على بعد أشهر قليلة على نهاية عُهدة حكومة عبد الإله بنكيران، أفرجت هذه الأخيرة على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وفق ما ينص على ذلك الفصل الخامس من دستور المغرب الجديد، وذلك بعد تأخرٍ دام حوالي 5 سنوات.
القانون الجديد الذي أفرجت عنه الأمانة العامة للحكومة، والمتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم ومجالات الحياة العامة ذات الأولية، يقترح مبدأ التدرج في تفعيلها من خلال 3 آماد زمنية: مدىً قريب يُناهز 5 سنوات، مدى متوسط 10 سنوات، ومدى آخرَ بعيد يمتد على 15 سنة، كما ينص على إدماج الأمازيغية في مجال التعليم، وبث الخطب والرسائل الملكية والتصريحات الرسمية للمسؤولين العموميين على القنوات التلفزية والإذاعات العمومية الأمازيغية، مصحوبة بترجمتها الشفهية أو الكتابية إلى اللغة الأمازيغية، كما ستبث أيضاً البلاغات والبيانات الموجهة لعموم المواطنين.
وبحسب مشروع القانون التنظيمي دائماً، ستُكتب باللغة الأمازيغية البيانات المضمنة في الوثائق الرسمية، منها بطاقة التعريف الوطنية، جوازات السفر، رخص السياقة بمختلف أنواعها، بطاقات الإقامة المخصصة للأجانب المقيمين بالمغرب، ومختلف البطائق الشخصية والشواهد المسلمة من قبل الإدارة.
تمخض الجبل فولد فأرا
مشروع القانون التنظيمي للأمازيغية الذي خرج إلى الوجود على مشارف نهاية الولاية الحكومية الحالية، يبدو أنه سيثير الكثير من الجدل وسط جمعيات الحركة الأمازيغية، حيث سارع العديد من الفاعلين ورؤساء الجمعيات إلى التعبير عن غضبهم ورفضهم للصيغة الحالية، معتبرين مشروع القانون التنظيمي “يغوص في العموميات، ويبتعد كل البعد عن قانون كان يُنتظر أن ينهي الخلاف حول كيفية التعاطي مع اللغة الأمازيغية بالمغرب”.
بالنسبة للناشط الأمازيغي والأكاديمي أحمد عصيد، يرى أن الإشكال الخطير في مشروع القانون التنظيمي يمثل في الفقرة المرتبطة بالتعليم، معتبراً في تصريحه لجريدة “كشك” الإكترونية، أنه يستغرب كيف لقانونٍ كان من المرتقب أن يضع تصوره لتدريس الأمازيغية، أن يُحيل على الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم التي أخرجها “مجلس عزيمان”، و”هي الرؤية ذاتها التي كانت محطّ خلافٍ واسع بخصوص النقطة المتعلقة بتدريس الأمازيغية، واعتبرتها الجمعيات مخالفة لما جاء به الدستور”.
وأوضح رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، أن مشروع القانون التنظيمي ” انتظر الجميع أن يكون مرجعاً أعلى، لا أن يُحيل على رؤية استراتيجية ضعيفةٍ وغير مقبولة !”.
وعن سبب ضعف “رؤية مجلس عزيمان”، يؤكد عصيد أن هذا الأخير يضم في أعضائه “تيارات سياسية مختلفة، جزء كبير منها معادي للأمازيغية، خصوصاً التيار الإسلامي المحافظ، الذي وقف ضد ترسيم الأمازيغية كحزب العدالة والتنمية”، ليوضح بالقول أن “هؤلاء عوض أن يدفعوا بالأمازيغية إلى الأمام، عرقلوا سيرها واعطوها مكانة ضعيفة ومُخلة بمبدأ الترسيم”.
ويعود الخلاف الأساسي بين الجمعيات الأمازيغية و”مجلس عزيمان”، إلى كون الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم (2015 – 2030) تتحدث عن الأمازيغية كلغة للشفوي، ولا يمكن تعلمها في السنوات الأولى، و”هذا أمر غير مقبول، لأنه لا يُمكن تصور أن لغةً رسميةً لا تُكتب، من سيقرأ إذن اللافتات المكتوبة بالأمازيغية ؟!”، يضيف ذات المتحدث.
من جهة أخرى، يوضح عصيد أن مشروع القانون التنظيمي، يشير إلى ضرورة رفع نسبة ساعات البث باللغة الأمازيغية في الإعلام العمومي، ولكنه لم يحدد النسبة المئوية، تاركاً المجال فارغاً لأي تأويل آخر، مؤكداً أن المطلوب هو تحديد عدد الساعات، “لأن العديد من الإذاعات أو القنوات ستتحايل على القانون عبر رفع البث ساعة أو نصف ساعة وتقول إنها استجابت للقانون !”.
