نورس الفلسفة يبزغ من جديد لكي يبحث في قضايا مستقبلية و النبش و التنقيب في الماضي بحثا عن حقائق صلبت في دهانيز الماضي ، و لذلك الامر يستوجب احياء الحقائق التي تخدم الانسان في المستقبل و دفن تلك التي تزور التاريخ و الحقائق الانسانية ، مما لا شك فيه ان هذا المشروع الفلسفي الذي يهتم بفلسفة المستقبل جدير بإحياء الحقيقة و التي تعتبر غاية و هدف كل بحث علمي استشرافي همه الوحيد هو خدمة الانسانية لا خدمة الايديولوجيات و الكهنة و المستعبدين و اهل الظلام .
ان قوى الظلام دائما تعدم كل حقيقة تخدم الانسان السامي الذي يؤمن بالفكر الحر ( pensatori) و يؤمن بمستقبل متحرر من الاوهام الدينية و الماضي المظلم و من الافول التي تعيق طريق العقل البشري الحر ، لذلك تصلب كل من يكتب قيما جديدة تفكك بنية العقل الراديكالي ،الكلاسيكي ، و لهذا يعمل هؤلاء جاهدين الى تصليب مستقبل الانسان السامي بتعبير الفيلسوف نيتشه ( Nietzsche ) الذي يسعى الى هدم و نقد تلك الافكار الملتصقة بفكر الانسان و تكبده و لا تدعه يتجاوز ذلك الفكر النمطي .
اننا شيء مغاير نؤمن بالتحرر و الثورة على كل فكر لا يحتكم الى مبادئ العقل ، اي كل شيء خارج عن نطاق العقلاني ، نحن ضد اللاعقلاني و لذلك يستوجب على المفكر الحر التوسل بالنقد كآلية من آليات الهدم ، و ذلك بهدف التنقيب عن الحقيقة التي يهبها الكل و يهرب منها بدريعة مخترعة ، و من الحقائق تلك التي تصلب من اجلها العقول الحرة بهدف قتل المستقبل نفسه و في الآن نفسه قتل مستقبل الانسانية وطمس حقائق لا تخدم مصالح الكهنة من البشر الذين يحاول بيع صكوك الغفران لأولئك الضعفاء المستعبدين و الذين تستهويهم الاوهام و الاكاذيب و الذين لازالوا يعبدون الاوثان بدريعة تقديسيةوللاسف في عصر التقنية و العلم . و على هذا الاساس ينبغي على المشتغل في الفلسفة خاصة و رجل العلم بصفة عامة ، البحث عن حقائق هذه الممارسة اللاعقلانية التي يرجع اصلها الى الماضي المظلم للفكر الانساني .
اعلم علم اليقين ان الكثير من الناس سيعارضون هذا التصور و يؤكدون كل التأكيد تجازو الانسان هذه الفترة المظلمة ، اقول لهم تم تجاوز الامر مبدئيا ، لكن هذه الممارسات لازالت قائمة و سائرة المفعول في نمط تفكير الافراد الى يومنا هذا و لا يجب انكارها لانها بمثابة سم يقتل الفكر الحر و يسهم في تصلب العقول و تحجرها. و من الناس ايضا من اعتبر الامر ارث انساني ينبغي تقدسه و محاكاته و ما الى ذلك، و لكن في نهاية المطاف يمكن ان يكون هذا من اخطر الامراض التي قد تفسد عقول الناس و تعيق مشروع التنوير الانساني و تعدم رجالات التنوير الذين يتمردون على اللاعقلاني و اللامعقول في المعتقدات التي تكرس التخلف و العبودية في الفكر الانساني .
و هذا ادى برجال الفكر الحر بطبعة الحال الى محاولة تكسير و تهديم تلك الانساق النمطية في المجتمع التي بدورها تقيد حركية القيم الجديدة التي ستشكل جزء من مستقبل الانسان السامي ، و لهذا لابد من تفكيك و هدم السلطة النسقية التقليدية التي تحكم في دينامية القيم و تعيق التجديد المجتمعي ، و بالتالي مشروع مجد الفلسفة لابد ان يكون مشروع واضح المعالم و الاهداف لكي يرى مستقبل الانسان نور و تنوير و مجد في الوقت نفسه .
و بطبيعة الحال هذا هو دور الفيلسوف الحر الذي يجب عليه الاستيقاظ من سباته العميق و خلع هلدمه التقليدي و الالتحاق بالركب الحداثي الذي يناهض من اجل مستقبل الانسان السامي .
مراجع :
- نيتشه ، هذا هو الانسان ، ترجمة علي مصباح ، منشورات الجمل ، 2002 .
- نيتشه ، العلم المرح ، ترجمة و تقديم ، حسان بورقية ، محمد الناجي ، افريقيا الشرق ، بيروت ، لبنان ، 2000.
- نيتشه ، غسق الاوثان ، او كيف نتعاطى الفلسفة قرعا بالمطرقة ، ترجمة علي مصباح ، ط الاولى ، بيروت ، لبنان ، منشورات الجمل 2010 .
- نيتشه ، ما وراء الخير و الشر ، ترجمة جيزبلا فالور حجار ، مراجعة موسى وهبه، بيروت ، لبنان ، 2003 .
- Charles Murin Nietzshe probléme Généalogie d’une pensée ;paris ; J.Vrin ; les presses de I’Université de Montréal .
المصدر : https://tinghir.info/?p=20937