خلال المؤتمر الوطني الاستثنائي لحزب “العدالة والتنمية”، المنعقد يوم السبت 28 ماي 2016، بالمركب الرياضي الأمير م. عبد الله بالرباط، المتعلق بتمديد ولاية أمينه العام ابن كيران سنة إضافية، تساءل هذا الأخير حول نتائج تشريعيات 7 أكتوبر 2016: “هل تتخيلون كيف سيحس الشعب المغربي، إذا سمع نتائج غير تلك التي ينتظرها؟” معتمدا على نتائج استطلاعات الرأي “المخدومة”، وما يعتقده حصيلة إيجابية لحكومته، التي يدعي أنها نفذت إصلاحات كبرى منها: إنهاء أزمة صندوق المقاصة، القضاء على الإضرابات العشوائية وإنقاذ البلاد من كارثة التقويم الهيكلي…
وبصرف النظر عما لتصريحه المتهور من عواقب، حيث اعتبره الكثيرون تهديدا صريحا بزعزعة أمن واستقرار البلاد، في حالة عدم تصدر حزبه نتائج الاستحقاقات القادمة، وتشكيكا خطيرا في شفافيتها ونزاهتها حتى قبل إجرائها، فإنه لم يفتأ يردد في خرجاته الإعلامية، أن حكومته من بين الحكومات القلائل، التي استطاعت الصمود أمام محاولات النسف وإكمال مدة ولايتها بسلام، والحال أنها الأضعف والأردأ في تاريخ المغرب المعاصر، باعتبارها ائتلافا سياسيا هجينا وغير منسجم، إلى جانب ما ميزها من تخبط وارتجال وسوء تدبير وفضائح… وإلا كيف يمكن تفسير تمططها إلى ثلاث نسخ، وارتفاع عدد وزرائها من 31 وزيرا إلى حوالي 50 وزيرا، ما بين انسحاب وتعويض وإقالة وتعيين جديد، وما ترتب عن ذلك من تعويضات ضخمة في وقت التشديد على “شد الحزام”، فضلا عن شغل بعض الوزراء في نفس الولاية لحقيبتين إلى ثلاثة، كما هو الشأن بالنسبة للأمين العام لحزب الحركة الشعبية، محند العنصر، الذي قاد وزارة الداخلية، السكنى والتعمير والشباب والرياضة؟
والرجل الذي ما انفك يتبجح وحوارييه ب”إنجازات” حكومته، هو نفسه من أخل بوعوده في محاربة الفساد والاستبداد وتحسين أوضاع المواطنين، وارتمى في أحضان الليبرالية المتوحشة… فكيف لنتائج استطلاعات الرأي، أن تكون دقيقة في الإشارة إلى ارتفاع شعبيته والتنبؤ بفوز حزبه، علما أنه لم يبرع عدا في محاولة ذر الرماد في العيون، الاستقواء على الضعفاء بقراراته المجحفة والمؤلمة، وتوزيع شتائمه على خصومه السياسيين وكذا الطلبة والصحافيين؟ فمن الوهم الاعتقاد بأنه يستطيع التخلي يوما عن استغلال الدين في اللقاءات والتظاهرات الحزبية، أو الارتقاء بمستوى الخطاب السياسي، لأنه يرى في ذلك انتحارا سياسيا لن يخدم مصالحه الضيقة.
فباستثناء البسطاء الطيبين ممن انطلت عليهم حيله البئيسة، وشحنت أدمغتهم بأن الإرادة الإلهية اختارت حزب “البيجيدي” لإنقاذ البلاد، مدعوما بذراعيه الدعوي: “حركة التوحيد والإصلاح” والنقابي: “الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب” وكتائبه الإلكترونية، وأنه يتعين عليهم التصدي لقوى الشر ورموز التحكم في المعارضة، لا نعتقد أن هناك من مازال يثق بالوعود الزائفة، بعدما اتضح جليا أن صور صحون “البيصارة” وغيرها من الصور الخادعة، التي كانت تتصدر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لم تكن سوى جزء من لعبة قذرة… ف”المحرار” الحقيقي لقياس درجة رضا المجتمع من عدمه على حصيلة الحكومة، هو ما آلت إليه أوضاع المواطنين من حالة مزرية. إذ ما جدوى إلغاء صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات، دون تقديم الدعم المادي للفئات المعوزة والأكثر هشاشة؟ وهل من “المعقول” الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل في غياب قانون تنظيم الإضراب، وقمع التظاهرات السلمية، وإقامة المجازر البشرية وإصدار أحكام قاسية في حق الطلبة والمعطلين والصحفيين، والسماح بتشغيل القاصرين دون سن 18؟ ولماذا التغاضي عن التسيب الإداري والتملص الضريبي، والاكتفاء بنشر لوائح المستفيدين من مأذونيات النقل دون تطبيق القانون؟ وهل من الشجاعة في شيء، اعتراف رئيس الحكومة بفشله في محاربة الفساد وضبط وزرائه، بدل تقديم استقالته الفورية والنهائية؟ وأي مصداقية لاستطلاعات الرأي، في ظل ما يقدمه من تبريرات واهية لإخفاقاته المتعددة، وارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي وتنامي المسيرات والاحتجاجات والإضرابات القطاعية والعامة؟
كان ممكنا القول بإيجابية الحصيلة الحكومية، لو أنها دعمت القدرة الشرائية للمواطنين، عوض الزيادات الصاروخية في أثمان المواد الأساسية والضرائب، ضرب الاستثمار والحد من فرص الشغل، إغلاق قنوات الحوار الاجتماعي وتجميد الأجور، قمع الحريات وتكميم أفواه الصحفيين والتراجع عن المكتسبات… فالحصيلة الجيدة، هي التي من شأنها النهوض بمستوى البلاد وضمان رفاهية العباد، وليست تلك التقارير الوطنية والدولية الصادمة عن احتلال المغرب مراتب متدنية في التنمية البشرية، حيث التعليم غائص في مشاكل عويصة، والقطاع الصحي يعاني من اختلالات عميقة في التجهيزات والموارد البشرية، لن تستطيع لا بطاقة “راميد” ولا تخفيض أسعار بعض الأدوية ولا طائرة الهليكوبتر، حجب حقائقها الصارخة. اتساع الهوة بين المرأة والرجل، بالنسبة للمناصب السامية والتمثيلية السياسية، والولوج للخدمات الصحية الأساسية. قتامة صورة القضاء وما يشكله من عرقلة للإصلاح، ضعف البنيات التحتية، انخفاض معدل النمو إلى أقل من 3 بالمائة، وارتفاع معدل المديونية إلى 81 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، بشكل تجاوز “منطقة الخطر” المحددة دوليا في 70 بالمائة، وانتقال البطالة من 9,6 إلى 10,10 بالمائة…
وها هي الحكومة التي ظلت جاثمة على الصدور طوال خمس سنوات، تتهيأ للرحيل تاركة خلفها البلاد غارقة في آلامها وأحزانها. فهل من الحكمة والتبصر أن يطمع رئيسها ابن كيران في ولاية ثانية، بعد كل إخفاقاته؟ أفلا تبصرون؟
المصدر : https://tinghir.info/?p=19039