ما أكثر المهرجانات حين تعدها ولكنها في التربية والترفيه والتنمية قليل،بين المهرجان والمهرجان مهرجان،ومع المهرجان والمهرجان ألف مهرجان،ولما لا،جعل الله حياة القوم كلها مهرجانات،”ما كاين ما يدار اللهم المهرجانات والرحلات والحفلات والطر والبندير وما أحلى “النزاهة” مع الناس الكبار”؟،المهرجانات في الحقيقة كالأعياد لحظات تفكير يتجدد فيها الزمن،واحتفالات هائلة تتجمع فيها القبائل والشعوب على أنخاب الفرح والمسرات وتتبادل الرأي والأغنام والمغانم والحكايات،ويشاع فيها للجميع حق إبداع الأغاني والرقصات وتنظيم السهرات والمسابقات،طالما عقدت الظروف إنتاجها وتبادلها وطمست قساوة الحياة ورتابتها ينابيعها والاستمتاع بها؟؟.
لكن ما بال مهرجانات اليوم قد عقمت منصاتها وقاعاتها وساحاتها وملاعبها وميادينها التحريرية العامة أن تقدم غير قرابين أحداث وحوادث التفتير والعربدة والتخريب والتفجير وغيبوبة الضحايا والموتى في خضم طقوس الفحيح الصامت والشيطان الهامس والنحيب الصاخب والبكاء المر الأليم وإن سموه زبانيتها زورا فنون الرقص والغناء والترفيه والانفتاح والإنعاش الثقافي والاقتصادي والفني والرياضي والسياحي الوطني والدولي؟؟.وأهم من ذلك ما تطفيه هذه المهرجانات على البلد من روح الانفتاح والتسامح والتعايش بين كل الأطياف الإثنية والإيديولوجية المتضاربة في أبهى ملحمة ديمقراطية عجزت منذ القدم كل الساحات اليونانية والبزنطية والرومانية أن تجسد ولو عشر معشارها،أو أن تقدم لآلهتها الصريعة المتعطشة من القرابين والطقوس ما تقدمه اليوم سياستنا التهريجية في المهرجانات،أو على الأقل كذلك يظنها الآخرون وإن ظنناها نحن انفتاحا و تنمية،لأنه كما يقول الأصوليون،إذا ساد الخنا والسفاح في بلد،وتحدث دعاته عن الربا أو حتى عن الصلاة فقد خانوا؟،فما بالك ببلد يلفه الفقر والبطالة على أوسع نطاق ولا يدق أهله شيئا أكثر من طبول “الهز والوز”؟؟.
أنا طبعا كما قلت،ليس لي أي رأي ضد المهرجانات والاحتفالات والأمسيات والدوريات…فهي من سنن الله وحلاله المباح،بل يسعد المرء غاية السعادة أن يكون فيها مشاركا أو منتجا أو مستهلكا أو مروجا أو فقط متفرجا محايدا، ويكفيه فرحا واغتباطا أن بلدته أو بلده أوعالمه الكوني لا زال يستطيع تنظيم مهرجانات تسير بعروضها القاعات والساحات والمواقع والشاشات،وأن في الدنيا رغم كل الأحداث والمآسي فسحة للفرح والاحتفال والتقاسم والتواصل واللقاء الآمن؟؟.فقط هل يحقق هذا، هذا السائد من مهرجانات اليوم ومواسم الخرافة العقائدية وإحياء الثقافة القبورية للأضرحة والأولياء رحمة الله عليهم،وشعوذة التعاطي للمحرمات كشرب الدم والماء المغلي وأكل السحت والجيف والنار والتبن واللحوم النيئة،وشرب الخمور والمخدرات والممارسات الجنسية الفاضحة الشاذة؟،أو مواسم ادعاء الخوارق والبدع التي تجعل من الضريح المسكين وزبانيته وزارة كل شيء في حج المساكين وصحتهم ونذرهم والاقتصاد والشؤون الأسرية والاجتماعية..؟؟. أين هذا الإنعاش الاقتصادي في مواسم “سوق عام” وقد أشرفت على الانقراض رغم أن أهلها والمحللون لا يرونها في العمق غير حيف صارخ في التهميش والإقصاء الاقتصادي والثقافي والاجتماعي..،إذ كيف في الوقت الذي تتمتع فيه الحواضر الداخلية بأبهى الأسواق الشعبية الممتازة القريبة والدائمة،وتتمتع إقاماتها الفسيحة بمختلف المرافق الإدارية القريبة المركزية واللامركزية،وعماراتها الشاهقة بمصحات طبية شمولية ومتخصصة…، في حين لا زالت هذه المناطق النائية المغبونة لا ترى حظها من أي شيء إلا مرة واحدة في السنة في “سوق عام” والقوافل التطوعية والاستثمارية من الغرب ومن الشام، ومن فاته”سوق عام” هذا فقد فاته الموسم والمهرجان فلا كيل له ولا بيع ولا شراء، ولا حلف ولا معاهدة ولا تطبيب ولا توثيق، ولا شرط رعي أو فلاحة أو صلاة أو تحفيظ،ولا زواج ولا طلاق ولا سفر ولا إقامة ولا “أحيدوس” ولا “تبوريدة”،وفوق ذلك لا تقبل منه شكاية..أية شكاية؟؟. هل تحقق ذلك مهرجانات “موازين” الدولية الكبرى،وما هي بدولية ولا كبرى، وكم قال عنها المحللون أنها مثل الشجرة التي تخفي ورائها الغابة ولا موازين لدى “موازين” غير موازين التحكم بغير وجه حق في ثقافة الشعب ومسخها؟