أحيانا يترنّح بك جُنون بعض القوانين والخرجات السياسية التي تبيضها حُكومتنا المُوقرة بشكل هستيري، إلى طلب اعتكاف خاص عن منظومة الأخبار والمستجدات، وتمنّي نفسك الراحة والهدوء بعيدا عن كل ما يعكر صفو خاطرك، أو على الأقل، تحاول ايهام نفسك أنك في منآى عن كل ما يدور من حولك من هذه الترهات الحكومية والحزبية وغيرهما. لكن، أحيانا – ودون سابق انذار – تستفزك حَمِيّة التعبير عن الذات و الــذوذ عن كرامة نفسك المعرفية والأخلاقية ودورك التنويري الاصلاحي في هذا المجتمع المحتضر، ولا تحس الا وأنت تعانق مكتبك وتمسك قلمك وتكتب عن أكاذيب “الأكياس” الحكومية التي خُدِّر بها الناس وأصابوهم بلعنة “التطبّع” و”أكل الميكا” كنعاج “باحْدُو” الشمْطاء التي ترعى بأقدام المدينة البئيسة التي يسكنها السيد الرئيس.
السياسة فن استغفال الناس فعلا كما قال “ديغول”، وهذا ما نحسّه في هذه القضية بالذات، قضية الأكياس البلاستيكية وما تسببه من عقم الأرض والزرع والحرث والعقول والأبدان، فقد سخرت الحكومة أذيالها الاعلامية لإشهار المنع ومسوغاته التي لا ترتكز على أي أساس علمي مضبوط أو تبرير منطقي تدرجي، يفهمه المواطن البسيط ويتعايش معه الى أن يستقيم الأمر.
من يتابع عن كثب حملة الاشهار الداعمة لطرح الحكومة “المبجلة”، يحس أن هذه الأخيرة قاب قوسين أو أدنى من قول ان “البلاستيك” مكروهة شرعا وبنص ديني يفقؤونه غصْبا من احدى زوايا ما هو كائن في النصوص الصحيحة المنزلة، إنه فعلا تجرّؤ مُفاجئ وحملة شرسة وسَمها الارتباك والجسّ والعبث وعدم القدرة على اقناع المواطنين بأهمية مثل هذه القوانين. فكيف تفسر الحكومة الاستهلاك القياسي للبلاستيك عند الأمريكيين أكثر من المغرب، ورغم ذلك لم نشاهد هذه الاكياس المستهلكة في الشوارع ولن تجدها تحوم -كأسراب وزرائنا- فوق هوامش مُدنِهم أو بين أغراضهم، إن الأمر بكل تأكيد، لا يتعلق بأكياس البلاستيك في حد ذاتها، وإنما في وعي الناس ومنهجية تفكيرهم وتدبيرهم للأشياء من حولهم، فالحكومة بهذا القانون -أخالها- كمن يهش بعصاه على “البردعة” وحدها، تاركا جلدة الحمار سليمة بدون أذى كما يقول المثل.
الأجدر بهذا العبقري الذي توصل – بعد كل هذه السنين والعقود من البحث العلمي الشاق!!- الى خطورة البلاستيك، أن يفكر في البدائل ويمتلك شجاعة التعويض الجاد لأرباب المصانع التي أغلِقت والعُمال الذين سرحوا والمواطن البدوي الذي يتجشم كلمترات عديدة للوصول الى سوق أسبوعي هامشي، يتصيّد فيه كلغراما من الطماطم بثمن بخس ويُطَالَبُ بعد ذلك بتسديد تكاليف ما توضع فيه السلعة المحتشمة تلك، ثم -كذلك- على هذا النابغة العجيب، الذي هو في الاخير الحكومة ككل، أن يمتلك رؤية واضحة حول هُوية العدو الحقيقي، أهو أكياس بلاستيك التبضع أم الصناعية أم الفلاحية أم الطبية أم “البلاستيك” ككل، فثمة خلط كبير حتى في “اشهارهم المهترئ” الذي يخنق فقط اكياس التبضع دون غيرها.
إن قضية منع الأكياس البلاستيكية، أو أكذوبة “زيرو ميكا” التي أضحت أفيون الجميع، لهي مزحة سياسوية وراءها ما وراءها من نيات مبيتة تخدم مصالح البطون الممتلئة ب”الميكا” وتدفع بتجارتهم بعيدا نحو آفاق يحدها خلق مقاولات جديدة متخصصة في إنتاج أكياس كما يريدونها هم ووفق مقاس ما تشتهيه زوجاتهم، ثم شغل الناس عن تمرير قوانين التقاعد ورواتب الكبار وحسابات الانتخابات المقبلة وسلبيات التوقيت الجديد. أما أكياس البلاستيك فلا ذنب لها الا أنها مطية أريد بها تحقيق مآرب شتى. فليس لها حول ولا قوة لتخنقنا كما يتوهّمون، وإنما الذي خنقنا وأصاب نفوسنا ب”فوبيا” رؤيتهم، هم أولئك النكرات الذين ينتظر الجميع أكتوبر المقبل ليزج بهم في سلة المهملات ان شاء الله.
………….
المصدر : https://tinghir.info/?p=19555