أسابيع قليلة جدا تفصلنا عن حلول 7 أكتوبر 2016، موعد أول تشريعيات في ظل دستور 2011، التي لم أجد أي سبب معقول لحرمان جاليتنا بالخارج من المشاركة فيها مهما كانت المبررات. وهي استحقاقات يصعب التكهن بنتائجها، لاسيما أن التجاذبات قوية بين حزبي “العدالة والتمنية”، بقيادة أمينه العام ورئيس الحكومة ابن كيران، الذي يدافع بشدة عما يعتبره إنجازات مشرفة، وغريمه حزب “الأصالة والمعاصرة” بزعامة إلياس العمري الذي يحاول جاهدا تجريده من مقود “السفينة”، مستغلا نقط ضعفه وإخفاقاته… فهل ليس للمغاربة من خيارات أخرى عدا هذين الحزبين؟ هل سيكون الاقتراع المرتقب حرا ونزيها وشفافا؟ وهل ستسود لغة العقل، ويتقبل “الخاسرون” هزيمتهم بروح رياضية عالية؟ نأمل أن تتحول المعركة إلى عرس ديمقراطي بهيج.
فنحن نراهن على هزم اليأس في صفوف المواطنين، وأن نجعل من الاستحقاقات نهضة حقيقية، تساهم في بناء مؤسسة تشريعية قوية غير مبلقنة، وإفراز حكومة قادرة على تدبير الشأن العام بعقلانية، للنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية والثقافية والرياضية… وألا يلتفت الناخب إلى نقائص المشهد السياسي، يدرك قيمة صوته الانتخابي، ويتفاعل مع لب الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش المجيد، الذي أشار بوضوح إلى مكانة المواطن في الانتخابات، بالقول: “فالمواطن هو الأهم في العملية الانتخابية، وليس الأحزاب والمرشحين، وهو مصدر السلطة التي يفوضها لهم، وله أيضا سلطة محاسبتهم أو تغييرهم، بناء على ما قدموه خلال مدة انتدابهم”. وزاد مشددا على لزوم إعمال العقل، قائلا: “لذا أوجه النداء لكل الناخبين، بضرورة تحكيم ضمائرهم ومصلحة الوطن والمواطنين، خلال عملية التصويت بعيدا عن أي اعتبارات كيفما كان نوعها”
وما انفك الملك يلح على الانخراط في الانتخابات، باعتبارها مجالا للتنافس الشريف بين البرامج والنخب السياسية، ووسيلة حضارية للتعبير الحر عن إرادة المواطنين، ومدخلا أساسيا لترسيخ نظام ديمقراطي حديث، إذ يقول في خطاب سابق: “إن التصويت حق وواجب وطني، وأمانة ثقيلة عليكم أداؤها، فهو وسيلة بين أيديكم لتغيير طريقة التسيير اليومي لأموركم، أو لتكريس الوضع القائم، جيدا كان أو سيئا”، فإنه لم يعد مسموحا لنا الاستمرار في التشاؤم وتبخيس أصواتنا الانتخابية، ومنحها لغير مستحقيها ممن يمكنهم استغلالها لمصالحهم الذاتية، ورهن مستقبل أبنائنا وبلدنا للمجهول طيلة خمس سنوات. فأصواتنا تمنحنا سلطة القرار في حسن الاختيار، بعد التأكد من مدى واقعية البرامج الانتخابية، وصدقية الأحزاب السياسية القادرة على الوفاء بوعودها.
والانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، بقدرما هي إحدى آليات تدبير السياسات العمومية ومرحلة حاسمة في إرساء أسس الديمقراطية، ما يدعونا إلى تجنب الوقوع ضحية الكلام المعسول، التصدي للمفسدين وفضح الممارسات الدنيئة، للحيلولة دون تلاعب الكائنات الانتخابية بالعقول، عبر التدليس وشراء الذمم والمتاجرة بالدين. خصوصا أننا مررنا بتجارب قاسية ضاعفت آلامنا وأحزاننا مع عدة حكومات، معتقدين أن مرجعياتها الفكرية وتصوراتها السياسية، ستكون كفيلة بدفعها إلى تنفيذ مضامين برامجها، والالتزام بتعهداتها في إعادة الثقة والطمأنينة للمواطنين. بيد أننا كثيرا ما كنا نستفيق متأخرين لنكتشف انخداعنا، وقيامنا من حيث لا ندري باستبدال السيء بالأسوأ، في التصويت لفائدة غير المؤمنين بالتغيير ولا بالديمقراطية الحقة، الذين لا يبالون بعواقب ما يتخذونه من قرارات تعمق الجراح وتضرب المكتسبات. عشنا انتكاسات متوالية، عانينا الكثير من مظاهر الحيف و”الحكرة”، وشتى أنواع العنف والجرائم، فلا حكامة جيدة ولا ترشيد النفقات العامة ولا ربط المسؤولية بالمحاسبة ولا مشاريع تنموية حقيقية…
علينا أن نحرص على الخروج من دائرة الإمعة وتحرير أصواتنا الانتخابية، ونحسن انتقاء ممثلينا من النزهاء وذوي الكفاءات والخبرات، بما يساهم في إفراز حكومة شعبية تحكم ولا تحكم (بضم التاء)، تستطيع رفع التحديات وخلق تنافسية حقيقية ومناخ محفز للاستثمار، تطهير المجتمع من مختلف أصناف الريع والفساد المالي والإداري، تحسين الدخل والحد من معدل البطالة والتفاوتات الاجتماعية والمجالية، احترام حقوق الإنسان وتوفير العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية والسكن اللائق، تأهيل البنيات التحتية والنهوض بجودة الخدمات الاجتماعية في التعليم والصحة والعدالة…
فنحن ملزمون بتقدير الأمانة وتحمل المسؤولية، السعي الدؤوب إلى تشذيب العملية الانتخابية من الشوائب على مستوى اللوائح العامة والتقطيع الانتخابي… والتحلي بروح المواطنة الصادقة والاعتزاز بانتمائنا للوطن، الذي نريده حضنا دافئا يسع الجميع. وأن نبادر إلى رفع تحديات التنمية، وتصحيح أعطاب ديمقراطيتنا الناشئة، من خلال تحسيس المواطنين بضرورة الانعتاق من الظلم والقهر والميز والاستبداد، ومحاسبة المنتخبين كلما زاغوا عن تعاقداتهم. وأكيد أننا بذلك، سنرقى بصوتنا الانتخابي إلى مستوى الصوت السياسي الحر، الذي يصعب على أي قوة مالية أو دينية، أن تخضعه لمشيئتها.
وإننا اليوم لمؤمنون بأن المغاربة عامة وفئة الشباب خاصة، بلغوا أعلى مراتب النضج والوعي، وصاروا أكثر استعدادا للوقوف ضد إفساد المسلسل الانتخابي وعرقلة الانتقال الديمقراطي، بغيرتهم الوطنية وضمائرهم الحية، ثم بالشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي. بيد أن هذا لن يتيسر إلا بانخراط فعاليات المجتمع المدني، والمنظمات الحقوقية والنقابية ووسائل الإعلام… في تحفيز الناخبين على المشاركة الكثيفة، وقيام الأحزاب السياسية بدورها التواصلي الجاد، وإقناع المواطنين بجدية وواقعية برامجها السياسية، ومدى قدرتها على الالتزام بتعهداتها. فهل بإمكان تشريعيات أكتوبر 2016، انتشالنا من ظلمة الإحباط والانتظار، والسير بنا نحو ضفاف الديمقراطية والازدهار والاستقرار؟
المصدر : https://tinghir.info/?p=20941