لا يختلف عاقلان على أن الإسلام دين اعتدال ووسطية ولا يتماشى قطعا وبأي حال من الأحوال مع أي مبدأ تمييز وتعصب أو تشدد وتحيز، وما تلك الظواهر القديمة العائدة أو تلك الخصال الذميمة السائدة التي بدأت تنتشر أو تعيد الانتشار بين صفوف شيبنا وشبابنا نساءنا ورجالنا وتهدد مدننا وقرانا كالنار في الهشيم لتنخر من جديد بلدان أمتنا العربية والإسلامية وتقتل ما تبقى لنا من مفاهيم وقيم،بأوجه وصور جديدة وتحت مسميات ونعوت متعددة تصب كلها في مصلحة الكراهية والتعصب أو العصبية سواء كانت سياسية ،مذهبية ،طائفية، فكرية،حزبية، طبقية،عرقية،قبائلية،رياضية وقس على ذلك من التصنيفات والمصطلحات المختلفة التي تسعى جاهدة لتمزيق وتفريق جسد المواطنة وتقطيع وتضييع روابط وأواصر ومكونات المجتمع وضربه في عمق أمنه واستقراره.
فبقدر ما تتعدد أوجه هذا التمييز والتعنت وتتكاثر تتنوع دوافعه وتختلف مسبباته،يمكن لنا أن نلخصها في عدة أشياء أهمها : ضعف الوازع الديني والحماية العقائدية إلى جانب سوء التربية الاجتماعية وتذمرها جراء التقصير والتخاذل وعدم تحمل المسؤولية التي من الواجب أن يتحملها ويسهر عليها كل من الآباء والمربين والمصلحين والخبراء والأساتذة وكوادرعلماء الدين والاجتماع واللائحة ما زالت طويلة… كذلك تدني مستوى التعليم الذي ينتج عنه التخلف الثقافي والمعرفي مما يسبب ضيقا في الأفق ويتسم بالاختناق والانغلاق الفكري إضافة إلى انتشار الجهل الذي يفضي في حسن الأحوال إلى تجاهل القوانين على اختلاف أنواعها بما في ذلك الرادع الديني والأحكام الشرعية.
ولا تتوقف الأسباب ولا الدوافع في هذا المقال على هذا الحد بل تشمل حتى المؤثرات المتنوعة والمتعددة التي أصبح لها تأثير وتحكم كبيران على الفرد وعلى محيطه الخارجي وحتى الأسري نقتصر فيها على سببين على سبيل الذكر لا الحصر:
السبب الأول : وسائل الصحافة والإعلام التي تدحرجت كرتها خارج ملعب المراقبة والتضييق والمقص وعرفت شيئا من التحرر والاستقلالية وهذا شيء جيد إلا أنه معرض لتبعات سلبية من اللانظام والتطفل والفوضى والخروج عن القانون والنص وغيره.
والسبب الثاني : هو سيطرة العالم الافتراضي على واقعنا المعاش الذي لا يعرف التوقف ولا التراجع مع تسارع التكنولوجيا الجديدة المهيمنة على شعوبنا ودولنا والمنافسة الحاسمة بين عمالقة هذه التقنيات العظيمة التي فتحت على الجميع أبوابا يعلم الله مخلفاتها وأضرارها وما تخبؤه للأجيال القادمة من أخطار وكوارث كون المفاسد تفوق المحاسن ومرارة سلبياتها الخطيرة تفقد المتبحر طعم الإيجابيات والفائدة المرجوة منها.
