Ad Space

الارهـَــابُ مُمارسَةٌ أزليـــة

admin
اقلام حرة
admin15 مارس 2016
الارهـَــابُ مُمارسَةٌ أزليـــة
محمد بوطاهر

كتبتُ بعض خطوط هذه المقالة قبل أزيد من تسع سنوات أيام الانفجارات الدموية بمدينة الدار البيضاء وكنت آنئذ طالبا، أحبو بمعرفة جامعية قوامها الاسئلة الاستفزازية والشك في اللبنات الظاهرة، نحو فهم حقيقي للإرهاب وتلمس تجلياته. والان بعدما اشتد عود الارهاب نفسه واستقام نظري المعرفي نحو هذا الموضوع ، عدت اليه معدلا ومنقحا حتى صار بهذه الحلة الجديدة.

 لن اقف عند تعريف الارهاب وكل المفاهيم التي رامت بسط ماهيته المتشظية والمستعصية عن تحديد موحد، فقد ثبت اجماعنا تقريبا على انه ممارسة مشينة  تضر بالمصالح والبنى الاجتماعية والانسانية وبكينونة البشر ككل. انه منهج شيطاني من سماته الغواية والدفع بالإنسان السوي الى المهالك والعيش الضنك بمفهوم القران الكريم.

 قديما كان المفهوم باهتا بلا اسم ولا هُوية ، لكنه قائم وحاضر في تجلياته المختلفة عبر ممارسات كثيرة. فالإرهاب لا يقتصرعلى جماعة معينة أو منطقة معينة من العالم، بل هو ظاهرة عامة نابعة من ذات الإنسان، وبدأ بسماته العنيفة الموسومة بالفعل الشاذ والمسيء لحريات الاخرين منذ عصر إنسان الكهف واستمر ولا يزال في عصر إنسان التكنولوجيا من خلال ممارسات الأفراد والأسر والأمم والدول، كما لم يقتصر على شعب من ديانة معينة، بل امتد إلى شعوب من مختلف الأديان اليهودية والمسيحية والإسلام والهندوس وغيرها. فتاريخ العمل الإرهابي يعود إلى ثقافة الإنسان بحب السيطرة وزجر الناس وتخويفهم بغية الحصول على مبتغاه بشكل يتعارض مع المفاهيم الاجتماعية الثابتة، ففكرة البقاء للأقوى او الاصلح كانت تمثلا فكريا موجها للإرهابيين عبر تدحرج الازمنة والحقب.

 واذا عزمنا النبش في تاريخ البشرية  القديم، سنلفي ان هناك خروقات عديدة تدخل ضمن الممارسة الارهابية على الرغم من عدم تسميتها بذلك الاسم آنئذ. اولا لغياب المصطلح وثقافة تقعيده كمنهج علمي ، ثم ثانيا لارتباط هذه الممارسات بمرجعية دينية تحاول دائما ان تخفي جرائم بعض قوادها الذين يجتهدون أكثر من اللازم في اخفاء سلبياته واظهاره بمظهر التقية والصلاح. وسنقف عند بعض المحطات في تاريخ الدين الاسلامي، لما يثيره هذا الدين دون غيره من الملل الاخرى من اسئلة واتهامات بتفريخالارهابيين ومد المدد الروحي والتشريعي لتدمير الانسانية وزهق الارواح. فهل الارهاب ممارسة مرتبطة بالدين الاسلامي حقيقة، ام هو لصيق به فقط بسبب سوء فهم لقضاياه وتشريعاته؟

 لن نجرؤ فعلا على قبول الطرح الاول ونعتبر الدين الاسلامي السمح داعيا الى مثل تلك الممارسات المشينة، فما مدنا به المتضلعون في فهم القران الكريم وتفسير الحديث النبوي الشريف، يوضح ان الدين الاسلامي الحق، فعلا لا يقبل مثل تلك السلوكيات وكان ذلك بإجماع علماء الامة. لكن قد نتساءل- وبشغف- عن اسباب ذلك الزعم الخطير، ونغوص اكثر مستفزين الوقائع التاريخية الاسلامية علها تكشف لنا عن بعض الاسرار التي يستند اليها البعض في اتهام الاسلام بإنجاب الابن العاق الذي هوالارهاب. وربما نجد في تأويلات الاحداث والوقائع او فهوم القادة ما ينير دربنا في البحث عن حقيقة الامر.

