Ad Space

قراءة في رواية الاغتراب المزدوج لعطوف الكبير.

admin
اقلام حرة
admin10 مايو 2016
قراءة في رواية الاغتراب المزدوج لعطوف الكبير.
حسن أعبدي

يعلن الكاتب منذ البداية الانتماء الأجناسي وهوية الرواية سواء في العنوان(رواية  واقعية) أو في العنوان الافتتاحي للفصل الأول قولة الكاتب والشاعر الإسباني ف.غ.لوركا عن السيرة الذاتية عبر اليوميات والمذكرات والذاكرة ” ليس هناك ما هو أكثر حيوية من الذكرى والتذكر ”.

وبالإشارة  إلى دور مدرسة شيكاغو التي ظهرت أولى أعمالها المعروفة في هذا الاتجاه من خلال الأعمال السوسيولوجية والأنتربولوجية انطلاقا من الأبحاث الميدانية عن الهجرة والمهاجرين الذين صنعوا عبر التاريخ الحديث والمعاصر،مدينة شيكاغو، ثم كتاب أنطولوجيا الهجرة في الرواية العربية لإدريس اليزمي الذي يختبر فيه سؤال الهوية الفردية والجماعية وأنماط العلاقة مع الفضاءات والذاكرة.

ويؤكد في بداية الفصل الثاني ” في ظل الجامعة المغربية  المتهاوية”على أن هذه الرواية تتداخل فيها التيمات والزفرات والحسرات والحكايات التي كتب لها التاريخ أن ترسم في جغرافية مهجر الاغتراب، مستدركا ومؤكدا في الوقت نفسه على وجوب الاعتراف بأن هناك لحظات زمنية – مجالية يمتزج فيها الواقع بالخيال والمتخيل، كما حلل ذلك المؤرخ والمنظر والروائي الكبير الروسي ميخائيل باختين(1895-1975) حين اشتغاله على الأعمال الرائدة انذاك للكاتب – الطبيب الفرنسي الشهير فرانسوا رابلاي(1483-1553) والتي تهم أساسا ” الثقافة الشعبية ”.

وذكر في  نفس  الفصل أعمال الكاتب  والشاعر عبد اللطيف  اللعبي في  تجربته الاغترابية والسياسية (أنظر الصفحة 13 ) وفي ” الغربة”  لعبد المالك الصياد.

كما أننا نجد في الواجهة الخلفية للغلاف نصا للدكتور عبد النبي ذاكر مفاده أن ”الذاكرة في هذا النص الإبداعي ترتاد ضفاف الزمن الخالي الغائر في كينونة الذات والوطن وجغرافيات الغرب والشرق، لتلتقط ألوان المكر وتباريح الهنا والهناك… وسفرا في دهاليز النفس المنكبتة على محك تجارب الأمس واليوم.فجاءت اللغة متوهجة بواقعية طازجة سجلت بشكل شفيف تباريح عناء لا فرق فيه  بين الذاتي  والوطني  والقومي  والعالمي…” .

كما يمكن الاستفادة من إسهام نظريات رواد ما بعد الحداثة وما بعد  الاستعمار متمثلة في أعمال : جاك لاكان، جاك دريدا، إدوارد سعيد، فوكو، إيكو، هومي  بابا ، الغذامي، عبد الله ابراهيم، حسن  حنفي،غرامشي، فارنز فانون، كيفن  رايلي،  وغيرهم  كثير … .

كل هذا يمكن أن يشكل الأساس والقاعدة النظرية التي تسعفنا في قراءة وتلقي هذا النص الروائي على اعتبار الوعي والثقافة الموسوعية لعطوف  الكبير خاصة في الآداب و العلوم الإنسانية والتجربة المهنية والميدانية والسياسية، وربما كان مقصد وغاية عطوف الكبير من ذكرها والإشارة إليها  خاصة في عتبات ومقدمة الرواية. دون السقوط في  فخ الإسقاطية والاختزالية  والانتقائية  النظرية  والتحليل المتعسف للنص.

فمسيرته ومساره منذ أن كان تلميذا ثم طالبا في الجامعة بالمغرب إلى هجرته لاستكمال  الدراسة العليا، ومن ذلك إلى حصوله على الدكتوراه وحياته المهنية والعائلية والعلمية  والتخصصية في أرض المهجر، حتى عودته لأرض الوطن واشتغاله أستاذا جامعيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بمدينة أكادير إلى نهاية  الرواية  تؤكد  ذلك.

إذ يظهر ذلك في جمعه بين الفكر والثقافة والسياسة والأدب والإبداع  في  المرحلة الجامعية  داخل الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وفي صراعه الشخصي والثقافي مع أبيه حول  تصميمه ورغبته بالهجرة لاستكمال  دراسته بفرنسا” أرض الميعاد”(أنظر الصفحة 12).