فالتمييز في حد ذاته لا ينحصر فقط فيانحياز فرد أو جماعة بدون وعي ودراية لمبدأ أو فكر أو رأي خاص أو التشبث الأعمى لمذهب أو حزب أو شخصية أو نادي معيّن فقط الذي ينتج عنه التمييز الديني والطائفي والطبقي والقبائلي والجنسي وكذا العنصري والعرقي،بل يتجاوز كل ذلك السقف وينعت بنعوت ويوصف بأوصاف أقل ما يقال عنها أنها تكون مبنية على فرضيات خاطئة وأساسات واهية وترتكز على معايير ومفاهيم غير صحيحة وموضوعية وتنفذ من منابع التطرف والاندفاع وصولا إلى المبالغة في التشدد الذي يؤدي بدوره إلى هذا التمييز والتعصب فيتحرك حينها الطرف بروح العصبية والتمرد على كل شيء متنفسا بنفَس التطرف والتعارض في جميع المواقف والرؤى والتصورات المطروحة.
وهذا ما يخلق في الشخصية التمييزية سمة الإصرار والإنكار طيلة أي منافسة شريفة أو نقد بناء والتعمد على عدم تقبل أي رأي في أي حوار أو في أقل نقاش،مما يجعله يتقوقع في ضيق عالمه الدفين ولا يصدق إلا أحاسيس تخميناته ونبضات جهله المثين مردّدا على لسانه فقط ما يعجبه ويرتاح له ويحلو له سماعه . فيعمد إلى التحدث بكل ما يسمع ويصدق كل ما يروى ويتلون بألوان تروقه وتتماشى مع عقليته ولا يقدم ما يفيد متتبعه أو يقنع جليسه أو يريح خصمه. وهذا في اعتقادي ما يعطي لغيره الانطباع وللوهلة الأولى بتدني فهمه وتزمّته والتتبث على أنه أناني وعنيد وذو شخصية فاشلة ، أحادي النظرة وعديم الفهم ،قليل الموضوعية والتفاهم يوحي عن تدني مستوى نضجه العقلي وضعفه التربوي والثقافي.
وهذه العقلية الشاذة والتفكير التمييزي تجعل منه ذلك الخصم الجامد المتحجر الذي لا يقتنع بدليل ولا يتشبع بحجة ولا ببيّنة ويرفض على إثرها وبموجبها الطرف الإنساني في الآخر إذ لا يتقبل روابط التواصل ولا يرض بأواصر التعايش ويرفض كليا التوافق والتفاهم مع من كان يكرهه ويعتبره لا غيا فلا يصغ إليه ولا يستحسنه حتى يتوافق مع فكره وينسجم مع حساباته وميولاته،مما يدفعه في غالب الأحيان إلى الانصياع إلى وثيرة العنف والأنفة وتقمص رداء الرفض وعدم قبول الاختلاف والانفتاح وهذا ما يجعل منه المدافع القوي المتمكن من تشدده والمهاجم الشرس على نصرة حاشيته وعصبته وكل من يشاطره الرأي أو يسير على نهجه أو خصما لمن يعاديه لا يهمه في ذلك إن كان الفعل صوابا أو خطئا أو هم ظلمة أو مظلومين.
فإن كانت ظاهرة التمييز تتعارض كليا مع مبدأ التفاهم والتسامح فأوصاف التحجر والانغلاق هي بدورها لا تتقبل أي اختلاف أو مجرد انفتاح،فترى التمييزي المتعصب يهوى لباس العظمة والفخر ويتعالى بتاج الأنانية والكبرياء ،فيمجد دائما فلسفة معينة أو فكرا أو منهجا ومعتقدا مغايرا يصنع منه مبدءا مشرفا يذود عنه أو تمثالا مقدسا يدافع عنه سواء كان لبشر أو لمجرد حجر يغير عليه إلى درجة الربوبية والألوهية والعياذ بالله . أو ينساق بمحض إرادته ليبرز اسمه وتشتهر شخصيته ويعظم من شأنه ويثير الأضواء من حوله يلهث وراء الميولات الإلحادية المضللة المزعزعة بسبب جفافه الروحاني وضعف وازعه الديني وتناقض المفاهيم وقلة الحماية العقائدية وعدم التحكم في قدرة التمييز بين الموروث والجديد والهوية والتغيير للمجهول. أو الانجرار وراء الأفكار والمبادئ المتطرفة المتشددة على اختلافها وتنوع منابعها سواء التي تنشأ في أجواء متعصبة مغلقة تحت المظلات الدولية أو تلك التي تنضج في سراديب الظلام والقهر والظلم داخل الأوكار السرية الساعية إلى تغيير مفاهيم وضرب قيم تحت رايات ومسميات وعناوين شتى دخيلة على الثقافة والهوية والمعتقدات والمسلمات الخاصة بأي بلد، أو سواء لفرض مبدأ الترهيب والتخويف أو التغييب والتكفير أو محاولة التضييق وخنق الأنفس وتركيع الشعوب والأمم لإخضاعها لواقع ونمط واحد لا يتقبل التلون ولا يخرج عن التنوع أو الاختلاف الذي أراده الله سبحانه وتعالى نعمة للشعوب ورحمة بالأمم إذ قال الله جل جلاله في سورة (الحجرات الآية 13): {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} صدق الله العظيم.