  صحيح ان الدين الاسلامي بدأ سرا ثم جهرا (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ- سورة الحجر الآية94) واستعان بالحُسْنى والكلمة الطيبة ونبذ الاستحواذ المباشر، وهو توجه نهجه الرسول صلى الله عليه وسلم كقدوة. ثم الرعيل الاول من الصحابة المسلمين، لكن الخلف بعدهم اضاعوا كثيرا بعض مسلمات النهج الاول، وتفننوا في الاجتهادات الخاصة وتحوير الدين تبعا لمصالحهم الدنيوية الزائلة ، وهو ما اعتبر الشرارة الاولى في الممارسة الارهابية الاسلامية ان صح التعبير، وزاد هذا الامر جلاء وخطورة حين يستميت هؤلاء القادة في تبرير افعالهم ب تشريعات الدين واوامر نبيه الكريم.

ساقف مليا عند وقائع غالبا ما يستشهد بها الارهابيون على انها مرجعهم في القتل والسفك واباحة المحرمات وابدأ بمقتل عثمان وعلي والحسين رضي الله عنهم على يد المسلمين وما رافق ذلك من خلاف حول الامامة عند التابعين لهم. لم يقف مسلسل الارهاب– كممارسة القتل – عند ذلك الحد فموقعة الجمل وصفين ونهروان بين علي وعائشة ومعاوية واتباع علي  كانت مذابح نكراء فعلها المسلمون في حق بعضهم البعض. وزاد الصورة وضوحا ما قام به جيش الامويين المسلم في معركة اخماد ثورة اهل المدينة الذي قتل حوالي 700 شخص من المهاجرين والانصار. وهي كلها دماء المسلمين وسيوفهم، وقد بلغ استهتار قادة المسلمين بالدين وقيمه ذروة حقارته، فتجرأ “الحصين بن نمير” قائد جيش عبد الملك بن مروان بضرب الكعبة بالمنجنيق وهدم أجزاء منها ، وهو ما لم يتجرأ القيام به أعداء الاسلام  “أبو لهب” و “أبو جهل”. ومثلها فعلها قائد جيش يزيد بن معاوية عندما حول مسجد رسول الله لإسطبل تبول فيه الخيول ويعثو الجنود فيه فسادا طيلة ثلاث ليالٍ سويا.

ممارسات ارهابية  احتضنها الدين الاسلامي وكانت باسمه في الكثير من الوقائع، واعتبرها من تبع الرعيل الأول الصادق جزءا من ذلك الدين وثوابته، القتل ممارسة ازلية منذ قابيل وهابيل  مرورا بالحقب المتعاقبة . وهو امر موجود في جميع الحضارات صعودا ونزولا، لكن استفحال القتل ليصبح ظاهرة  داخل الدين الواحد او الامة الواحدة، هو ما يغيب عند الاخرين  لدرجة الاستثناء عندهم. بل ان الحضارة الاسلامية وهي مرجع الارهابين في  أدبيات القتل ، تجاوزت التطبيع مع فعل القتل نفسه لتتفنن في طرق ممارساته ، وهو ما نلاحظه اليوم في اعمال الارهابيين الدواعش، حيث يصير التبجح بالقتل سادية يتلددون بها وينوعون في طرقها  بين قطع الرؤوس ركوعا والحرق حيا و بقر البطون و نهش الضلوع وغيرها مما تمجه النفس السليمة ويمقته الذوق الانساني جبلة وطبعا.

صحيح ان الدواعش اليوم هم من جنس القاعدة الشاذة من هؤلاء القادة في الحضارة الاسلامية ، ولهذا تجد دائما التوظيف الكبير لشعاراتهم( كلمة التوحيد والشهادتين على سبيل المثال) والتمثل المتشدد لتعاليمهم. ففي خلافة هشام بن عبد الملك لم يقتل زيد بن زين العابدين بن الحسن  وهو سليل بيت النبوة ،فقط، بل قتل بفتك همجي وصلبوه عاريا بباب دمشق مدة اربع سنوات حتى جف جسده ثم تم حرقه بنفس السادية وحب التلذذ بالقتل.