ثم في وصفه  القارة العجوز بأوربا العجوز مع  وضعها  بين  قوسين إلى جانب الكثير من  المصطلحات من المعجم الفرنسي، وانتقاده فرنسا وعاصمتها باريس التي تحولت عنده  من عاصمة النور إلى عاصمة الظلام  بعد صدمة الهجرة والاحتكاك والعمل والغربة  والوحشة  والضياع والعنصرية والمعاناة الاجتماعية والثقافية…؛ ”ليست هذه فرنسا التي أحلم  بها”(أنظرالصفحة 18)، حيث وجه لها السباب والشتم بقوله ” الله العن بوها فرنسا ”، التي  كررها ثلاث مرات، كما يظهر في الأوصاف التي وصف بها صاحب المطعم الذي يستغل المهاجرين السريين” الأصلع والسمين ذو الأنف الأفطس…سيماهم في وجوههم”(أنظر الصفحة 16) وفي مواقفه الدفاعية من  الهجرة السرية التي وضعها  بين قوسين  من بداية النص إلى نهايته، حيث وجه انتقادات لاذعة للصحافة الفرنسية التي تكتب عن الهجرة السرية  ولا تكتب عن العمل السري واستغلال أرباب العمل للمهاجرين، متسائلا عن حقيقة وجود الديمقراطية وحقوق  الإنسان في فرنسا.

ونجد تجليات ذلك على غرار ما سبق في المزج والجمع بين السلطة السردية والسلطة الأكاديمية  عند  الحديث عن ملف قضية  الصحراء بالمهجر خاصة  عند زيارته لعمه بحضور أصدقائه  وجيرانه الجزائريين، الذي  عده مشكلا  استعماريا محضا  ومفتعلا.

ويستمر حضور تلك الثنائيات الازداوجية والتناقضات الضدية والأبعاد الهوياتية والإشارات التنظيرية والتقعيدية التي ذكرناها سالفا بانتقاد القيم الفردانية والأنانية وحب الماديات وطغيان الروح الرأسمالية”عالم استهلاكي ومادي محض..أساسه عبودية معاصرة…”(أنظر  الصفحة 23) وافتقاد الدفىء العائلي والثقافي والاجتماعي باستحضار أضدادها في المجتمع والثقافة المغربية، وبانتقاد البلادة والأمية التي يكتشفها في بعض مخاطبيه الفرنسيين، وصور النظرة الاستعلائية المتعجرفة للفرنسيين مستشهدا بقولة سامي النير ”  نصرة المنتصرين ” لكن في المقابل تتحول النظرة أحيانا بالاعتراف بهم وبأخلاقهم وسلوكاتهم وامتداحها خاصة  في القراءة. ( أنظر الصفحة 26)



aid

وتعود المتناقضات والتصادمات في  قصة الحب والزواج المستحيل والهوية والدين والثقافة والكراهية والخطيئة التاريخية مع باتريسيا بعدما علمت عائلتها الروسية بالعلاقة التي تجمعهما، والتي مات  الكثير  من أفرادها على يد  مقاتلين شيشانيين.

وفي عقد المقارنة بين شوارع باريس وشوارع بلده المتسخة ،وفي انتقاد الموسيقى الفرنسية، والغربية عموما التي اعتبرها تعبر عن الرداءة وانعدام الذوق وركاكة التعابير والمضامين خاصة الصاخبة  منها مثل ” الجاز”.وهو ما  نجد في  الأمثلة الأتية :

  • ” زمن ليس بالضرورة زمني  أنا … زمن لم  أخلق  له  ولم يخلق لي …”.
  • ”عشت أوقاتا تذكر الإنسان بنهاية العالم صدمة التاريخ أم صدمتي أنا”(أنظر  الصفحة 26)
  • ” مغربي مسلم ملتزم بالقيم المعروفة لدينا …”.
  • ” نحن المسلمين ”الثالثين”  ”( أنظر  الصفحات 48،49،50،51).

ويظهر التعبير والتصوير الاسترجاعي الممزوج ببلاغة محكي الموت والألم والتناقضات الضدية الصارخة من خلال نموذج  طالب  مغربي كان مشروع  دكتور حتى أصبح ماسحا للأحذية بعدما كان في عداد الموتى ونجاته من جحيم وسجون سنوات الرصاص من بين آلاف الموتى الذين قضوا في  ذلك الوقت  نتيجة  التعذيب أو الإعدام وغيره.

