بالعودة إلى الإرث السقراطي الغني ،فإن مفهوم السياسة من منظوره كان مرتبط بالفن ، بل أكثر من فن ، في أن واحد ،فقد رفض الطرح السفسطائي القائل بأن السياسة فن يقوم على البلاغة،يجلب المال و السلطة و النجاح،بل إعتبارها أحد أعمدة السلوك الإنساني الذي يسعى إلى نشر الخير و التقدم و الإزدهار ، ليس للخيرات الظاهرية ، ومظاهر البذخ و الثراء الذي هو هم كل سياسي في عصرنـا هذا ،لهذا فإن سقراط استوجب في ربان ”المدينة ” أن يكونوا مؤهلين أعلى من الإعداد و من المؤهلات و الكفاءة التي يحتاج إليها ربان السفن من أجل السيطرة على سفنهم و الوصول بها و بركابها إلى بر الأمــان .
لا تسمح هذه المعطيات إلا بإعادة طرح إشكالات الاختيار( الانتخابات) ” للربان” في دولتنا المغرب ، و هل يمكن الحديث عن ديمقراطية في ظل تصويت أشخاص و (مواطنين) يلعبون جميع الحبال ؟
للإجابة عن هذا السؤال يستلزم الأمر استحضار صورة المواطن المغربي كما رسمها لنا الباحث بول باسكون ، تلك الشخصية المتناقضة و المعقدة التي لا يهمها سوى مصلحتها الشخصية ، تنتظر الفرصة لتكون إلى جانب المنتصر دائما و تشارك في نفس اللعبة، حتى و إن كان ذلك على حساب قلب نسق القيم و خرق المحرمات .
و ما يشد الانتباه اليوم و نحن على أبواب الانتخابات التشريعية ، هو حاجتنا الماسة إلى معرفة المعيار الذي يتم من خلاله انتقاء مرشحي و ممثلي المواطنين في المجالس الجماعية و البرلمانية ؟
نريد من خلال هذا السؤال التأكيد على ان ما يجمع المغاربة هو العلاقات الدموية و العشائرية و ليس البرنامج الإنتخابي و لا مبادئ الأحزاب ، فرغم إتفاق الكل على ان المغرب خطى خطوة كبيرة التي تكمن في الإنتقال من الطابع التقليدي من علاقات دموية و عشائرية و قبلية إلى مؤسسات مهيكلة و منظمة وفق القوانين التنظيمية الجارية ، إلا ان الإنتخابات تكشف عن حقيقة مألها أن أسود البشرة سوف يصوت على مرشح أسود البشرة ، و قبيلة ”أيت فلان” أجمعت على الإمتناع عن التصويت لفلان لأن هذا الأخير تعود أصوله إلى قبيلة كانت تربطهم علاقة صراع ما حول ماء أو أرض ..،تحالفات عمياء و متغيرات كثيرة لها ثأثيرات حاسمة في المشهد السياسي المغربي خاصة في العالم القروي .
كيف يمكن للعلاقات الدموية و العشائرية أن تكون عائقا في وجه الديمقراطية ؟
في ظل غياب الأحزاب و ضعف التأطير في مؤسسات المجتمع المدني وعدم وجود برامج سياسية واجتماعية، بالأخص ، فإن القبيلة مؤسسة سياسية، تحاول كل عشيرة أن يكون لها ممثل بالبرلمان يحمي مصالحها الضيقة ، لا يهمها البرامج السياسية ،فالقبيلة الواحدة تتفرع إلى عدة تفرعات كل فرع يتفق على مرشح ويزداد فيهم
” صلة الرحم الفجائي ” والتكاتف والحممية الزائدة تحكمها براغماتية محضة .
إن الظرفية الحالية تحتّم علينا وتلزمنا أن نكون أصحاب رؤية سياسية تنطلق من إيمان ثابت بأن الوطن لجميع أبنائه و أننا كلنا واحد باختلاف ألواننا و باختلاف قبائلنا، وأن السلوك الإلغائي لكل من هو مختلف عني ،جر ويجر على أبناء هذا الوطن الويلات في تنصيب أناس لا يفقهون في السياسة شيء و لاتهمهم المصلحة العامة بقدر ما تهمهم زيادة أرصدة أموالهم و ثرواتهم في الأبناك على حساب مصالحة الشعب .
المصدر : https://tinghir.info/?p=20766