مرة أخرى تثار زوبعة من ردود الأفعال المتباينة على نطاق واسع، في مختلف المنابر الإعلامية بالصحف الورقية ومواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومعارض لترشح رئيس الحكومة والأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” عبد الإله بنكيران للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها يوم: 7 أكتوبر 2016، لاسيما أن ملك البلاد محمد السادس، جدد تكليفه رفقة كل من وزير العدل والحريات مصطفى الرميد ووزير الداخلية محمد حصاد بالإشراف عليها، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لعيد العرش المجيد. ألم يكن حريا به تقدير جسامة المسؤولية، والتفرغ للسهر على سيرها الطبيعي والحرص على أن تكون حرة ونزيهة وشفافة، بما يضمن لها مشروعية التمثيل الديمقراطي؟
وبصرف النظر عن جواز ترشحه قانونيا من عدمه، وعما قد يشكله من حالة تناف برأي المهتمين، بصفته مسؤولا عن إدارة الاستحقاقات الثانية في ظل دستور 2011، وباعتباره خصما سياسيا يقود حزبه للتنافس على المرتبة الأولى لرئاسة الحكومة ثانية، وعما إذا كان استشار “رئيسه” الملك قبل الإعلان عن نيته في خوض غمارها، وما يمكن أن يترتب عن ذلك من تشكيك في نتائجها وضرب لمصداقيتها. وعما أحدثه ما سمي ب”الكولسة” وغياب الديمقراطية الداخلية بحزبه عند انتقاء المرشحين من غليان، أدى إلى حرمان وجوه جديدة من ولوج المعترك الانتخابي وتجريب حظوظهم في الظفر بمقاعد نيابية، ومغادرة شخصيات وازنة في اتجاه الغريم السياسي اللدود حزب “الأصالة والمعاصرة”، الذي استقبلها بحفاوة كبيرة. فإن شبيبة الحزب ومناضليه “الأوفياء” بمؤازرة الأتباع والمناصرين، عازمون على القدوم من مختلف ربوع البلاد، للقيام بحملة واسعة وسابقة لأوانها في دائرته بمدينة سلا، مستعينين بكل ما أوتوا من قوة، لدعمه في “حربه المقدسة” ضد من يعتبرونهم رموز الفساد والتحكم.
قد يحصل على العضوية بمجلس النواب عن سلا المدينة لولاية رابعة بعد: 1997، 2002، 2007، إلا أن حزبه سوف لن يستطيع تحقيق نفس النتائج السابقة، رغم توفره على كتائب إعلامية نشيطة وكتلة ناخبة ثابتة في ظل ارتفاع نسبة العزوف الانتخابي، لاعتبارات شتى سأكتفي بذكر بعضها، يأتي في مقدمتها تراجع شعبيته وتآكل مصداقيته، جراء تنكره لوعوده واتخاذه قرارات لاشعبية “فعفعت” المواطنين وضربت قدرتهم الشرائية، حتى بات من الصعب إعادة بيع الوهم لهم والضحك على ذقونهم، واستغلال الخطاب الديني في دغدغة عواطفهم، بدعوى أن حزبه هبة من السماء، جاء لتخليصهم من بين براثن الفساد، في حين أنه أول من سارع إلى التطبيع معه عبر قولته الشهيرة: “عفا الله عما سلف”، واستنجاده بمن كان يرى فيه أحد “دناصيره”: صلاح الدين مزوار رئيس “التجمع الوطني للأحرار”، في ترميم حكومته بعد تصدعها بفعل انسحاب حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي، ليس حفاظا على استقرار البلاد كما يزعم، وإنما تشبثا بمنصبه الكبير جدا.
فبنكيران لم يعد هو نفسه كما كان قبل أن تحمله رياح “الربيع العربي” إلى دكة الحكم، ذلك الشخص الذي رد في أحد الأيام من عام 2008 عن سؤال للباحث رشيد مقتدر حول إمكانية مشاركة حزبه الإسلامي في الحكومة، بالقول: “إذا كان غرض الإخوان فقط الحصول على المناصب والوزارات وأجور عالية وغيرها.. أنا أسأل الله ألا يبلغهم ذلك، وأعلم أنني أدعو لصالحهم وأنا على رأسهم”.
بيد أنه للأسف الشديد وقع صريع كرسي السلطة، وليس هو أول المغرمين به ولن يكون الأخير، ولولا أنه استطاب نعم “الجنة” وامتيازاتها حتى أصبح لا يرى نفسه خارجها، ما كان ليدفع بحزبه إلى التمديد له سنة إضافية على رأس الأمانة العامة. أفلا يستحق مكافأته بالحفاظ على منصبه نظير إسهامه في امتصاص غضب الشارع وإضعاف “حركة 20 فبراير” إبان ثورات “الربيع العربي”؟ ألم يتنازل عن صلاحياته الدستورية، وينصاع لأوامر صندوق النقد الدولي في إغراق البلاد والأجيال القادمة في مستنقعات المديونية، السعي إلى التوظيف بالعقدة وخوصصة قطاعي التعليم والصحة… فضلا عن إنهاء ما أو كل إليه تمريره من قوانين تخص صندوق المقاصة، التقاعد، الأمازيغية والإضراب…؟
قد يحاول التمويه والتملص من مسؤولياته، واتهام الخصوم بالحؤول دون قيامه بالإصلاحات المرجوة وتلبية تطلعات الشعب، في محاولات يائسة لاستدرار عطف المواطنين أثناء الحملة الانتخابية، لكني لا أعتقد أن بمقدوره تجديد ثقتهم بعد إحراق مراكبه، وأنه في أحسن الأحوال سيتولى رئاسة فريق حزبه النيابي والاصطفاف ضمن فرق المعارضة، طالما أنه مهووس بالزعامة. ولنا أن نتصوره كذلك، فماذا سيعارض وعمن سيدافع، ونحن نعلم أن ليس هناك أسوأ من سياسة حكومته ولا أفظع من قراراته الارتجالية، بعدما نصب “مجازر” قاسية لمختلف فئات الشعب؟ إذ لم ينج من خبطاته العشوائية والمؤلمة، لا الأساتذة بمختلف الأسلاك التعليمية ولا الأطباء والممرضون ولا القضاة والصحافيون ولا الطلبة والمعطلون ولا حتى الشجر والحجر… وكم سيكون المشهد حزينا، حين نستحضر قصة ملك غرناطة المسلم أبو عبد الله، الذي سلم مفاتيح آخر دولة إسلامية للملكين الكاثوليكيين، ثم صعد إلى ربوة تطل على غرناطة وزفر زفرة ألم وندم على ضياع ملكه وانقراض دولة الإسلام بالأندلس على يديه. ولما رأته والدته على ذلك الحال من الانكسار، قالت: “ابك كالنساء ملكا لم تدافع عنه كالرجال”.
إنها الخاتمة التي تعكس بحق صورة بنكيران وهو يضيع رئاسة الحكومة من بين يديه، جراء تدبيره السيء وعدم إصغائه لنبض الشارع. فهل يعتبر من تجربته الفاشلة؟
المصدر : https://tinghir.info/?p=20427