عمل المستعمر الفرنسي إبان احتلال المغرب على تنفيد مخططات مختلفة للسيطرة على المدن المغربية القديمة ، كما عمل كذلك على خلق مدن جديدة تستجيب لمتطلباته الاقتصادية و الإستراتيجية.
ويعتبر الجنرال ليوطي المقيم العام الفرنسي ، من وضع اللبنة الأولى للإدارة الفرنسية في المغرب ، وقد عمل على تعمير المدن المغربية ، ولم يزل الأبنية القديمة ، بل كان يبني مدنا حديثة لإسكان الجالية الفرنسية ، ويفصلها تماما عن المدن المغربية القديمة ، وجهز هذه المدن بالإدارات المختلفة لتسهيل شؤون الإقامة الفرنسية في مختلف المدن المغربية ، وكانت السياسة الاستعمارية كذلك تتمركز على الهجرة الاستيطانية من طرف أصحاب الحرف و المهن ، ورجال الأعمال والتجار.
كما بدأت مع مطلع القرن العشرين تظهر بعض الجاليات الأوروبية في المناطق المؤدية الى الأقاليم الصحراوية الجنوبية الشرقية ، ولكنها لم تجرؤ على التوغل في هذه المناطق إلا بعد أن استتب فيها الأمن ، وذلك بسبب المقاومة العنيفة التي لقيتها الجيوش و الجحافل الفرنسية في السيطرة على هذه الأقاليم الوعرة المسالك .
أسباب اختيار الموقع لتشييد المركز الإداري الاستعماري في الجنوب الشرقي من المملكة.
وقف اختيار السلطات الاستعمارية لموقع بناء قصرالسوق نظرا لما للمنطقة من أهمية ، خاصة منها التجمعات السكنية التي كانت تعتمد على اقتصاد متواضع ، وكان ” السوق ” ، يعتبر المحور الرئيسي للمبادلات الاقتصادية في الواحة . واحة وادي زيز مثلا . حيث كان الأهالي يجمعون بضائع “لبلاد” و ينقلونها قصد بيعها أو مقايضتها بسلع أخرى في الأسواق ، وكانوا يتوصلون بالمستوردات حيث يتم توزيعها كذلك و هكذا …
وكان أول مكان يجتمع فيه أهالي الواحة ، واحة وادي زيز ، التي تمتد من غار زعبل شمالا ، إلى منطقة عين مسكي شرقا ، هو “السوق لقديم” كما كان معروفا في مطلع القرن العشرين ، الذي بني عليه سجن توشكا اليوم . في هذا المكان “السوق لقديم” كان فلاحوا قبائل أيت زدك ومدغرة وأيت عطا واليهود … كانوا يلتئمون قصد ترويج مختلف البضائع الفلاحية والحرفية وغيرها ، الى أن دخل المستعمر عبر بودنيب شرقا ، الذي خطط لبناء مركز قصرالسوق كقلعة عسكرية وإدارية، فحول تجمع السكان التجاري الى سوق مركزي بوسط المدينة الذي بنيت عليه اليوم المحطة الطرقية .
السلطات الاستعمارية عند غزوها المغرب من الجهة الشرقية ، ركزت على إنشاء مركز قصرالسوق لتجعل منه مركزا إداريا وعسكريا لعدة أسباب منها :
حظوة المكان من الناحية الجغرافية والطبوغرافية الذي يمتاز بوجوده في منطقة سهلة بسيطة و نقية ، بين منطقة السهل و الجبل ، ذلك أن قصرالسوق لا تبعد عن قدم جبال الأطلس الكبير الشرقي إلا بعشرات الكيلومترات على ملتقى الطرق التي تربط المركز بواحة تافلالت ، وهذا الموقع أكسبها أهمية خاصة ، باعتبارها صلة وصل حضارية بين الشمال و الجنوب ، كما ترتبط بواحة اغريس ، ما يسهل على المحتل عملية الإشراف و المراقبة و التنقل في مجموع الجنوب الشرقي .
كما يلاحظ وجود هذا المركز في خط اتصال بين مجموعتين بشريتين مختلفتين جنسيا و لغويا ، بين مجموعة قبائل أيت ازدك ، ومختلف العناصر الأخرى من بربر و غير بربر المستقرة في شمال المركز وشرفاء مدغرة في الجنوب .
وقد تحكمت عوامل أخرى في اختيار المكان بالذات ، وهو على وجه الخصوص كما ذكرنا أنفا ، وجود نوع من النشاط التجاري الذي أثر على الفرنسيين في اختيار مكان المدينة ، ذلك أن الروايات المحلية ، تتحدث عن وجود شبكة من الأسواق المحلية أخرى ، وهو ما ساهم في تسمية المدينة ب “قصر السوق” الاسم الأصلي للمدينة ، كما كان يطلق كذلك نفس التسمية على القصور الواقعة شمال المدينة ، إضافة إلى المراقبة السياسية . فقد حاول المستعمر ربط علاقات مع سكان القصور ، واستدراج بعضهم إلى الاستقرار في المدينة الجديدة ، وهكذا لجا إلى إرغام اليهود المستقرين في القصور و البوادي إلى الاستقرار في المركز .
على أي حال ، فليس هناك تاريخ دقيق يؤرخ لنشأة مدينة قصر السوق ، لكن ثمة روايات لمؤرخين كلها تتحدث ، أنها من إنشاء المستعمر الفرنسي ، الشيء الذي يمكن من تحديد التاريخ بين 1910 و 1920 ، ويكون اليهود من كون النواة الأولى للسكن في قصرالسوق ، نتيجة شبكة العلاقات التي كانت لهم عبر البوادي و القرى في تلك الفترة الحالكة وقد استدرجوا معهم قسطا مهما من الحركة التجارية التي أدت إلى توسيع المجال السكاني و العمراني .
واقتصر تأسيس و تعمير مدينة قصرالسوق في عهد الحماية في السنوات الأولى ، على رقعة صغيرة تتمثل في بعض الأماكن الحيوية بالنسبة للإدارة الاستعمارية . كما تميزت المدينة بنمط من البناء على الشكل الأوربي ، باعتبار الأزقة الواسعة ، وتصميم المدينة على شكل مربعات ، ما سهل على المحتل تنقلاته و اتصالاته بالشمال الغربي و مراقبة الجنوب الشرقي ، كما عمل على شق الطرق لربط مركز قصرالسوق بجميع نواحي المنطقة .
يتبع
المصدر : https://tinghir.info/?p=17368