يزخر وادي أيت بوكماز بتراث ثقافي و حضاري و جيولوجي متنوع,فإلى جانب القصبات ذات الشكل الدائري التي يعود تاريخ بنائها إلى عدة قرون و التي تعتبر زاوية سيدي موسى المقامة على أحد أهرامات بوكماز الطبيعية و زواية سيدي شيتا أشهرها,(إلى جانب ذلك)ينتشر على طول دواوير الوادي معمار تقليدي اعتمد في تشييده على مواد و هندسة محلية فريدة من نوعها تختلف حتى عن جارتها المكونية و الدادسية(نسبة إلى وادي مكون و وادي دادس).
وتعتبر واحة بوكماز مجالا لحياة تقليدية بسيطة لم تتغير كثيرا عما كانت عليه في الماضي لكونها لم تتأثر بعد بالغزو التكنولوجي الغاشم,فليس غريبا إذا أن تجدها قبلة للباحثين عن الحياة الواحية الأصيلة البعيدة عن مظاهر التصنع و التمدن,فكل شيء في أيت بوكماز عفوي و بسيط,فهنا وراء هذه القمم الشامخة قلما تجد الشباب و الأطفال منشغلين بالهواتف الذكية لغياب الإنترنت,و عوضا عن ذلك,و أنت تتجول في هذه الدواوير من أكوتي غربا إلى الرباط و أزوركي شرقا تصادف عينك الأطفال البوكمازيين وهم يمارسون ألعابا شعبية تشدك إلى أيام طفولتك,ألعاب انقرضت في كثير من المناطق حتى الواحية منها حيث حلت محلها أفلام “توم و جيري” و قنوات “سبيس تون” و “طيور الجنة”…و لا يمكن أن تجدها إلا وسط هذه الجبال المحصنة التي احتفظت لهذه الواحة بأصالتها و عراقتها,فتجد الفلاح جنبا إلى جنب مع زوجته و هما يذران الزرع,و البغال تدوس على أكوام التبن,و أرتال من النساء في عمل جماعي يحصدن الأعشاب العلفية و يرددن الأهازيج الأمازيغية و أنواع من الطيور النادرة واللقالق و هي تحلق في السماء في مشهد سريالي قل أو انعدم مثيله,منظر لم نكن نشاهده إلا في صور مصحوبة بنصوص تحمل عناوين “في القرية” أو “موسم الحصاد”…في كتاب “القراءة” لسنوات دراسية خلت.
و إلى جانب ما ذكر من كنوز بوكماز,تعد آثار خطى الديناصورات من المعالم الجيولوجية و السياحية التي يعرف بها هذا الوادي إذا لا تخطئها عين الزوار و السياح من المهتمين و غير المهتمين بالجيولوجيا الذين تستوقفهم هذه الآثار و تشكل بالنسبة لهم مزارا ضروريا لأخذ صور تذكارية,إذ لا يمكن لعابر هذه الواحة أن يمر منها دون أن يقوم بزيارة هذا الموقع السياحي الهام.
تنتمي آثار خطى الديناصورات بأيت بوكماز إلى المنتزه الجيولوجي مكون Le géoparc M’goun و تقع تحديدا في دوار إباقليون الذي يبعد عن جماعة تبانت بحوالي 3 كيلومترات,إقليم أزيلال.
لعل الزائر لخطى الديناصورات بإباقليون يكتشف حجم الإهمال الذي تعاني منه هذه الآثار التي تعتبر محطة سياحية هامة تدرجها شركات الأسفار و السياحة ضمن برامج رحلاتها.و من مظاهر هذا الإهمال,غياب علامات التشوير الطرقي التي تقود إلى هذا الموقع,فحتى العلامة الوحيدة التي تقدم معلومات عن هذه الآثار ملت من اللامبالاة فسقطت أو أسقطت أرضا,أما تلك المنتشرة على طول طريق أيت بوكماز و المكتوب عليها عبارة” مرحبا بكم في وادي أيت بوكماز” و تحمل معلومات عن أهم نقاطه السياحية ,فليست بأحسن حال,حيث أصابها الصدأ و مسح ما بها من معلومات بفعل تأثير أشعة الشمس و غياب التجديد و المراقبة,و لا تسل عن حال الطريق إلى إباقليون أين سطر الديناصور خطواته فهي لا تحمل من الطريق إلا الاسم,في الوقت الذي يفترض أن تكون معبدة و في حالة جيدة لأن المكان يستحق فعلا طريقا بحجم آلاف الزيارات المترددة عليه.
يضاف إلى ذلك,غياب مكتب للإرشاد على مستوى هذا الموقع,إذ لا تجد من يدلك إلى هذه الآثار أو يقدم معلومات عنها سوى أطفال صغار,معلومات لا تعرف صوابها من خطئها,معلومات يبدو أنهم ألفوا سماعها من مرشدين سياحيين يرتادون المنطقة,فعبد السلام تلميذ في الأولى إعدادي يصر على أن عمر هذه الآثار هو 185 مليون سنة,أما خالد تلميذ في السادسة ابتدائي فيميز في هذه الآثار بين الديناصور اللاحم و الديناصور العاشب ليتدخل حسن مدعيا أن العكس هو الصحيح,و أن اتجاهها من الأعلى نحو الأسفل وليس كما ادعى زميله,فتكاد الحرب تنشب…وكل واحد منهم يسعى للظهور بمظهر العارف الملم حتى تكون الدريهمات التي يجود بها عليه أحد الزائرين أكثر من دريهمات الآخرين!!
وإذا كان الديناصور قد انقرض من الوجود منذ ملايين السنين,فإن ما تبقى لنا من آثاره النادرة و منها تلك المحفورة على صخور إباقليون هي الأخرى في طور التلاشي بفعل عوامل التعرية من جهة و الإهمال من جهة أخرى,إذ بدأت ملامحها بالتشوه,فلا غرابة و الحالة تلك,أن يأتي يوم تسوى فيه هذه الآثار بالصخور و تصبح مجرد حكاية يحكيها عبد السلام و حسن و خالد لأحفادهم عندما يصيرون شيوخا في خريف العمر,وذلك إذا لم تتدخل الجهات المعنية لحمايتها ببناء حاجز يقيها من الأمطار و الرياح و يصد كل من هب و دب عن العبث بهذا الكنز الثمين و تحسيس الساكنة و الزوار بأهمية الحفاظ عليه و منع مزوالة بعض الأنشطة الفلاحية بالقرب منه كالدرس و الذر أو نشر الغسيل,و جعل الدخول إليه بالأداء مما سيوفر لجماعة تبانت موردا ماليا مهما شريطة استثماره في تأهيل البنية التحتية المتدهورة و على رأسها الطرق وتجديد علامات التشوير السياحية كلما تقادمت و إشهار هذا الإرث النفيس و التعريف به في مختلف وسائل الإعلام و بمختلف اللغات,و ترميم زاوية سيدي موسى التي توجد في حالة كارثية,مما ينذر بقرب نهايتها كما حدث لشقيقتها زاوية سيدي شيتا,و قبل هذا و ذاك الترافع من أجل تصنيف هذا التراث سواء الطبيعي منه أو الأركيولوجي إرثا إنسانيا عالميا من قبل اليونسكو,مما سيضمن له الحماية و الترويج على الصعيد العالمي.
المصدر : https://tinghir.info/?p=20205