الإسلام حرم التمييز بشتى أنواعه وأشكاله وجرّم مختلف نماذجه وصوره وأيّا كان شعاره ومسمياته وذلك بنصوص قرآنية وأحاديث شريفة وقواعد ومناهج فقهية وشرعية واضحة لا غبار عليها باعتبار التمييز والتحيّز سلوك مذموم من الجاهلية يسعى إلى مفهوم القبلية والعنصرية والشتات والتفرقة،وفي ذلك قال الله عز وجل في محكم قرآنه في سورة الأنعام الآية 159: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ،وردد كذلك في سورة (البقرة الآية 143) إذ يقول وهو خير من قائل:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ..} وحذر ونهى في سورة (المائدة الآية 77):{قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ..} كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا السياق أنه قال: “لا تشددوا على أنفسكم فيُشَدَّد عليكم، فإن قومًا شددوا على أنفسهم، فشُدِّد عليهم”وقال كذلك في حديث صحيح آخر:”ليس منّا من دعا إلى عصبية، أو من قاتل من أجل عصبية، أو من مات من أجل عصبية”،وهنا وتحت تسمية هذه العصبية والتمييز يدخل كل الأفراد والفرق والجماعات والتيارات أو المنظمات والمؤسسات والدول التي تزرع نار التمييز والخلاف والخلل وتنشر قنابل النزاع والجدال والفتن لتعبث بأمن الشعوب وتقتل فيهم روح الطمأنة والسلام وتميت في نفوسهم وحدة الصف وحب التعايش وتثير الأحقاد والضغائن والشنآن ، وتحرك آليات الخلاف والتقسيم وتشعل نار الفوضى والفتن قصد التناحر والتنافر والخراب والدمار وقتل ما بقي في الإنسان بزعزعة استقرار الأوطان وضرب الأمن والأمان.
فالتشدد والتمييز والتعصب في أي جهة كانت سواء سياسية أو ثقافية أو علمية أو دينية فهي تعتبر سلوكا جاهليا تخريبا للصف وفسادا في الأرض وخروجا من دائرة اتزان العقل إلى سقطات الغرائز المريضة المنفلتة، تكون وراءها دوافع شخصية أو نابغة من المحيط الأسري أو الخارجي أو المؤثرات السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية وغيرها…إذ يتصرف المرء بلا فكر ولا تعقل بعيدا عن التعامل الإنساني المرن والمعايير الدينية التي تحافظ على توازنه الأخلاقي والمعاملاتي .كما تقلل ظاهرة التمييز من فرص التفاهم والتلاحم وتذكي النزاعات وتمزق النسيج الاجتماعي وتوسع رقعة الخلاف والشقاق وتزيد من حدة التوتر والقلق مما يخلف ركودا جوهريا في النتائج وبالتالي يعيق سبل النمو والتقدم بالوطن. وعلى هذا الأساس منعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من التمييز والعصبية قائلا: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه» ..
