دوّى الخبر فجأة كالصاعقة، من لم يمعن النظر في فحواه سيخال أن الأمر يتعلق ببعض معارك داعش في المشرق أو أفغانستان، قطع الرؤوس وحلقها وتكبيل وسلخ وأشياء أخرى من ذلك القبيل الذي صار من شيم الدواعش، لكن الأمر خلاف ذلك، فداعش هذه المرة آثرت أن تبصمَ بصْمة حَمقاء برحاب جامعة المولى اسماعيل بمكناس، أبطالها جردان مرتزقة، وضحيتها “مغربية” كائنة حية، تمّ حلق شعْرِ رأسها وحاجبيها دون رحمة.
حديثي بشكل مباشر لا أقصد به التيار القاعدي الذي شُغِفتُ به حُبّا في بداياتي الجامعية مطلع هذه الالفية، لما فيه من قوةِ فكرٍ ونضالٍ وابداع، وإنما حديثٌ صريحٌ مُوجع وجَعَ صاحبةِ “الصّلعة” التي اكتوت بنار الدمار السُلوكي لأولئك الأكراد الذين يدّعُون الانتماء الى تيار لا يؤمن بتصرفاتهم ولا قناعاتهم، ويناضلون باسمه ويحكمون بالحلق والسلخ والقتل، و غيرها من الأفعال الجبَانة التي تعكس انحطاط القيم والفكر والرؤية النضالية السليمة لديهم.
الفضاء الجامعي فضاء مفتوح للإبداع والفكر الحر والنشاط الخلاّق، هكذا يجب أن يكون وقد كان كذلك ردْحًا من الزمن، أيام المقارعات الفكرية النارية والمواجهات المحتدمة و الذوذ عن المبادئ والقيم الراسخة ، الى أن جاءت ريح التغيير الأسود فبسطت الدولة يدها الى كل مكونات الحرم الجامعي، فمنعت وبدّلت و “بَوْلسَتْ” و “كَوْلسَتْ”، ثم لم يكفيها عسكرته لتبدع في صنع أشباه الطلبة و الإمعات التي لا تفقه حرفا ولا علما وتمنح لهم هامشا من الحرية “السياسية” المقيتة، ليعثوا في الجامعة فسادا وسلطة وتشهيرا للقوة والسكاكين والسلطة الواهية. إنهم -باختصار – هذه الكائنات المنوية الحيّة، الذين استبدّوا وسط مكناس في جامعته ليحكموا ويصدروا أحكاما دون أدنى سند قانوني لأنهم أشباه طلبة وليسوا قضاة ولا أهل الاختصاص في الامر.
أمرٌ جبان- بكل تأكيد – أن يصير في الجامعة تيار من هذا القبيل يجعل مرجعيته الأساس داعش وأضرابها، ويستخفّون بكل الأعراف والمبادئ، بل ينصبُون أنفسهم مكان الحَكم والقاضي وجهاز الدولة في شكل سلطته و هياكله القضائية. أمرٌ مقيت فعلا أن تتم هذه الممارسات في هذا الوقت بالذات وقد قطع الفكر النضالي داخل الجامعات المغربية أشواطا كبيرة وتفتحت العديد من الجماجم الرجعية المستغلقة وبصرت نور الحرية والانتشاء التقدمي، ولم يعد يُناصِرُ مثل تلك الممراسات الداعشية، إلا تيارت اللحى والاسترزاق الديني، أمرٌ عجائبي، فعلا أن نشهد زمن المحاكمات المجنونة – المراهقاتية – التي لم تنبع لا من فكر ولا نضال وانما ردة فعل من قائدهم الصُوري على رفض الضحية “صاحبة الصلعة” لنزواته الجنسية البهيمية. و لم ترضخ لابتزازهم، فأصدروا في حقها تهمة لم يسمع بها انس من قبل ولا جان. على الأقل كان على الجلادين الجدد أو حلاقي الجامعة الفضلاء أن يعودوا الى الارث النضالي الرفاقي الذين يتشدقون بالانتماء اليه ليستلهموا الأحكام والقرارات، وليعرفوا ان “التيار القاعدي” لم يكن يوما منحط الفكر ولا وضيع الرؤيا ليصل الى اقتراف مثل تلك الخزعبلات الدنيئة.
تَطوّرُ الزمن لا يعني يا صاحبي أن الفكر تطور و واكب نهضته، وانما قد يعني في بعض ما يعني، التقهقر الى الوراء واستخدام أساليب بدائية كالتي شاهدناه اليوم بمكناس في فضاء يفترض أن يكون مشتلا للفكر الحر والابداع والمقاربات البناءة والاختلاف الهادف. شتّان بين المناضل الحقيقي ذي المبادئ والرؤى والخط النضالي الواقعي، وبين أشباه الطلبة أعجاز نخل خاوية يتلاعب بهم ريح الدولة كيف يشاء ومتى يشاء، مراهقون لم يقرأوا كتابا واحدا في أبجديات النضال ولا مرجعياته، ويحشرون براز أفكارهم وسط الجمْع الغريزي من مُريدهم، فقط لإرضاء النضال الجنسي وعنفوان التميز المراهقاتي. أشباه هؤلاء كثير، ومن يتدبر واقعة مكناس ببشاعتها يبصر بشكل واقعي مدى تداخل الخطوط النضالية وسرعة التماهي بين أمثال هؤلاء الدواعش الحلاّقون وبين أمثالهم الذين يَدْعُون الى الامامة والشريعة والعودة بالمجتمع الى أيام الجاهلية الاسلامية حيث جلد الزاني وقطع يد السارق ووأد الأنثى واغتصاب الايماء والجواري وغيرها من التصرفات المجنونة التي يتحججون عليها باسم الدين. سواسية إذن ما وقع بمكناس وما يقع ببلاد الشام ، غير ان هذه الاخيرة تطبّع معها الناس وألفُوها والأولى نشاز على التو أرخى زعماؤها الرحال بمكناس، وافتتحوا المشهد ب “تحليق رأس شيماء”.
ان مثل هذه الممارسات وغيرها يجب ان تُصحّح بشكل صَارم، وما على التيار القاعدي إنْ كان فعلا يمثله أمثال هؤلاء الدواعش الجُدد، الا ان يُصلي جنازة الوداع على أيامه الذهبية التي كانت نبراسا للعديد من الناس والمواقف في الحياة كلها، وأن يفتحوا دكاكين حلاقة خير لهم من البهدلة ومزيد من اضحاك الناس في هزالة أمرهم. وفي مقابل ذلك على الدولة – رغم عِلاّتها الكثيرة – أن تتدخل بحزم لردع الدعارة النضالية الرخيصة التي تسُود بين “أشباه طلبة” في الجامعات المغربية، وأن تقطع الطريق، ولو بأساليب رجعية أخرى مُتحكم فيها جدا، على كل الدواعش الذين لا يفقهون من النضال الا العنف والرغبة في التميز والتناسل الغريزي، الحلاّقون المهَرة الذين تركوا المحاضرات و التحصيل المعرفي ليبدعوا كالنساء في مشط الشعور و حلقها وتزييــــــــــن الحاجبين ك” نكافات” الحي القديـــــم.
المصدر : https://tinghir.info/?p=18546