لُغة على الهامش.. وقانون غامض
ومن جانبه، يرى أحمد أرحموش، الناشط والباحث في شؤون الأمازيغية، أنه من الفقرة الأولى للقانون التنظيمي “تظهر العديد من المغالطات”، خصوصا تلك التي تتحدث في الديباجة عن نهج مقاربة تشاركية في إعداد هذا النص، نافياً ذلك بالقول: “هذه المقاربة لم تكن بتاتاً، ولعل ذلك من خلال مراسلة الجمعيات عبر الإيميل”، معتبرا أن مشروع القانون “أفرغ مقتضيات الدستور بخصوص الأمازيغية من محتواها”.
ويوضح الحقوقي أرحموش، أن مشروع القانون كان يجب أن يسمى قانوناً لتفعيل التعابير الأمازيغية وليس لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، معتبراً أن العمل الذي قامت به الحركة الأمازيغية والمعهد الملكي للثقافة للأمازيغية “تم ضربه بعرض الحائط فيما يخص الجوانب اللسنية للغة !”، كما أنه “لم يتم الحديث عن مؤسسة مخصصة لمراقبة ومتابعة تنفيذ القانون التنظيمي”، إلى جانب أن “خلق بعض القطاعات على مستوى رئاسة الحكومة للمرافقة يضرب مبدأ الاستقلالية، لأن أي قانون ذو طبيعة سياسية مثل هذا، كان من المفروض أن تكون له مؤسسة مستقلة لضمان حياديتها واستقلاليتها وعدم التأثر بالإيديولوجية الحزبية”.
و في علاقة بمجال القضاء، يرى المحامي أرحموش، أنه انطلاقاً من هذا المشروع، لا يمكن للأمازيغية أن تكون لغة للتقاضي، “حيث إن التنصيص جاء لمن يرغب في ذلك، وكأننا نريد أن نقوم بشيء ترفيهي ومرتبط بالاختيارات فقط”، ويؤكد ذات المتحدث، أنه في مجال القضاء “تعامل مشروع القانون مع المواطنين المغاربة وكأنهم أجانب، حين ضمن لهم الترجمة من الأمازيغية للعربية”، مشيراً كذلك إلى أن القانون حصر ذلك في التحقيق والترافع أمام المحاكم”، متسائلاً عن موقع النيابة العامة، كتابة الضبط، المحامين، العدول وقضاء الأسرة الذين تم استبعادهم.
وعن مبدا التدرج الذي تم تحديده في 15 سنة، اعتبره أرحموش يبعث على الغرابة، مؤكدا أنه في الوقت الذي قطعت فيه الأمازيغية أشواطا غطّت المراحل الابتدائية للمدرسة، “مازال المُشرّعون يتحدثون على التدرج في تعلم الأمازيغية !”.
كما خلُص أرحموش، إلى أن “مشروع القانون الذي أفرجت عنه الأمانة العامة للحكومة غارق في العموميات والغموض، وغير قابل للتنفيذ، ويحمل شعارات فارغة غير قابلة للتطبيق”.
قانون لتأجيل الترسيم
هذا ويرى الناشط الأمازيغي أحمد الدغري، “أن تنصيص مشروع القانون التنظيمي على مبدأ التدرج لـ 15 سنة لتفعيل الأمازيغية، “هو عرقلة جديدة لدستور 2011″، معتبراً أن الحكومة فرضت على المغاربة 5 سنوات من الانتظار لإخراج هذا القانون، والآن تطرح التدرج لـ 15 سنة أخرى !”.
وهاجم الدغرني “حكومة بنكيران” لتعاطيها “اللامسؤول مع قضية إيمازيغن”، منتقداً “تعمدها تأخير التفعيل الفعلي للأمازيغية في المغرب”، وهو ما يظهر – بحسب قوله – “في العموميات والغموض الاذان طفح بهما نص المشروع”، مؤكداً أنه من بين المشاكل الكبرى التي كانت تواجه الأمازيغ بالمغرب كانت تلك المتعلقة بالقضاء، حيث تضمن القانون التباساً كبيرا في الإبقاء على الترجمة فقط، وعدم التنصيص على المرافعات الكتابية”.
للاطلاع على النص الكامل للمشروع اضغط الرابط: مشروع-القانون-التنظيمي
المصدر : https://tinghir.info/?p=19965