يعتمد كل مجتمع، كيفما كان مستوى سيرورة إعادة إنتاجه، على ميكانيزمات لتنظيم نفسه، وتجنب الفوضى، فالميكانيزمات التي يعتمدها طالما تخفف عنه عناء التفكير المستمر في حلول الوضعيات، التي تعترضه بشكل دائم، ونقصد بتلك الميكانيزمات العرف والعادات الاجتماعية، هذه الأخيرة تلعب دور النبراس الذي ينير مسلك كل فرد من أفراد المجتمع إنها موجههم ومرشدهم إلى ما يجب فعله، وما يجب تجنبه، وهي بطبعها متجذرة ومنغرسة فى ذاكرتهم، ترسخت عبر التنشئة وأصبحت هابتوسا يجري التعامل به تلقائيا وميكانيكيا.
يمكن معاينة العادات الاجتماعية في صنفين : صنف ينظم الحياة اليومية ويلازم الأفراد في جزئيات تواصلهم وتفاعلهم، وصنف لا يتبدى إلا في المناسبات، كمناسبات الزواج والمصاهرة حيث تبرز طقوس تظل محكومة بالرمزي والخفي، فالزواج طقس تعتريه الزامات رمزية تفرضها الثقافة والجماعة الاثنية قبل أن يكون اختيارا فرديا حرا.
فالزواج ليس فعلا طبيعيا تلقائيا محضا، وإنما فعل مؤسس كلحظة ثقافية بامتياز، يخضع لمنظومة من الإستراتجيات وهو فعل مدبر ومفكر فيه كما يقول المثل الشعبي ( زواج ليلة تدبير عام )، طقس الزواج هو لحظة لتبادل المصالح والبحث عن المنافع المشتركة، وضمان الاستمرار في العيش وفق الرهانات الاجتماعية التي لا تبتعد كثيرا عن أنماط الانتاج وتبادل الخيرات ولعب القوة، إنه طقس يفضح وبعمق العلاقات الاجتماعية، كيف تتم وكيف تنسج وكيف تنمو، فالمصاهرة وتبادل النساء لا تقف عند حدود تكوين أسرة وإنما تجعل من سقفها ضمان علاقة جيدة للجماعتين ، أو تقويتها، بمعني أن تخدم مآرب الأفراد دون أن تتعارض مع إرادة الجماعة الإثنية والثقافة المرجعية.
ويعد الزواج الداخلي المنحصر داخل جماعة إثنية واحدة أو بالأحرى داخل عائلة واحدة نوعا من الاحتكار الزواجي بين أبناء الأعمام أو الأخوال، والتي تضفي على نفسها من الخارج نوعا من الانغلاق الاجتماعي والثقافي، وهذا حال بعض الإثنيات بواحة فركلة، إن لم نقل كلها، إلا حالات قلائل تعد استثناءات خارجة عن المألوف وستنال جزاءاتها لأنها لم تمتثل للقواعد وتمردت على سلطة الثقافة، فالقوة التأثيرية للسلف على الخلف تبرز في الحرص الشديد على صيانة عادات الأجداد، كودائع ثمينة حيث يجب العمل بها جيلا بعد جيل، وتغييرها يظل بطيئا في مجتمع كمجتمع فركلة، حيث العلاقات والروابط يحركها الموروث الثقافي وعصبية الدم واللون والمجال، فالذاكرة التاريخية المحفوظة شفاهيا تفرض ثقلها على الأفراد لترسم ثمثلات عن الذات، وعن الآخر من قبيل (أولئك كانوا عبيدنا في الماضي، أولئك أحفاد اليهود، أولئك كانوا أعدائنا في الماضي، نحن أشرف نسبا من أولئك، نحن الذين صنعنا الأمجاد …).
وأخيرا فالزواج الداخلي ليس ميزة مجتمع فركلة لوحدها، وإنما نرى فيه وجها من أوجه الميز والعنصرية وتجليا من تجلياتها وذلك في استنكار الزواج الخارجي وازدرائه كفعل قد يسبب انحطاط القيمة والأنفة، لكن تبقي المسألة نسبية ومتفاوتة من إثنية لأخرى .
ذ. خديجة فضائل
ناشطة حقوقية وباحثة في علم الاجتماع
المصدر : https://tinghir.info/?p=1652