وفاء بالعهد الذي قطعته على نفسي، والذي التزمت بموجبه بنشر البحث العلمي الذي سبق أن شاركت به في الندوة الجهوية الثانية التي نظمها المجلس العلمي المحلي بمدينة تنغير في موضوع: “العلامة محمد المهدي الناصري وآثاره العلمية”، يومي: 27_28 ذي الحجة 1435 ه الموافق ل 22_23 أكتوبر 2014 ه، على شكل حلقات، أقدم اليوم على نشر الحلقة الثانية من هذا البحث، والتي شكلت المحور الأول من البحث:
_المحور الأول: مواقف الناصري السياسية من خلال “نعت الغطريس” :
لم يكتف الناصري بإعلان رفضه المطلق لدعوة التوزونيني الذي شكل قطب الكتاب ومحوره الرئيس، بل يجد المطلع على الكتاب تعبيرا صريحا عن مواقفه السياسية/الشرعية من أطراف مختلفة كان لها الحضور الفاعل المؤثر في هذه اللحظة التاريخية :
أ _ موقف من حركة التوزونيني وخليفته النكادي
ب _ موقف من التهامي الكلاوي
ج _ موقف من المستعمر الفرنسي
د _ موقف من المخزن المغربي ممثلا في السلطان المولى يوسف .
أ _ موقفه من التوزونيني وحركته : لم يتردد في أن يصفه بأبشع الأوصاف، وفي أن يكيل له أحط وأقدح النعوت، فهو بالنسبة إليه”غطريس، فسيس، خسيس، هيان بن بيان، فتان، عتود …” ، أما حركته فإنها لا تمت إلى الجهاد الشرعي بصلة، إنها لا تعدو أن تكون “فتنة في الأرض وفساد، وطلب الملك بالباطل وظلم العباد، وإضلال الناس وإظهار العقوق، وسفك الدماء بلا موجب وتضييع الحقوق، وإيثار الشر، وتهييج الفتنة، وإيجاد السبيل إلى نهب الأموال، وقطع الطرق، وقتل الرجال، وغير ذلك من ذميم الأفعال…”(1)
ب _ موقفه من التهامي الكلاوي : يعبر الناصري عن تأييده لمواقف التهامي الكلاوي وعن موالاته التامة له، يقول: “والكلاوي أحد فضلاء الإسلام، الجهبذ الهمام، ملاذ الآنام، ومحب العلم والعلماء الأعلام، فلا حرج في موالاته ولاملام…”(1) كما يعبر عن إعجابه بشخصيته، وهذا ما يتأكد من خلال الكم الهائل من القصائد المدحية التي نظمها إشادة بفضائله ومناقبه، ولعل هذا جعل ما كل من ترجموا للرجل يرمونه بالعمالة والخيانة وتزوير الحقائق، دون أن ينتبهوا إلى ما آلت إليه العلاقة بين الرجلين خاصة بعدما سقطت أقنعة آل الكلاوي، وتبين للناصري مكرهم وخداعهم وزيف دعاويهم مما جعله يشعر بحسرة وندامة عبر عنها في رسائل وقصائد هجائية كفيلة بتغيير الكثير من ملامح الصورة التي رسمت للمهدي الناصري .
ج _ موقفه من المستعمر الفرنسي: يبرئ ذمته من تهمة موالاة الفرنسيين، مدافعا عن نفسه من منطلق شرعي مفاده أن القذف بمولاة الفرنسيين يعدل القذف بالكفر، ورمي المسلم بالكفر من الكبائر، يقول مخاطبا التوزونيني:”فتأمل أيها الفتان ما يلزم من قولك “واليت الفرنسيين”، فقد عد العلماء رمي المسلم بالكفر من الكبائر(…)ولعلك أيها الفتان الخسيس، حيث علمت إنكاري لقيامك النحيس، وبغضي لأصحابك المجوس، الموقدين بين المسلمين حرب البسوس، المرتكبين من الجرائم ما يستنكف عنه إبليس لطختني بموالاة الفرنسيين.”(2)
د _ موقفه من السلطان الشرعي المولى يوسف : يؤكد في مواضع كثيرة من الكتاب ولاءه وبيعته السلطان الشرعي المولى يوسف بن الحسن، فهو يُحَلِّيهِ ب”السلطان الأعظم، الإمام الهمام الأفخم، الملاذ الذي كانت أيامه مواسم، وثغور بره بواسم، ولياليه كلها دررا، وللزمان أحجالا وغررا، عالم الشرفاء، وشريف العلماء أبو المحاسن مولانا يوسف ابن السلطان المقدس روحه مولانا الحسن أدام الله أيامه، ومكن من رقاب الأعداء حسامه، وأبقاه متصفا بمحاسن الأفعال…”(3)، ويؤكد الالتزام الشرعي بطاعته، لأن “طاعة الإمام الذي بيعته في أعناق الأنام قربة وعبادة، والاعتصام بحبلها سعادة، وهي واجبة بالكتاب والسنة…”(4)
ما الجديد الذي تأتي به هذه الورقة ؟
سأركز في هذه الورقة على أربع نقط رئيسة :
_ إطلاع جمهور الباحثين على المصير الذي لقيه المهدي الناصري بعدما أخضع الكلاوي منطقة تدغة لسيطرته وسلطته، والكشف عن الوثائق التي تؤكد تغير موقف الناصري منه بعدما انكشفت له ملامح صورته الحقيقية .
_ لفت الانتباه إلى مسألة مهمة مفادها أن المهدي الناصري لم يكن يتعامل مع شخصية عادية سوية، بل كان يتعامل مع شخصية إشكالية معقدة جمعت كل ألوان الدهاء والخبث والمكر والتجبر والسلط.
_ تسليط الأضواء على محطات من سيرة مبارك التوزونيني، من أجل الإجابة عن سؤال محوري : هل كانت حركته جهادا ضد المستعمر كما يزعم صاحبها، أم أنها فتنة كما وسمها المهدي الناصري ؟!
_ استحضار مواقف العلماء من بيعة السلطان المولى يوسف من جهة، ومواقفهم من حركة التوزونيني من جهة أخرى .
———————————–
(1)_ ( نعت الغطريس ) 155 .
(1)_ (نعت الغطريس) 231.
(2)_ (نعت الغطريس) 154 .
(3)_ (نعت الغطريس) 191 .
(4)_ (نعت الغطريس) 240 .
المصدر : https://tinghir.info/?p=19540