فاتح ماي 2016 يوم ليس كالأيام بالمغرب، يوم اختلط وتنافس فيه “الزعماء النقابيين” ورئيس الحكومة ووزرائه لاقتسام فن الخطابة على منصات النقابيين للاحتجاج على أنفسهم أو على حكومة لا يعرفها إلا هم، وربما تابعة لدولة أخرى غير المغرب التي تؤدي لهم الرواتب والتعويضات الخيالية.يوم أممي للشغيلة يحق تسميته بالدار البيضاء بيوم للحملة الانتخابية بامتياز، يوم تحولت فيه منصات “النقابات” إلى مجرد أداة للاستقطاب السياسي وليس للمطالبة بالعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة الوطنية بشكل عادل، والاحتجاج على سياسات غير شعبية على رأسها صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات، والتحضير للرفع من سن التقاعد وقمع الاحتجاجات السلمية، وعدم إقرار سياسات ناجعة لصالح الفئات العمالية وشغيلة جميع القطاعات، وغياب إقرار قانون منصف للشغل وعدم تنزيل جميع مقتضيات الدستور الجديد ونحن على مشارف نهاية الولاية الحكومية والقوانين التنظيمية على سبيل المثال لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لم ترى النور بعد…الخ.
مشاركة الحكومة التي أجهزت على كل مكتسبات الشغيلة وعلى عيدها العالمي، لا يمكن اعتباره إلا سلوكا استفزازيا للطبقة الشغيلة وتأكيديا للتوظيف السياسوي للنقابات كأذرع أخطبوطية إلى جانب جمعيات المجتمع المدني الموازية التي تسهر على تحقيق المكاسب الشخصية بفضل النضال النقابي السياسوي الضيق، ولعل ما يعرقل تحقيق الطبقة العاملة وحركتها النقابية لمطالبها والحفاظ على مكاسبها، هم النقابيون أنفسهم الذين عمروا لسنوات كراسي مقرات المركزيات النقابية بالرباط ويعضون بالنواجد على كراسيهم وكوطتهم بالبرلمان.
بعد “فاضح ماي” المغربي الذي تم فيه الاحتجاج على المجهول، من حقنا أن نتساءل عن الهدف الحقيقي للفعل النقابي بالمغرب، وعن موضوعيته في الترافع لتحقيق المزيد من المكتسبات لفائدة الشغيلة في مرحلة تاريخية تعرف خطابات مزدوجة ومؤدلجة يقودها أشخاص يضعون على رؤوسهم عدة قبعات في آن واحد، وفي سياق يعرف زحفا خطيرا للرأسمالية المتوحشة والمضي في تحرير الأسعار، فهل تستطيع النقابات مواجهة أمناء أحزابها ووزرائها الذين يقرون بغياب الفقر بتاتا بالمغرب؟، وسياسة حكومتهم السائرة في طريق رفع اليد على القطاعات الاجتماعية الحيوية كالتعليم رافعة شعار “لي باغي يقري ولادو يدير يدو فجيبو”، وغياب للخدمات الصحية في جميع المناطق، وإعلان حالة التقشف لتبرير جمود الأجور، وهو ما ينذر لامحالة بالمزيد من التوترات والحركات الاحتجاجية، واتساع رقعة الهشاشة والفقر والحرمان الاجتماعي من الخدمات الضرورية، واهدار مستمر للحقوق الدستورية.
حضور رئيس الحكومة ضمن الصف الأول لمسيرة نقابة حزبه بالدار البيضاء، لترديد شعارات مطالبة بتحقيق “العدالة الاجتماعية” هذه الشعارات رفعت في وجه من؟ ربما في وجه المركزيات العمالية التي رفضت قراراته في الحوار الاجتماعي، ولأنه لا يفرق بين المهام الحكومية والمهام الحزبية والنقابية اختلط له الحابل بالنابل، والكل متواطئ في خدمة السلطة والمال و”الحوريات”، وفي ختام المسيرة والهرجان الخطابي ما عليه إلا أن يرفع بنكيران النقابي الملف المطلبي إلى بنكيران رئيس الحكومة لدراسته ودعوته لعقد اجتماع مغلق مع نفسه في مقر رئاسة الحكومة لتدارسه، أليس ذلك من تجليات الانفصام في الشخصية؟ كالوزير السابق رئيس الجماعة الذي يراسل نفسه لقبول طلبات جماعته.