فالإسلام نبذ التمييز واعتبره فهما خاطئا للمبادئ والمفاهيم والقيم الإنسانية وجمودا فكريا يميل بصاحبه إلى العنف لتمرير فكرته كما يتمسك بالباطل رافضا الحوار ومستعملا سلاح التسلط وعدم الموضوعية وعدم التعامل بأخلاقيات الخطاب والتحاور،رافضا بذلك أيوجهة نظر مخالفة لأطروحته في أي نقاش. مما يبرز من تعامله تزمتا ينطوي على التصغير والاحتقار وصولا إلى المس بإنسانية الخصم أو عدم الاعتراف بحقوقه علما أن عين المتميز لا ترى الواقع على حقيقته بل ترى فقط ما تود رؤيته ولو كان خاطئا.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه خير دليل في اختلافهم وقبول الرأي والرأي الآخر دون تمييز أو عناد أو تعصب ولا أحد تمسك برأيه ورفض وكفر سواه وهذه هي سماحة الإسلام وقوة شعلة الإيمان التي بنى عليها الإمــام الشافعي– رحمة الله عليه حين قال: «رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب»،
يمكن علاج ظاهرة التمييز بالتنشئة الاجتماعية الصحيحة منذ الصغر بالتركيز على مبادئ التسامح ونبذ التمييز والتعصب ومنع كل ما يشوب العلاقات الإنسانية من كراهية وعنصرية وحقد وعلوّ،إذ تفشى هذا الوباء القاتل في كل مناحي الحياة حتى وصل الغلو والتشدد إلى المدارس والجامعات والمراكز الثقافية وقاعات الأحزاب السياسية وغزى النوادي الرياضية وأصبح له وجود في كل التظاهرات والتجمعات والمباريات والملاعب وأماكن اللقاء والتجمهر.
علينا جميعا أن نكون حذرين من هذا التلوث الأخلاقي ومن هذا الفيروس الفتاك الذي لا ينفع معه دفع أو تعقيم بقدر ما هو بحاجة إلى العودة للبحث في جذور الداء وفهم مسبباته حتى يسهل التوصل إلى الدواء وآنذاك تنفع معه الجرعات وينجح العلاج. وبما أن الظاهرة أخلاقية فعلينا التداوي بجرعات إصلاح سلوك الشباب وحبوب حماية عقولهم من كل أفكار شاذة غير سوية أو فاسدة مع فحص وتقويم كل اعوجاج أو تفكك أو انحراف ممكن أن يؤدي إلى إثارة النعرات والفتن ونشر الفوضى والانقسام .معرفة مسببات تلف توابث التربية الصحيحة ومنبهات الانفصام والتفكك الاجتماعي أو كل ما يساعد على تسهيل ارتكاب المحرمات والممنوعات المجتمعية وما يرافقها من تسيّب وعصيان وخروج عن القانون والعادات والقيم والإقدام على الممنوع انتقاما من النفس أحيانا ومن المجتمع في أغلب الأحيان.
كما يجب علينا أن نتعرف على المهيجات السمعية والمرئية والهجومات المركزة باتجاه الشباب سواء كانت افتراضية تبث على الشبكة العنكبوتية أو كانت تمرر عبر جمعيات ومنظمات وأندية وغيرها أو عبر الإعلام المضلل والأقلام المسمومة المدفوعة الثمن التي يجب التصدي لها والوقوف في وجهها بكل صرامة وحنكة لاحتواء ومنع استمرارية انبعاث سمومها في جسم وعقل الشباب اليافع الذي يجري وراء تجربة الجديد والغوص في المستحيل خاصة إن لم يجد في الأسرة وفي المجتمع ذلك البديل.
