هو حدث تاريخي بكل المعاني وبجميع المعايير، هذا الذي عاشته بريطانيـا طيلة يوم الخميس 23 يونيو 2016، حين وقع الاستفتاء واختار الإنجليز الخروج من الاتحاد الأوربي بنسبة 51,9 % في رفض ديمقراطي واضح لرغبة القائمين على شؤونه، فما كان من النخبة إلا الرضوخ والتسليم بالأمر الواقع وارتأى معه رئيس الوزراء “ديفيد كاميرون” الانسحاب من التدبير ومن المشهد السياسي نهائيا وبكل وعي ونضج عبر إشهار استقالته – عمليا – ابتداء من بداية أكتوبر المقبل.
وقع هذا رغم الخسائر السياسية المحتملة والأضرار الاقتصادية المنتظرة، ووقع رغم أن العارفين ببواطن الأمور كانوا على دراية علمية بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ستترتب عنه عواقب وخيمة إن على المستوى السياسي العام أو على المستوى الاقتصادي والمعيشي على المَدَيَيْن المتوسط والبعيد بخاصة، لكن منطق الديمقراطية وضابط دولة المؤسسات وفاعلية فصل المؤسسات لا يسمح بأي حال تجاوز رأي المواطن لديهم أو محاولة الركوب عليه، وبالتالي لا يمكن لمدع أن يزعم ولو ضمن أضغاث خياله أن الاستفتاء شابته شائبة.. !
لكن “العدوى” لن تتوقف هنا بالتأكيد، بل ينتظر أن تمتد إلى دول أخرى بل إلى الدول المؤسسة للاتحاد بلا شك، وقد تأخذ مسارات ربما لم تكن في الحسبان..
فبالموازاة مع المطالب التي بدأت تنمو وتبرز هنا وهناك من دول أوربية داخل الاتحاد الأوربي، كفرنسا وهولندا وألمانيا لإجراء استفتاء مماثل لما وقع بالأمس في بريطانيا وطرح مسألة البقاء بالاتحاد من دونه، بدأت تتحرك جهات (لديهم) للمطالبة بإجراء استفتاء بقاء اسكتلاندا ضمن السيادة البريطانية من عدمه، والغالب أن العدوى ستنتشر بدول أوربية أخرى كإسبانيا وفرنسا وغيرهما.
بيد أن هذه “الزلازل” يمكن اعتبارها هزات مرحلية عابرة أمام سيادة القانون الذي يجد له موطئا ثابتا بحق لا تؤثر فيه الزلازل مهما كانت قوية، وتجد لديهم موطئاً لللاجئ والعابر والمضطر مهما اتسعت رقعة العنصرية أحيانا، خصوصا في مثل هذه الظروف المضطربة والصعبة التي تستهدف كل منتمي لخانة العرب خصوصا والمسلمين عامة.
إن الدعوة إلى ضرورة تفعيل النصوص ليسود القانون باتت ملحة أكثر من أي وقت أو زمن مضى، فالسبيل الأوحد للحفاظ على وحدتنا ولحمتنا وسيادتنا وتميزنـــا هو الالتفاف حول القانون والاستناد إليه سواسية دون تمييز بين عين وفقير أو صاحب نفوذ أو سلطة ومفتقر لهما…
ثم إن الذين يتربصون بنا سيعملون إلى جانب أذنابهم للنيل منا بمختلف الأساليب القديمة منها والجديدة، ومنها هذا الذي بدأ يدب في الديار الأوربية، والذي قد يبدأ “ربيعاً” ولا نعلم كيف سيمتد وينتهي !
والتوسل الوحيد الجائز بدون أدنى حرج، هو هذا الذي يتوخى تنزيل الدستور ليسود القانون على الجميع بلا استثنـاء ولنصل بالتالي إلى فصل السلطات بحق وبوضوح أمام الخصم والعدو قبل الحليف والصديق..، ولنصل إلى استئصال الظلم والاستبداد بالإدارة والشارع والحياة العامة.
والفاهم يفهم !
المصدر : https://tinghir.info/?p=19193