،وكم قال ممثلوا الشعب في برلمانهم أنها فداحة التحكم في شركات الشعب ومؤسساته وفرض ما لا يطاق عليها من الإتاواة؟،أضف إلى ذلك الاستئثار بقاعات الشعب وساحاته وشاشاته العمومية وخوصصتها باسم الشعب وهو لا يدري؟، فرض إيقاع زمني مشوش ضد الامتحانات وهوس فني لا يخدم قيم الشباب،بل يؤجج في أوساط بعضهم ظواهر العربدة و”التشرميل”،بما جلبته وتجلبه من قدوات فنية مثلية فاسدة،طالما حاول الإعلام تلميعها دون جدوى؟،ومن سولت له نفسه فردا أو جماعة الاحتجاج سرا أو علانية ضد بعض هذه المظاهر الفاسدة أو كلها لا يقبل منه الديمقراطيون الحداثيون صرفا ولا عدلا..ولا عدلا ؟؟، ولكن بالمقابل لماذا استطاعت “موازين” تكوين جيش من الرؤساء والمنظمين والمديرين والتقنيين والأعضاء الشرفيين والناطقين الرسميين والمتسولين والمهددين والوصوليين..، في حين لم تستطع فتح ولو مدرسة فنية واحدة ولا دعم أي برنامج أو مهرجان فني عبر التراب الوطني،ولا استطاعت إنتاج وتكوين ولو فنانا مبدعا واحدا على شاكلة “فلانة” أو هامة “علان” من الشاكلات والهامات الوطنية والدولية؟، وكما يقول بعض الحكماء من نبض الشارع أيضا، ليس المشكل في من مع أو من ضد،ولكن برب الجميع هل من التنمية ومن الثقافة أو حتى من الترفيه، وفي أي تعاليم سماوية أومواثيق دولية أو إيقاعات فنية عالمية يباح سرا وجهرا بأن تأخذ فنانة أجنبية عاهرة داعرة فاحشة متفحشة بمفردها من خيرات البلد في سهرة “موازين”في شعبان(1000 مليون يعني مليار في ساعة أو ساعتين)؟؟،وأن لا يصل أسرة مواطنة فقيرة بأكملها في رمضان وعلى ظهر حمار غير(كيس دقيق وقارورة زيت وقالب سكر طوال عام كامل أوعامين)؟؟.
مهرجانات كم أود انتعاشها في بلدنا المتوسطي الثالثي الناهض،ليست مهرجانات العلم والمعرفة والتفوق في الإنتاج أو الإبداع الفكري والتكنولوجي؟،أو حتى مهرجانات التنمية الذاتية والتجارب الفئوية والمجالية الناجحة في تيسير الخدمات ودمقرطتها أو في إشراك المواطن في معركة النهوض وتحديات المستقبل في الصحة والتعليم والسكن والتشغيل؟،وليس حتى مهرجانات تسويق المنتوج الجمعوي والتعاوني وانعاش المقاولات الصغرى والاقتصاد الاجتماعي الذي تشير كل الدراسات إلى ضرورة مساعدته والاهتمام الحقيقي به كرهان تنموي في العالمين الحضري كالقروي؟؟. مهرجانات أبسط من كل هذا وأهم منه باعتبارها المنطلقات والأركان والحوامل والموجهات نحو كل ما يجعلنا نستحق فعلا ما نطمح إليه من فرجة وراحة و فرح وبهجة تحلو بها صنوف المهرجانات ونجماتها وأقمارها،إنها المهرجانات التربوية للأطفال والشباب؟؟.مهرجانات طالما عانت الجمعيات ولا تزال في تنظيمها ومن كل النواحي،بدء من التأطير التربوي والإبداع الفني والرياضي..، إلى النقل والإقامة والتغذية،إلى التنظيم والتأطير والإدارة والتراخيص وحجز الفضاءات والمخيمات،إلى التغطية الإعلامية وتسويق المنتوج، إلى الدعم والاحتضان والشراكات رغم تعدد الهيئات والوزارات والمؤسسات المعنية بهذا الشأن؟؟،مهرجانات لا تنفك برامجها الثقافية والفنية والرياضية والبيئية،بكل ورشاتها ودورياتها ورحلاتها ومخيماتها وأمسياتها ومسابقاتها..،لا تنفك عن صلب التنمية الذاتية وصقل المواهب ودعم القيم والمهارات والتربية على المواطنة والحوار والمسؤولية والممارسة الديمقراطية السليمة،وكلها حقوق من حقوق الأطفال والشباب التي ينبغي أن تتظافر من أجلها كل الجهود،ولكن مع الأسف قد انحرف التيار الداعم المتدفق إلى مهرجان واحد ولو باغتيال غيره من المهرجانات،ليبقى سؤال الطفولة والشباب والنخب الطفولية في الجمعيات والمؤسسات التربوية المبدعة الرائدة إلى إشعار آخر،قد يدرك فيه كل المسؤولون الغيورون وكل والمؤسسات المواطنة ولات حين إدراك،أن فرجة المغاربة أبسط من كل ما يعتقدون ويبرمجون ويبهرجون..،أبسط من”سوق عام”و”التبوريدة”و”سويرتي مولانا”،وأبسط من “موازين”اختلت فيها الموازين،وهما وجهان لعملة واحدة لا ترضى غير الهشاشة والخرافة والإقصاء والتحكم والفساد والاستبداد ولو بعد ألف عام وعام وألف مهرجان ومهرجان،لا ترضى بغير الانصياع ل”موازين” و”سوق عام” و”التبوريدة” و”سويرتي مولانا”،”يا تربح موس ولا جنوية يا تخسر كانة ولا مكانة”؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=18692