عبد الحميد الادريسي
لا يوجد مرض نفسي أو أخلاقي يصاب به الإنسان ، ولا يوجد نكسة سياسية أو عاهة اقتصادية، أو رذيلة عقلية يبتلى بها الأشخاص ، إلا وتصاب معها المجتمعات بالضعف والتخلف، فكما يفجع ويتأثر الأفراد داخل منظومة قيمية أو اجتماعية تبادلية ، كذلك تصاب المجتمعات ، وتكون كلفة الطاقة مضاعفة لتعويضها ،هذا ما حدث فعلا في البلدان التي عرفت ” ثورات” ضد أنظمة حكمها مؤخرا(تونس ، مصر، ليبيا، اليمن، سوريا) بقي الاستثناء يسوده قانون التكيف والبقاء للأقوى، استراتيجيا، تاريخيا بالأحرى التموقع المخابراتي الإستباقي والمحترف، ومهارة الاختراق الفعال في التنظيمات، إن لم نقل صناعة الرعب المختلف من أجل غاية في نفس الإدارة الترابية، ونجد أرقى تمظهرات هذا الوباء العجيب في مدرجات الموضة المتكاثرة في مهنة من لا مهنة له، الأمر يتعلق بالمخبرين، وأصحاب العربات ذوو السراويل القصيرة، الذين يتاجرون في الأشرطة الدينية، وجماعات الملتحين الذين يتحركون أمام الملأ، للدعوة و” الله أعلم ” خصوصا أن ظهور هذه الفئة ليس بالصدفة، بل يصادف فتنة ما يسميها الإعلام ب ” الإرهاب “،هل يتعلق الأمر بسرايا
-1-
أو كتيبات مخابراتية إقتحامية، استباقية كحصان الطروادة أو صنارة تمويهية للاصطياد الداعشيين ومطاردتهم في البلاد
أعتقد أنه بسبب ضعف المناعة الأخلاقية للمجتمع ،وازدراء المواطن لحال الساسة والسياسة ،تكثر الحالات الشاذة والقنابل المجانية الموقوتة وتزداد النكسات المجتمعية ويتفشى الوباء فجأة فيجهز على الأحلام مشاريع التغيير والتنمية، سواء في هذا المجتمع أو ذاك فالأسباب كثيرة ومعقدة لكن يدا عملاقة تمتد بمقص من نار وفولاذ على أكتاف خريطة العالم تزلزل معالم شيوخ السياسة وصناع القرار هذا ما يؤكد أن شراسة العمل في الظل أبانت عن وحشيتها إبان الصراع بين المعسكر السوفياتي والمعسكر الأمريكي لذلك حان الوقت لتوظيف بيادق جدد للحرب الحقيرة والباردة، وزرع الفزع المنظم في الشوارع.
قد تعكس الحركات الاحتجاجية والثورية، الواقع البئيس في هذه التجمعات إن لم نقل المجتمعات المركبة، حيث يبدأ ترسخ هذه الظاهرة عند تضارب وتصادم فهم سلطة الدولة مع فهم قوى الشعب، أو المجتمع المدني لأهداف المشاريع الإصلاحية، وفهم جدوى الطرح الإصلاحي.
فحين تضع الحكومة سقفا متواضعا للمشاريع التي تطرحها، مع الإصرار على التعلق بالمناصب حيث أن هذا الاصطلاح أو ذاك لا يخوض في إشكاليات حرية التعبير ولا يحسم فيها بالحرف الواحد في تمظهرات تطبيقاتها العملية حيث يشعر المواطن أنه مسجون في خانة الإحباط،أو كائن مناسباتي!( إفراغ الدستور من محتواه )
أما قوى المجتمع التي ناضلت وعملت عبر مجموعة من القنوات الضيقة فكان مصير الكثير منها الوأد حيث أدت بعضها ثمن إستمائته ا،وناشدت النهوض الاجتماعي،والإصطلاح الفكري قبل السياسي فإن هناك من يرفض هذا السقف المواضع لماذا لا تتحرك الدولة بوتيرة قصوى لتعويض متضرري المجتمعات عن المظالم التاريخية التي لحقت بهم من طرف المستعمر وأعوانه ( الحق في إعادة الاعتبار).
