تعرف الحرية في بلدان العالم العربي تضييقا كبيرا، وخاصة حرية التعبير التي تكون دائما من الأسباب الرئيسية للاعتقالات السياسية، سواء في صفوف السياسيين أو الصحافيين أو الجماعات أو الآراء الحرة…، أما الحرية الاقتصادية و التعليم فحدث ولا حرج، حيث أصبح الاقتصاد و التعليم من حق الطبقة الحاكمة فقط، أما الشعوب فلا حظ لها إلا الفتات، المغرب من بين البلدان العربية الأكثر اعتمادا للقمع في كل المجالات وعلى جميع المستويات، الاعتقالات السياسية فيه بالجملة، الاستحواذ على ثروات البلد يعرف استبدادا و احتكارا كبيرا تشمئز له العقول و كل ما في الإنسان من جوارح وأحاسيس، ناهيك عن التعليم الذي يحتل المراتب الدنيا في السلم الدولي.
كيف يتعامل المخزن مع الحريات وخاصة الرأي أو حرية التعبير كما يصطلح عليها؟
ما مدى احتكار المخزن للاقتصاد و الأوراش الكبرى بالبلد؟
تعامل الدولة مع قطاع التعليم و خاصة رجاله في الآونة الأخيرة يعرفا توترا كبيرا، فهل يمكن لطريقة تعاطي الدولة مع هذه القضية أن تؤثر على مستقبل التعليم، وحتى في الوسط الاجتماعي؟
1__ حرية الرأي:
بُصمت في تاريخ المغرب، سنين لن يستطيع الزمن طيها، ولا التعتيم الإعلامي أن ينسيها و يمحوها من ذاكرة الشعب، سميت بسنوات الجمر و الرصاص، أيام أفقير و البصري… الذي كان الفرد من هذا المجتمع المكلوم يخاف حتى من الجدران، وكان مجرد ما تنطق بكلمة تحول على السياسة تعذب و تسجن، الأسماء التي ذكرت آنفا ليست إلا مجرد أداة في يد المخزن يلوح بها أينما و حيثما اشتهت غريزته، يعتقد الكثير من الناس أن ذلك العهد قد تمت معه القطيعة النهائية، هذه الفكرة أو هذا الاعتقاد خاطئ لا أساس له من الصحة، قمع الآراء الحرة لا يزال ساري المفعول، فالأساس الذي بنيت عليه الدولة لازال قائما و الإستراتيجية هي نفسها لكن غيرة طريقة التعاطي لها و التعامل مع من هو معارض للدولة بطريقة أدكا من السابق، إن كان المغرب كما يُتبجح به في المنتديات الدولية من طرف أبواق المخزن المتمثلة في الإعلام أولا والحكومة … إلخ، أنه بلد الحريات فلماذا يوجد في سجون هذا البلد معتقلون سياسيون، ولعل المتتبع للواقع السياسي المغربي و الوضع الراهن له، سيرى ما جرى لعبد الرحمان الذي اعتقل بسبب أنه فضح الفساد و أظهر جزءا من حقيقة المفسدين، من خلال تسجيل مصور له أبان فيه الغش في الطرقات (المعبدة)، في عوض أن يُمسك المفسد، اعتُقل من غار على بلده من الظلم الذي يمارسُ عليها، وما هذا إلا مثال صغير جدا عن الخروقات التي تسجل بالجملة في هذا المجال، هل تساءلت ولو لمرة ما طبيعة البرامج و الأخبار التي تمرر للشعب في إعلام بلاطي بامتياز؟ انحلال خلقي يُدس في عقول الشعب عن طريق أفلام تبت على قنواته، آراء سياسية تسمم تفكير الشعب، هل المغرب بلد المهرجانات فقط أين هي الآراء التي تقول لا لهذا القمع لا للتربية على الولاء و الطاعة لمن لا تستوجب له؟ المعارضة في البرلمان تؤدي مسرحية شعبوية، لا تفيدنا في شيء لها خطوط كهربائية إن تجاوزتها صعقة، وهي راضية على هذا الوضع، كيف لا وهي من صنع المخزن، ترعرعت في مظلته مثل الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي استغل كما تستغل باقي الأحزاب اليوم، فهذا هو واقع حرية الرأي في هذا البلد، لا أحد له الصلاحية في قول لا، قلها في حدودك إن تجاوزتها فستحرق ورقتك كما حرقة سابقتها، نرجع قليلا إلى الوراء لنسلط الضوء على قضية من قضايا حرية التعبير التي منعت ولازالت تمنع، بتاريخ 18 يناير 2007 أقيل أبوبكر الجامعي صاحب الصحيفة الأسبوعية Journal hebdomadaire من منصبه، كما صدر في حقه و حق الصحفي فهد العراقي حكم بدفع مبلغ مالي قدره 3 ملايين درهم، السبب حسب منظمة مراسلون بلا حدود: نشر ملف يشكك في موضوعية الدراسات التي أنجزها مركز غامض ببلجيكا عن جبهة البوليزاريو، الحركة الانفصالية الصحراوية
2__ الحرية الاقتصادية:
المغرب بلد يضم ثروات ضخمة، تتمثل في الفوسفات الصيد البحري الفلاحة…، لكن السؤال المطروح أين تذهب كل هذه الخيرات؟ وهل للشعب نصيب منها؟ عندما نبحث في الاقتصاد المغربي نجده كذالك يخضع للتضييق و القمع، حيث أن الأوراش الكبرى في البلد كلها بيد المخزن، الأراضي الفلاحية السقوية الكبيرة المهمة كلها تحت جناحه، الشركات العقارية الكبرى المراكز التجارية الموانئ…،نضرب مثلا على هذا الاحتكار بمجموعة (أونا) المخزنية، التي تمتلك حصة 62%من شركة centrale laitiére التي تنتج الحليب المصنع ومشتقاته، كما ينطبق نفس الأمر على لوسيور كريستال المحتكرة لقطاع الزيوت، وشركة بيمو للبسكويت، والمراكز التجارية المعروفة مرجان و أسيما، وبعض فروع هذه المجموعة يمتلك الاحتكار المطلق على السوق، مثلا: cosumar في مجال صناعة السكر و sopriam الموزع لعربات بيجو و سيتروين في المغرب، من ناحية هناك قمع للشعب حيث أن كل هذه الخيرات لا يرى منها شيئا، ومن جهة أخرى هناك قمع للسوق من طرف هذه المجموعة، إذا أرادة أي شركة أن تنافسها سواء كانت دولية تستثمر في المغرب أو وطنية فإن مآلها هو إسقاط و عدم استيراد متوجاتها من طرف المراكز التجارية، كما وقع لشركة صافولا السعودية، لما نافسة الشركة المخزنية لوسيور بنجاح إلى غاية 2010. أنشأ فرع هذه الشركة بالمغرب في سنة 2004، بعد سنة كانت المفاجئة أن فاقت نتائج صافولا كل التوقعات، مما أدى إلى تراجع النسبة التي كانت تحتكرها لوسيور في السوق المغربي إلى 10% ، كانت غضبة مجموعة (أونا) قاسية حيث وجهت الضربة لصافولا من خلال توقيف مرجان و أسيما التابعين لها عن اقتناء زيوت صافولا.
كما أجبرت القنوات التجارية المستقلة كالمتاجر، على عدم التعامل معها، عن طريق تهديد أونا لهم بتوقيف إمدادهم بالسكر و الحليب و منتجاته، لأنهما تابعين لشركتين من مجموعتها، بقي الوضع على هذا الحال، حتى يئس السعوديون , أعلنوا عن إرادتهم في بيع شركة صافولا، لم يجرأ أحد على التقدم لهذا العرض إلا مجموعة (أونا) الذي كان ما وصلت إليه الشركة السعودية من مخططاتها القمعية فاشترت الشركة و أضافتها إلى مجموعتها. هذا ليس إلا مثالا صغيرا جدا عن القمع الاقتصادي و الاحتكار الغير القانوني و التقسيم الغير العادل لخيرات هذا البلد.