ويتجلى في”الحريك” الذي أصبح ثقافة شعبية؛ وفي اعتباره الوطن طفلة صغيرة مشوهة الوجه كإحساس يخالجه أحيانا؛ وفي الصراع بين وجهات النظر وتقاطب الرؤى في الحوار الذي دار بينه وسيباستيان حول أهمية التاريخ واستعادة الماضي، وفي طريقة تصرف سيباستيان الاستفزازية الانتقاصية الساخرة،وطريقة رد وجواب الكبيرعطوف. (أنظر  الصفحات الأتية :51،52،53.)

ويظهر ذلك أيضا في صور النقد المزدوج و المقارنة المزدوجة والوضعية  الاجتماعية   والاقتصادية  للمهاجرين المغاربة المزدوجة أيضا؛ حيث اعتبر شارع ”برابون” ببلجيكا صورة كربونية ل ” كراج علال ” و”درب عومار” بالدار البيضاء لكون مغاربة  الريف (الحسيمة، الناظور) هم الذين يتاجرون ويبيعون فيه في دكاكينهم أو باعة مفترشين.

وفي محاولته الكبير التخلص من صور المقارنة وأحاسيس الألم والغربة والمعاناة والاجتثاث والخوف من الضياع والواقع المرير للمهاجرين بالبحث عن الذات والهوية والوطن والإحساس بالدفء بزيارة معهد العالم العربي والالتقاء بالفنانين والشعراء والكتاب(فيروز،محمود درويش، مارسيل خليفة،سعيد المغربي..)(أنظرالصفحات: 53،54،55،56)  

وفي انتقاده لكيفية التعامل الفرنسي والبلجيكي  الرسمي مع ملف المحاربين القدماء الذي يدافع عنهم بشدة، حيث طرح علامات استفهام كبيرة أمام مبادئ حقوق الإنسان  والديمقراطية التي تتبناها هاتان الدولتان.

وكذا أكاذيب المهاجرين وتناقضاتهم في السلوك والخطاب، وبين الأقوال والأفعال خاصة في قصة الإمام الخطيب العجيب الذي جمع بين الجهل وضعف التكوين والتناقض والتطرف والتشدد والخيانة والفساد(أنظر الصفحات : 57،58،59،60).

في المقابل نجد صورة أخرى لإمام مدير مسجد قديم معروف بباريس”أبي بكر  الجزائري” وجوابه الحكيم السليم المتنور عن السؤال الذي تلقاه عن جواز استعمال بطاقة توظيف الضمان الصحي من عدمه في الهجرة أو قضاء مصالح وأغراض بعض  المهاجرين.

وفي قصة التلميذ الذي تحول من حالة الشغب والكسل والفشل وعدم الافتخار بوالده  ذي اللباس القديم الذي لا يعرف  الفرنسية إلى تلميذ ناجح متفوق منضبط، مفتخر بوالديه  بعدما شجعه  الأستاذ ” عطوف الكبير” ودفعه إلى ذلك.( أنظر الصفحة 60).

وكذا التناقض والنفاق في مظاهر ومقتنيات وسلوك  المهاجرين، مثل عائلة مغربية مقيمة بمنطقة سان دوني تتاجر بالمخدرات والقنب الهندي وبأعراض بنتيها بموافقة  الأبوين والأهل جميعا،  تقدم صورة مغايرة مناقضة للناس بالمغرب ”الدار  البيضاء”، ثم قصة بوسفوت  الجزائري وغيرها.

ولم يكتف الكاتب عطوف بكشف تناقضات المهاجرين المغاربة بل قدم لنا صورا  أخرى لمهاجري الغجر الذين وصفهم بالشعب الفاشل خلال  تدريس أبنائهم أو من خلال عمله  الجمعوي  والحزبي.

لتنطلق مسارات الأحداث  والوقائع السردية  بعد ذلك في  رحلته  إلى المغرب  لإجراء  المباراة الشفهية للتدريس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر بأكادير في رحلة  محفوفة  بالموت  والمخاطر  خاصة  حادثة  سير التي كادت  تنهي  أحلامه لولا  ألطاف القدر، تاركا  زوجته الحامل  وحدها  في بيتها في  فرنسا.

هنا بنية الاسترجاع والتذكر والقلق والاضطراب ذكرته بقصة حادثة سير أودت بحياة صديق له كان أستاذا وشاعرا متميزا، وانتهاء بلحظات الوداع والعودة النهائية لأرض وطنه والاتصال بالذات والحسم مع  تناقضات الهجرة  والاغتراب والضياع  والبعد  وألم الفراق، وفتح صفحة وآفاق جديدة مع عائلته وأهله وأصدقائه  ومدينته و بلاده ومع مستجدات  جديدة  على الساحة  المغربية  والعربية .

المصدرحسن أعبدي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.