هذا التصادم بين توجهين ،يبين مدى تفاوت الرؤى وتباعد الأهداف هذا ما سيعجل ولا يزال بالنكسة المعاصرة التي ستأتي على فزاعات حفل الحبوب والبارود فما عاد الشارع يستطيع أن يكظم غيظه أو ينسى بؤسه؛ حينها سيتضح له جليا، أن أمال وطموحات السلطة التغيرية المتواضعة لا يرضى عنها الناس ستتحرك الأمعاء ومعها قوى التغيير من جديد وستخرج الحناجر الجافة إلا من الصراخ والغضب لتؤجج مشاعر الخوف ثم الحقد ثم الفتنة ليصل الناس والمجتمع إلى ما قاله أحدهم ذات يوم “لا توجد مشاعر تسلب العقل من قدرته على التفكير أكثر من الشعور بالخوف “.
-3-
وحين يغيب العقل تسود الجاهلية وتنفلت الأمور.
هل تملك سلطات الظل الطويل رؤية استباقية،إفتراضية ناجعة ضد هؤلاء الداعشيين الجدد الذين سيملؤون الشوارع بصرخاتهم ،حاملين الرغيف وحبال المشانق؟!أما صناعة الفزاعات في الغرفة التنفيذية لن يجدي نفعا في حالات الاضطراب، إلى أن يصل المجتمع إلى ما وصلت إليه الدجاجة التي هوت عليها بلوطة فوق الشجرة فظنت أن السماء قد سقطت عليها فظلت تصرخ وتركض مثيرة الرعب بسبب الخوف المعتوه!
في هذه الحالة سيتكاثر ” الإرهاب ” أكثر من أي وباء وستجند الأشجار والحيوانات وجميع الأقمار في جيوش من المخبرين الأغبياء والنمطيين للبحث عن ” لا شيء ” وفي هذه الأجواء لا شيء يزيد الحطب إلى النار المشتعلة أكثر من الأقلام السفيهة وأفواه السفهاء الذين يقتاتون من نجاسة الفكر لينقلوا فتنة الخوف حتى يتطور الخوف إلى غضب ثم الجنون. وقديما عبر الشاعر الإنجليزي ” صمويل كوليردح ” عن هذا الإنتقال بقوله : في السياسة ، ما يبدأ كخوف ينتهي كجنون.
وإذا كان الغضب ينتهي كجنون أقول إن الغضب بنفسه جنون مؤقت فهو أقل العواطف انضباطا، وأكثرها هيجانا فيتحول إلى عاطفة عمياء لا تفرق بين الحق والباطل، وتنتهي إلى إدخال المجتمع في فتنة لا تنتهي وجحيم من الحقد وانهيار أسس وقيم المواطنة الصادقة.
وتفشي الداء والوباء في الدروب والمؤسسات، وانبعاث جحيم وصراع عبثي محموم يجهض مسيرة ألف سنة! من هنا ستبحث الحكومة، وستفتش كثيرا عن أنصاف الحلول ولا تجدها في قمقم العفريت، وسترحل باحثة عن ضالها داخل معزوفة أناشيدها الثورية الجميلة، ناسية مرة أخرى أن الشعوب لا تعيش على ذكرى واحدة إلى الأبد، فهي تنسى أقواس النصر لتتذكر الخبز، والباحث عن رغيف أو عمل، لا يجده في كتاب التاريخ” ولتعلمن نبأه، ولو بعد حين “!
20/10/2014
المصدرعبد الحميد الادريسي - تنغير أنفو
المصدر : https://tinghir.info/?p=1953