3__ حرية التعليم:
يبدوا جليا أن عقارب الإصلاح في وزارة بلمختار قد تعطلت،فكل المؤشرات تدل على أن الهوة تزداد اتساعا، حتى هذه الحرية و أبسط حق للإنسان قمع فيه، من لديهم الحق في هذا البلد في تحصيل علمي جيد في ظروف جيدة، هم أبنا الطبقة الحاكمة و البرجوازية، للأسف لازلنا نعيش في مع أناس تتحكم فيهم عقلية الطبقية، لن نناقش في هذه النقطة حصيلة التعليم أو ظروفه، بل سنتطرق إلى القضية الشائكة في الساحة المغربية الآن وهي قضية الأساتذة المتدربين، أليست لهم الحرية في أن يقولوا لا لمرسومان سيفسدان التعليم من أساسه؟ و أساسه هم رجاله، كما أن للجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، فحتى التعليم له مضغته يصلح بصلاحها ويفسُد بفسادها، أصدرت الدولة مرسومان مشئومان، قامت بتنزيل قرارهما عن طريق حكومة لا تملك شيئا من القرار، وهما تحت رقمان 588-15-2 و589-15-2 اللذان سيتم بموجبهما تقليص منحة الأساتذة المتدربين من 2450 إلى 1200 درهم
وسيتم أيضا إلغاء التوظيف المباشر بعد التخرج من مراكز التكوين الجهوية لمهن التربية و التكوين، حيث سيتم فقط منح شهادة للذين ولجو المراكز الجهوية في انتظار صدور مذكرة التوظيف في سلك التعليم.
عبر الأساتذة عن رفضهم لهذا القرار باحتجاجات سلمية، لكن الطرف القمعي لا يعرف حتى معنى كلمة سلم، فكيف أن يرد بالسلم، اغتنم الفرصة ومارس هوايته المفضلة، القمع و تكسير الجماجم، فهل هذه هي حرية اختيار الأساس الذي يجب أن يبنى عليه التعليم، فعندما تهان كرامة الأستاذ اعلم بأن آخر ما كان باقيا من التعليم فقد هدم، يحتل المغرب الدرجة 126 من أصل 177 دولة في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة برسم 2007 و 2008، ونسب الهدر المدرسي ما زالت مرتفعة، فأزيد من 400 ألف تلميذ يغادرون أقسام الدراسة سنويا، كما نجد مليونين ونصف المليون طفل خارج الزمن المدرسي. ونسبة الأمية ما زالت تهم %38 من الأطفال في سن العاشرة فما فوق منذ أزيد من خمسين سنة و البلد يعرف انحطاطا في هذا المجال، لماذا؟ جاءوا ببرنامج استعجالي يزعمون أنه للإصلاح لكن الظرفية الراهنة أثبتت على فشله.
كما أن تعاطي الدولة مع قضية الأساتذة المتدربين، زاد من حدة الوضع حيث أصبحت القضية تعرف تعاطفا من طرف كل مكونات و شرائح الشعب المغربي و كذا المنضمات الحقوقية الدولية، كما أنها حركة جزءا من الغضب المكنون في صدر الشعب، مما زاد الشارع المغربي اشتعالا.
4__ الخاتمة:
الوضع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي…داخل المغرب، يعرف احتقانا شعبيا كبيرا، وهذا جاء نتيجة تراكمات كبيرة ما نلاحظه في البلدان العربية من حراك، كان سببه قمع الحريات النهج الذي لا زالت الدولة المغربية تسير عليه، عجبا لها لم تتعظ حيث ضنت أنه بمنح دستور جديد الذي لم يجدد فيه إلا الكلام و العبارات أما المضمون فلا يزال قارا، ستمتص و ستلتوي على مطالب الشعب إن تحقق هذا في فترة معينة امتدت لخمس سنوات، هل من ضامن على متداده بعد الآن؟هل أصبح المخزن كفيفا و أصم لا يرى ولا يسمع ما يقع في الشارع؟ لكن هناك موجة أخرى اشد قوة من سابقاتها، وهذا حسب مجموعة من النخب السياسية تؤكد على أنه سيأتي غضب شعبي أقوى ولا يمكن حبسه إلا بالتغيير الجدري لكل مؤسسات الدولة، و التقسيم العادل لخيرات هذا البلد على أهله، وإطلاق صراح الحرية التي لاتزال مسجونة لعقود من الزمن إن لم نقل قرون.
المصدر : https://tinghir.info/?p=15910