في لقاء جمعنـي بـرئيس الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري عاتبتُه بخصوص إحدى القنوات الإذاعية التي تخصص لأحد خطباء التشدد حيزا هاما من وقتها، وهو الخطيب الذي لا ينفك يسوّق شعوذة فكرية لا يمكننا إلا إنكارها عليه شكلا ومضمونا، لأنها تتعارض مع الضمير المغربي الذي اختار عبر تاريخه الدين الوسطي المعتدل والذي ينسجم إلى حد كبير مع الالتزامات والتعهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، فضلا عن كون خطيبنا هذا يمسّ بمكتسبات حقوقية عدة تمّ تحقيقها عبر نضال القوى الحية داخل المجتمع، التي ناضلت منذ فجر الاستقلال.
أجابني المسؤول: ـ”أنا ضد ذاك الشخص وسبق وعقدت لقاء مع مسؤول الإذاعة وكان سبب عدم طرده أن له جمهور؟” جواب هذا المسؤول يتضمن سؤال الأسباب التي تجعل خطابات التشدد جذابة تسترعي اهتمام الجمهور، فهناك كثير من الخطباء الذين يتمتعون بحس عقلاني وبخطاب وسطي إنساني، لكنهم لا يلاقون نجاحا وصدى لآرائهم داخل المجتمع، في مقابل خطباء يعبرون عن أفكار الغلوّ والتشدد التي تهدم ولا تبني، ويلاقون رغم ذلك إقبالا على آرائهم رغم طابعها المتشدّد، فينتشر خطاب العنف والتشدد والقسوة في إذاعة الدولة ويلقى القبول لأن الناس في هذه البلاد تربوا على العنف والقسوة، ولم يتعودوا على قيم الاختلاف والشك والاعتراض، والحرية في نهاية المطاف.
يسأل المستمع الخطيب بصوت راجف يدلّ على أنه في غاية الضعف وأنه بحاجة إلى منقذ يجتثّه من عذاب الروح، ولا يرغب فيمن يحثّه على استعمال عقله والتحلي بالإرادة والثقة في النفس، أو باحترام القانون والاتجاه نحو المؤسسات، لأن الخطيب زرع فيه الإحساس بالنقص و بأن عقله “قاصر” و”محدود”، وبأن القانون الذي يحتكم إليه وضعي بشري. لهذا يضع الناس ثقتهم في الفقهاء الذين يمتلكون أجوبة دينية ربانية، كما يثقون في المشعوذين والشوافة لأن هؤلاء بدورهم لهمقوة خارق.
إن الحسّ السليم والقانون والدولة يعتبرون تزويج القاصرات وتعنيف النساء من المظاهر المجتمعية السلبية التي ينبغي محاربتها، ورغم ذلك يتجه المواطن إلى رجل دين يسأله إن كان يجوز له تزويج ابنته البالغة 15 سنة و ضرب زوجته الرافضة لأوامره أو نزواته؟ ويأتي جواب الفقيه: نعم من الإسلام ذلك وضرب المرأة تأديب لها والقرآن ينصّ على هذا “التأديب” بشروط ينبغي مراعاتها، أما ما يسمى “محاربة العنف ضد النساء” فهو خطاب مستورد، لا يمت بصلة إلى ديننا.
لقد تربى الناس على القسوة والعنف وترعرعوا في جو من القمع الأسري والسلطوي، فترسخ في نفوسهم أن أمر الله لا بد أن يكون قاسيا صعبا شديد الوقع، ولهذا فعندما ننطق بلفظة “الدين” يخيل إلى الناس (اللاحرية والانغلاق والتشاؤم)، ولا بد أن يقبلوا هذا السواد لكي ينعموا بالجنة، وأن هذه المحنة هي الثمن الذي عليهم أن يؤدّوه من أجل الخلاص في الآخرة.
إن الظرفية الراهنة فرصة ذهبية لتنويريي المغرب للمشاركة في تاريخهم وتسخير الإعلام البديل وشبكات التواصل الاجتماعي وجمعياتهم في القرى والأحياء والمدنلهدم قيم الماضـي الغارقة في العنف والتصدي للقنابل البشرية ومواجهة الأفكار التي تستهدف مشروع تحديث الدولة والمجتمع،وبناء مغرب اليوم والانتصار للمعرفة وقيم المواطنة التي لابد وأن تؤسس على العدل والمساواة و قبول الاختلاف.
رئيس حركة تنوير
المصدر : https://tinghir.info/?p=20491