصرة على المدن الكبرى والمتوسطة، ويدخل هذا المشروع ضمن البرامج التنموية التي تبرز مدى تنامي مستوى تطور البنية التحتية والتجهيزات الأساسية لهذه المناطق، كما أضحت ضرورة حتمية فرضتها التحولات السوسيو-اقتصادية والثقافية التي يعرفها المجتمع القروي المغربي بالخصوص.
وبغض النظر على محاسن وأضرار “الصرف الصحي”، فقد عجز المغرب عن احتواء أزمة معالجة المياه المستعملة، من خلال الاهتمام بالمحطات التطهير السائل، حيث إن معظم هذه المحطات متوقفة اليوم عن العمل، ويتم طرح المياه العادمة مباشرة في الاودية الكبرى، وتسبب في تلوثها، كما هو الحال بالنسبة لواد سبو وأم الربيع وأبي رقراق وغيرها، بالإضافة تلوث البحار بسببها، حيث أصبحت هذه المجالات تشهد كارثة بيئية بكل المقاييس تؤثر سلبا على الأنظمة الأيكولوجية البرية والبحرية بدرجات جد متقدمة. وفق ما جاء في تقرير وزارتي البيئة والتجهيز والنقل بشأن جودة مياه الشواطئ، التي صنفت هذه الاودية ومصباتها ضمن المناطق السوداء في المغرب من حيث درجة تلوث مياهها.
لقد دأبت بعض المناطق في العالم القروي إلى إنجاز مثل هذه المشاريع، من قبيل دوار أزقور (الذي أخذ على عاتقه مسؤولية انجاز هذا المشروع من خلال جمع الأموال من الساكنة عبر مراحل) والمكتب المسير لجماعة ألنيف، الذي يعمل على قدم وساق على برمجة المشاريع التنموية في مخططاته التنموية، ويأتي مشروع الصرف الصحي ضمن أبرز أولوياته، فبعد موافقة الوزارة المكلفة بالماء على المشروع الجماعة يوم 12/04/2016 التي قامت بتمويل المشروع، وسيتم يوم 15 شتنبر المقبل فتح الأظرفة لمعرفة اسم المقاولة التي ستتكلف بأشغال انجاز الصرف الصحي لمركز الجماعة القروية ألنيف بإقليم تنغير، كما أنه من المقرر أيضا أن تبدأ هذه الاشغال في مطلع شهر أكتوبر 2016.
وحسب استطلاع لرأي الساكنة عبر المواقع التواصل الاجتماعي حول هذا المشروع، تبين أن مجمل هذه المواقف متباينة، ففي الوقت الذي رحب البعض بإنجاز المشروع، يرى آخرون أن هذا الأخير ستكون له انعكاسات سلبية في المستقبل، تتمثل في ارتفاع مهول لفاتورة الماء الصالح للشرب، إذ سيتم خصم مستحقات هذا المشروع من جيوب الساكنة المغلوبة على أمرها، في حين ذهب آخرون إلى أن المشروع قد ينتج عنه أضرارا بيئية بالغة الخطورة في حالة عدم إرفاقه بمحطة المعالجة. علما بأن المشروع الحالي لا يتوفر على محطة للتطهير السائل حسب ما جاء على لسان رئيس جماعة ألنيف محمد بن يوسف.
وتتجلى الانعكاسات الكارثية لهذا المشروع في المستقبل، في تدهور الأوضاع البيئية بالجماعة، من خلال تلوث الفرشة المائية الباطنية، التي تنتشر على طول واد “الرك” وبعمق قريب من السطح، وتعتبر أهم فرشة مائية تستغلها الساكنة في توفير حاجياتها من الماء الشروب وسقي الأراضي الزراعية، وسينتج عنها تراجع جودة المياه أكثر مما هي عليه اليوم خاصة في ظل ندرة الموارد المائية بالمنطقة.
أما الوضعية الصحية بالجماعة، فستشهد تدهورا حادا، بفعل انبعاث الروائح الكريهة وانعدام الهواء النقي، بالتالي ستحاصر القرى المجاورة لمنطقة تفريغ هذه المياه المستعملة، مما سيؤدي إلى تزايد البعوض في الصباح والمساء بصورة تقلق الصغار والكبار في حياتهم اليومية، كما ستلعب الرياح دورا أساسيا في نقل الحشرات والبعوض بكل سهول نحو التجمعات السكانية.
لن يقتصر المشروع على الخسائر البيئية والصحية بالمنطقة فحسب، بل سيمتد إلى الخسائر الاقتصادية، حيث ستضطر الدولة إلى صرف أموال طائلة لتوفير الدواء للمصابين بالأمراض التنفسية أو بلسعات البعوض، وذلك بسبب ما قد ينتج عن انتشار للأوبئة الخطير، وقد تضطر الجماعة حينئذ إلى تغيير مكان إفراغ المياه العادمة لتجنب الكوارث المتلاحقة، وقد يستدعي الأمر صرف أموال باهظة قد تفوق حجم الميزانية التي جهز بها هذا المشروع.
رغم أهمية هذا المشروع، إلا أن إنجازه قد يكون سببا في تدهور الأوضاع البيئية والصحية بهذه الواحات التي تتميز أساسا بهشاشة نظمها الطبيعة جراء الجفاف الهيكلي الذي تشهده المنطقة، وزحف الرمال والتصحر، وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للساكنة.
ولتجنب السيناريوهات الكارثية للمشروع، ودرء مخاطره، يجب على المسؤولين الاستفادة من بعض المناطق التي تعاني اليوم من الانعكاسات السلبية لهذا المشروع، والعمل على تجاوزها، وذلك من خلال القيام بدراسات التأثير على البيئة بشكل دقيق، وإرفاق هذا المشروع بمحطة معالجة لتصفية المياه المستعملة، واستغلال هذه المياه في النشاط الزراعي، أو استغلالها في انشاء المساحات الخضراء داخل مركز ألنيف، أو استعمال هذه المياه لإعادة إحياء المراعي والعمل على تشجير وسقي المجالات المهددة بزحف الرمال لتكون حاجزا يوقف تقدم الكثبان الرملية، خاصة في الجهة الشرقية للجماعة، أي خارج المجالات الواحية. كما يري بعض الخبراء في مجال الصرف الصحي أن تلك المشكلة يمكن حلها عن طريق التكنولوجيا الجديدة، وعن طريق استثمارات عاجلة في مجال الصرف الصحي عن طريق تصنيع مراحيض صديقة للبيئة لا تكون باهظة الثمن ولا تستهلك كمية من المياه بكثير.
المصدر : https://tinghir.info/?p=20970