علينا تعميم نشر ثقافة التعاطف والتلاطف ومفاهيم تقبل التقارب في الأفكار حين الاختلاف والاعتراف بالخطأ والإنصات للرأي المغاير بغية الاستفادة من خبرات ومعارف وقدرات الآخرين ،وتعريف أهمية تقوية القدرات الشخصية بالانصات والاستماع وتسهيل ظروف الحوار والنقاش وتقبل النقد البناء الذي ييسر بناء التعايش السلمي والتعاون المتبادل والفهم السليم لكل المسلمات الفكرية الثقافية والمعتقدات الدينية والتصدي بحزم لكل الفتن والمروّجات التي تسعى إلى ضرب المعتقد والهوية والأمن والاستقرار والمس برموز الدولة وبأجهزتها الأمنية ومقوماتها كون حب الأوطان من الإيمان.
علينا التصدي لكل الاشاعات والادعاءات والأقوال والأفعال المشينة التي تخرج عن عباءة انتماءاتنا الوطنية وخصوصيتنا كأمة إسلامية وعربية ومحاربتها أو إلى إصلاحها والعمل على القضاء عليها دون الالتفات لا إلى عصبية العرقيات والجنس واللون والتقسيمات الجغرافية ، ولا إلى معاداة المذاهب أو الطوائف أو الأحزاب أو الجماعات والمرجعيات والتوجهات الفكرية وثقافات الأشخاص لأن كل هذه المصطلحات تبقى المكون الأساسي للتعايش والمحبة والإخاء الذي يسير به أي مجتمع كما سارت عليه الأمم السابقة على مدى التاريخ.
علينا الالتفات إلى العدالة الاجتماعية وذلك بتقرير المساواة بين الأشخاص بدون امتيازات طبقية أو نفوذ سلطوية تضر بالمعاملات والعلاقات الإنسانية بعيدا عن أسس التفاضل والتميز إلا من تقوى وعمل صالح للتشجيع على الأخلاق الحميدة والعمل الصالح،أو تنافس شريف بالاعتماد على القدرات والشواهد العلمية والمؤهلات ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب حتى نقضي بتاتا على الرشوة والمحسوبية والزبونية.
علينا إلغاء كل مظاهر تلوث العقيدة والمساس بقدسية الدين كالشرك والشعوذة وتقديس التقاليد والأعراف البالية الضاربة في القدموالتي سبق أن حاربها الإسلام وأنكرها لتعود اليوم من جديد وأحيانا تلتصق وتحسب على الدين وهو بريء كل البراءة من تلك الأعمال والأقوال،كما وضع أسساً قوية وأقام دعائم متينة تتجلى في هدم التمييز والعصبية بكل أنواعها والنهي عن التحزب ومنع التمييز العنصري وتحريم التفاخر لا بالحسب ولا بالنسب ، باعتبار المحافظة على النسب والحسب فضيلة ونعمة وشكر وليس تفاضلا وتفاخرا وتعاليا وتكبرا على الغير أو مصطلحا للتمييز بين الطوائف الأخرى من بقية المجتمع كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} فالله جل جلاله استعمل مصطلح (لتعارفوا) وليس لتفاخروا وتعاظموا وتتميّزوا. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس السياق: ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلا فَخْرَ) وفي حديث آخر: “إن الله أوحى عليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغى أحد على أحد”.
فالنعرات والنزعات والعصبيات العرقية والطائفية والقبلية والردة الفكرية والعقائدية خطرا كبيرا على وحدة أي مجتمع ، وعلى مكتسباته الحضارية واستغلال هذه المفاهيم التلوثية يدمر الشعوب والأمم ويولّد الاضطهاد والازدراء لكل الأفراد أو كل الفئات المجتمعية الأخرى كما تبقى أساس أي شرارة بيد المفسدين والمخربين وأعداء الوطن والأمة سلاحا مؤقتا للرفع من وثيرة الانقسام والتشتت لتفتيت المجتمع وتدمره في أي وقت وحين لذا أوجب الحذر وبعد النظر لحماية الوطن وسد الثغرات وثقوب الفتن لتفادي أي تعثر أو انزلاق حيث الهاوية ومكمن العلة والضرر.
المصدر : https://tinghir.info/?p=16148