الذي سمع خطاب الزعيم النقابي وأمين الحزب ورئيس الحكومة المغربية سيدرك أن مستوى الخطاب السياسي في المغرب للأسف لازال منحطا على الرغم من التوجيهات الملكية في هذا الشأن، وما هو إلا عبارة عن ملاسنات كلامية مع معارضيه ولم يسلم منها حتى منخرطي حزبه قائلا له ” خاصك 40 سنة عاد توصل هنا وإلى وقف كلسوه” طريقة تعامل مهينة بالحضور وتكرس علاقة تحكم الشيخ في مريده ورد فعل يقصي الكفاءة والاستحقاق لتحمل المسؤوليات الحزبية، تحدث عن “تخويف الفوق من التحت وتخويف التحت من الفوق والخروج إلى الشارع” ماذا يقصد بالفوق؟ ولعدة مرات تهددون بالخروج قبيل النتائج الانتخابية إلى الشارع وتهددون من في الفوق؟، ومخاطبا الباطرونا “تهربو بحال الفيران” كيف سيفكرون في الهروب وأنت واجهتهم بمقولة عفى الله عما سلف، وردا على معارضه “كنتحداك تجمع الناس في الشمس ويتصنتوليك”، هذا ليس بمعيار الكفاءة السياسية بل هو استهتار بعقول من ينصت لك تحت شمس حارقة، قائلا له “سير تكمش” الذي تكمش هو الاقتصاد الوطني بفضل سياستكم التي لا تعرف إلا الاقتراض، واصفا إياهم بـ”صكعين و”مساخيط الشرق” ولماذا تولون وجوهكم إليهم عندما تشتد أموركم ومنهم استمدتم مشروعكم السياسي الاسلاموي، وواصفا معارضه “بوعو” بوعو الحقيقي هو الذي خوفتم به الشارع المغربي أيام حركة 20 فبراير وركبتم على منجزاتها لحصد الأصوات والجلوس الآن في كراسي المسؤوليات، “الدوباج” هو الذي تقومون به لتخدير عقول المستضعفين، ومكررا كلمة “مافيدكش” لقد قلتها لأمين حزب و تحالفتم معه في تشكيل الحكومة وذلك يفسر تناقضكم الدائم بين القول والفعل، وواصفا مناضلي حزبه “مكاجيين” صحيح مناضلي الحزب مكاجيين في تحقيق مصالحهم ومآربهم الشخصية، ومعززا عرضه بـ” البكاء” لقد بكيت لعدة مرات بقبة البرلمان وعن ذوي الإعاقة لكن البكاء لا يجدي في شيء ولا يسد رمقهم والبكاء مور الميت خسارة الذي يجب أن يبكي هو الشعب الذي فقد من عمره زمن ولايتكم، وعن نفسه قائلا “عاطفي”، صحيح حكومتك يغلب عليها طابع الرومنسية والحب من داخل أروقة الوزارة ونتذكر الكوبل الحكومي ووزير السرير، وسمعنا من خلال الفيديو “تكبير تكبير “الله اكبر – الله أكبر” لا نسمعها إلا في تجمعات…، وملمحا لشيء غريب “الوسخ الذي يريد أن يدخل بين اللحم والظفر”، فما اللحم والظفر؟، قائلا لمعارضه “ارحل ” الكلمة قيلت لكم في عدة مناسبات، بل أحرقت صورك بمواقع مختلفة ولا تريدون الاستجابة لها. وباقي مطيحوكش لأنك في حلبة صراع الثيران. وليس في حلبة الصراع السياسي النبيل وفق برامج سياسية واقعية.
الغريب حتى رجال السلطة وهو واحد منهم لم يسلموا من لسعات لسانه وقفشاته، حيث اتهمهم بالتكرفيس ودفع مي فاطمة رحمها الله لحرق جسدها، وبالحكرة على المواطنين وهم من أسباب الظاهرة البوعزيزية بالمغرب، ويقتحمون بيوت الزوجية مستشهدا بالقائد المعني وهو يحاكم حرا طليقا والمفارقة العجيبة أن وزيره في العدل والحريات من حزبه، وهو لا يريد أن يتدخل في نهي المنكر في وجه وزيره، على من تضحك في هذا اليوم الأممي؟، أم انتهزت الفرصة من أجل دغدغة عواطف الناس واستغلال هذه الأحداث الاجتماعية التي هزت الرأي العام والعالم الأزرق، فأنت رجل السلطة الثاني بعد صاحب الجلالة نصره الله، أم نسيت تصريح وزير الداخلية بالبرلمان حول مسؤوليتكم في ما تعرض له الأساتذة المتدربين من تنكيل وكسر لعظامهم، وشبه تصرفاته بسيدنا عمر قائلا “ياليت عمر لم تلده أمه”. الصحيح هو” يا ليت الحكومة لم يرأسها بنكيران” لأنها تسببت في مشاكل اقتصادية واجتماعية في شتى المجالات، واختتم بنصحه للمغاربة “المغاربة ردوا البال حنا بغينا الإصلاح وتحملوا مسؤوليتكم وحنا نتحملوها” وهل تحملتها خلال هذه المدة منذ بداية ولايتكم؟ هل اتممتم تنزيل مقتضيات دستور 2011، بالعكس لقد تنصلت وتخليت عن مسؤوليتك وصلاحياتك الدستورية. ويجب على المواطنين أن لا يتفطنوا من الدين يستغلون الدين في السياسة ويستأسدون برموز المملكة في خطاباتهم.
“فاضح” ماي 2016 بين الدور والوجه الآخر للحكومة بتحويل نقابة كل حزب من الائتلاف الحكومي إلى مؤسسة للسخرية السياسية وللوساطة الاجتماعية، وللتنفيس الاجتماعي ولقياس قيمة الضغط الداخلي بالبالون الاجتماعي التي تعكسها نسبة وطبيعة مشاركة الحركات الاحتجاجية النقابية. وتحويل النقابات إلى راع للأغنياء على حساب الفقراء بعد مشاركة الحكومة في الصفوف الأولى في مسيراتهم النضالية، وحاضنة للرأسمال الفاحش وللباطرونا على حساب التوزيع المتكافئ للثروة. وهذا الأمر هو المأزق الجديد الذي ينتظر العمل النقابي للتخلص منه بعدما أن تمزق عنوة. لم يبقى للوزراء وأعضاء الحكومة المشاركين في فاضح ماي إلا رفع يافطات وشعارات ليطالبوا بعدم المس بتقاعدهم والرفع من رواتبهم وتعويضاتهم البرلمانية والوزارية. فلمن تصيحون ولمن تريدون اسماع آهاتكم يا عمال والمسؤولون بجانبكم وهم في الصفوف الأمامية لمسيراتكم وحولوا منصات يومكم النقابي إلى مهرجان خطابي للانتخابات التشريعية المقبلة.
المصدر : https://tinghir.info/?p=18178