وفي تصرف أخر ينم على ان الارهابيين الاوائل فعلا مرجع يعتمد عليه في الغواية الحديثة لدى الدواعش الجدد ، ما حدث للوليد بن عتبة بن ابي سفيان حيث اختير خليفة للمسلمين بعد قتل معاوية بن يزيد وطعن بالسيف صريعا وهو في جنازة هذا الاخير ولم يتمها. أو الاوامر التي أعطيت لجنود ابي العباس الخليفة الاول، بنبش قبور بنى أمية في “دمشق” فنبش قبر معاوية بن أبى سفيان فلم يجدوا فيه إلا خيطاً،  ونبش قبر يزيد بن معاوية فوجدوا فيه حطاماً كالرماد ، ونبش قبر عبدالملك فوجدوه صحيحاً لم يتلف منه إلا أرنبة أنفه ، فضربوه بالسياط وصلبوه وحرقوا جثته ثم ذروها في الريح هباء منثورا.

  انها اصول قديمة تحاول بعض القراءات الخاصة بالتراث طمسها وتجاهلها بتقديم الوجه الإيجابي فقط ، ورفض كل ما من شانه ان يجيب لنا عن اشكالات الحاضر المستعصية والتي أفرزت هذا الشذوذ من البشر القادر على التفجير والانتحار وأكل الانسان حيا . فالإرهاب لم يخلق من عدم او نزل من السماء بغتة، وانما هو نبتة لبذور قديمة سادت  بين اقوام  وصمدت كما تصمد كثير من الممارسات المشينة والحسنة الاخرى على حد سواء.  فاللذين قتلوا باسم الاسلام فعلوا، والذين قضوا نحبهم ايضا باسم الاسلام كان الامر، جميعهم ينطق الشهادتين، يصومون ويمشون في الاسواق. فلا عجب مما نراه الان من اقتتال المسلمين  فيما بينهم في سوريا والعراق وغيرها، فهو تجسيد فقط لما كان في الماضي بين ابناء الجلدة نفسها.



aid

  المؤكد لنا من خلال هذا النبش الخاطف في ماضي الحضارة الاسلامية ، هو ما يلي:

–         الارهاب ممارسة قديمة جدا ومتجذرة في عمق الحضارة الانسانية

–         العمليات الارهابية والانتحارية  في زمننا الحاضر هي امتداد لمثيلاتها في زمن غابر

–         الذين يتهمون الاسلام بتفريخ الارهاب ورعايته، لهم ما يبرر ادعاءهم  بالنظر الى ممارسات بعض قادته، وهو شذوذ في استنباط قاعدة السلوك السليم في الدين الاسلام

–         الارهاب اجابة عن أسئلة واشكالات في المجتمعات القديمة لم تقدر الانظمة  تقديم بدائل صحيحة لها، وهي نفسها في الحاضر رغم  تغير الوسائل والتقنيات

–         التفنن في الممارسة الارهابية ضرورة فرضها جهل النصوص الدينية الحقة ، ومحاكاة سلوكات مجانين الدين القدماء الذين يبيحون ويحرمون دون ضابط شرعي

–          الدواعش  مثال حقيقي لطرق التفكير السائدة في أنظمة حضارية سابقة

–          للقضاء على هذه الظواهر النشاز في المجتمع الحاضر يجب معرفة بواعثها واصولها القديمة

–         لابعاد تهمة الارهاب والداعشية عن الاسلام لا بد من الرجوع الى التراث وتصحيحه وتنقيته من الشوائب التي يتخذها البعض قاعدة وسندا.

–         الارهابيون الجدد مثل طرقهم في القتل، بشاعة السلوك يفرضها الاستعمال البشع لمناهج استخدام العقل والتفكير.

–          البغض الداخلي بين الجنس الواحد اشد فتكا من الخارجي، والشيء المقدس هو دائما الشيء المرغوب تدميره.

المصدر محمد بوطاهر – تنغير- 5 مارس 2016

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.