ظاهرة غريبة وخطيرة تتكرر وتعرفها في هذه الآونة الأخيرة بدواوير درعة تافيلالت مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، وهي الهجرة المعاكسة من الشمال نحو الجنوب “لطيورها” بشتى أنواعها (الغربان والخفافيش والنسور آكلة الجيف ولحوم البشر…إلخ)، بعدما أن حل وقت الالتحاق بالأعشاش الإنتخابوية لعلها تجد بها ما تملأ بطونها، نسور مهاجرة لا تعرفها ولا تراها ساكنة هذه الدواوير والأقاليم في سمائها وأزقتها إلا مع حلول الأعياد والأعراس الجماعية والانتخابية، وإن أكرمتهم بزيارة منازل أباءهم خلال هذه الأعراس السياسية يحسبونها تكفلا وأداء منهم لمصاريف الإيواء والتغذية بالفنادق.
تلك لحظة زمنية من دورة حياة ونمو الإنسان الانتهازي، تسمى في القاموس الانتخابي فترة استيقاظ الانتهازيين والسماسرة من نومهم وسباتهم الشتوي العميق، لأن طبعهم هكذا، دائما يبنون مستقبل حياتهم على حساب عرق جبين ونضالات وأنشطة الآخرين بالميدان ويأتون فقط لقطف غلة الموسم، ولا يكفون عن الركوب على مآسي وبؤس الفقراء، وهدفهم الأساسي من هذه الجعجعة والزيارات الظرفية لمناطق سكن أباءهم، ليس لتنميتها والدفع بأحزابها نحو الأمام، بل فقط للأبهة والتزلف للقبيلة ولبيع رصيد أصوات أحزاب يدعون أنهم ينتمون إلى هياكلها، بالمزاد العلني في بورصة الانتخابات لوكلاء لوائح الأحزاب الأخرى لضمان قوتهم اليومي خلال السنوات العجاف. يا لها من تجارة خسيسة بضاعتها الذمم والبؤس، لا يتعاطى لها إلا الجبناء وذوي الضمائر الميتة.
انتهازيون بدون مستوى ثقافي، لأنهم لا يعرفون أين تكمن مصلحة من تركوهم في غياهب جب الفقر و بين أنياب التهميش، بعد ما أن اختاروا أسلوب الهجرة والسكن بمعية أسرهم في فردوس المدن الشاطئية المغربية، ويأتون الآن إليها في زيارات سياحية و يدعون أنهم يملكون العصى السحرية لجميع مشاكل مناطق يجهلون طبيعة ونوعية ساكنتها ومعيقات تنميتها، ويتجلى ذلك في تصرفاتهم الأنانية والمتعجرفة وتنصيب أنفسهم أولياء على الآخرين، وفي أسلوب حديثهم وعجزهم عن تركيب ولو جملة مفيدة تحترم أبجديات الكتابة، فما بالك بالترافع حول قضايا الساكنة، لذلك يركنون ويتوسلون دائما للآخرين ليحرروا لهم طلباتهم وتدويناتهم ومقالاتهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وبذلك يؤدون دورهم المسرحي على الساكنة ومتتبعهم على أحسن وجه.
يريدون تمثيل ساكنة في المجالس الترابية والتشريعية لا يقطنون معها أصلا، وهم غرباء عنها ولا يتقاسمون معها همومها ومشاكلها اليومية، أبنائهم يدرسون في أرقى مؤسسات التعليم الخصوصي بعيدا عن أقاليم درعة تافيلالت، وبتصرفاتهم هاته يؤسسون لتكرار سيناريو عاشته وعانت منه منطقة أسامر إبان عهد المقاومة بقمم جبال صاغرو، مجاهدين في أرض الوغى والانتهازيون أرسلوا أبنائهم للدراسة بأرقى الجامعات الأوروبية لتحضيرهم لتبوء المناصب، ونفس الشيء تطمح إليه هذه “الطيور المهاجرة”، ولوج المؤسسات التشريعية بفضل أصوات الناخبين لخدمة أجنداتهم وتوفير ظروف العيش الكريم لأسرهم، ولأداء أقساط دراسة أبناءهم وإعدادهم لمناصب المسؤوليات، ولأداء ديون مقاولاتهم وتسوية شيكات بدون رصيد لازالت في ذمتهم، فغيرتهم على المنطقة تبقى حبيسة اللعب على وتر النعرة القبلية ونشر صور أطلالها مرفوقة بتدويناتهم الفايسبوكية، لأنهم لا يؤمنون بالمساهمة الحقيقية في التنمية المستدامة بمناطقهم، وإلا فلينشروا حصيلة برامجهم التنموية أو التي ساهموا في أجرأتها، لا حصيلة في جعبتهم سوى الغوغائية.
واختم بالتذكير بما قاله صاحب الجلالة نصره الله في خطاب العرش الذي ألح على الأحزاب ” بتقديم مرشحين، تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة، وروح المسؤولية والحرص على خدمة المواطن”، لكن وبتحليل بسيط للوائح التي تم الإعلان عنها من طرف بعض الأحزاب بالجهة، يتضح أن جلها تتضمن نفس الوجوه السابقة التي عمرت المؤسسة التشريعية لسنوات، ما يؤكد أنها لازالت تفضل الاعتماد على الكائن الانتخابي الذي سيضمن المقعد بدل المناضل الحزبي الذي يؤمن بفكرة التداول في ممارسة السلطة وتحمل مسؤولية تدبير وتسيير الشأن العام. فمن هؤلاء يجب التحذير والتنبيه وأخد الحيطة من خطاباتهم المسمومة وتدويناتهم الفايسبوكبة المعسولة، لأنهم غربان لا تتواجد بيننا إلا في فترات خاصة مرتبطة بالانتخابات، ونقول للشباب أن الدواوير والأقاليم لا تنمى عبر التيليكوموند، بل ذلك يستدعي التسجيل في اللوائح الانتخابية والمشاركة والتصويت بكثافة على من تتوفر فيه شروط الكفاءة والنزاهة، والذي يقطن بدائرتكم الإنتخابية ويتقاسم معكم ظروف ومرارة عيشكم، ويتواجد بجانبكم ليلا نهار وفي ميدان العمل التطوعي والتكويني والتأطيري يكون دائما في المقدمة بنجاعة وفعالية.
المصدر : https://tinghir.info/?p=20070