كلما تأملنا جيدا من أعالي هذه الجبال، أو النُّصب التذكارية، إلا وتتضح الصورة بشكل مجهري. لا يستدعي ذلك حمل القنديل كما فعل ديوجين، حينما كان باحثا عن الحقيقة.
إننا نرى المدرسة في الأسفل، قد تحولت إلى محطة للاستراحة، لأن التلميذ يعيش حياةَ مسافات، أي دون وسائل نقل؛ فهو يتنقل مشيا إلى المدرسة لكيلومترات عديدة، ليكون هذا المكان المٌعَدّ للتحصيل العلمي، غير صالح إلا لأخذ الأنفاس وأكل القليل من الخبز والزيت كتغذية متوازنة، استعدادا بعد الاستراحة للرجوع إلى المنزل، للخلود إلى النوم، نظرا لمشقة الطريق. ذلك استعدادا لغد آخر، لاستكمال “الترحال المدرسي”. وإذا افترضنا أنه سمع شيئا من الدرس بأذنيه المقروستين من شدة البرودة، فإن المدرسة لا تعلمه إلا ما لا علاقة له بمحيطه، فتكون قد مارست وتمارس عليه “القمع الرمزي والقطيعة الجذرية مع هويته العميقة”.
إن التلميذ جسدا وعقلا، يموت موتا بطيئا، يوما بعد يوم، “كأن وصية تاريخية تطارده وتطاردنا في صاغرو مند عقود”، وأقسمت برب عرشها، أنها ستبقينا في قبضة اللامسوؤلين المسترزقين، اللذين لا غيرة لهم على أرضهم وشرفهم وحتى على آبائهم المقاومين، واللذين لا تهمهم إلا مصالحهم وخزعبلاتهم المريضة. إنهم أناس مقنّعون والطفيليات تنخر أجسادهم دون وعي أو بوعي من ذلك. إن التلميذ الأمازيغي بصاغرو، يحيا حياة رحْلية في مدرسته، بدءا من السلك الابتدائي إلى الجامعي. إنها فعلا حياة معقدة أريد بها باطل، بغية “تكليخه وتخويفه”، ليكون تابعا لغيره وخاضعا لإيديولوجية المخزن المغربي التي ترنو إلى دفن إنسانية إنساننا. وهذا ما جعلنا، بعد تأملنا في هذا الواقع المعقد، نطرح مجموعة من الإشكاليات من قبيل:
هل الديمقراطية هي أن يعيش أبناؤنا بالعدس واللوبيا، في الوقت الذي يُنهب فيه الذهب والفضة؟ هل المساواة هي أن يزيد الغني غنىً ويموت الفقير فقرًا؟ لنتأمل، لماذا لا يُعامل المواطن بعد الانتخابات كما يعامل قبلها؟ لماذا أبناء المقاومين -الغير المعترف بهم- يعيشون في ذل وهم صامتون؟ هل هذا دَيْن تاريخي يتم استرجاعه من طرف المخزن المغربي؟
من أعالي جبال صاغرو، نطل على “معتصم أَلْبّانْ”، موقع المناضلات والمناضلين اللذين رفعوا أصواتهم عاليا ليسمعها العالم. إنها صرخة لابد أن تسجل في السجلات، ولابد أن تدعم بأصوات أخرى، ليكون نضال صاغرو والجنوب الشرقي واحدا، لأن الأمر يهم الجميع. إنه اعتصام تاريخي علمنا أن طالب الحق يُعاقَبُ والساكت عنه يُسْتَعْبَدُ في دولة الحق والقانون النظريين. إنها ممارسات يعلم ممارسوها أنها لا تمت للكرامة والحرية الإنسانيتين بصلة، واللتين تلقيناهما من جبال صاغرو، كجزء لا يتجزأ من تمازغا المستلبة، والتي ترعرعنا بها وتعلمنا بها قيم التشبث بالأرض والكرامة ولو اقتضى ذلك الدماء.
إننا من شدة علو هذه القمم السوداء الذهبية-الفضية، نرى سياسةً تشبه تلك التي نهجتها فرنسا، حيث قام المخزن المغربي بتشتيت الوعي الاقتصادي والسياسي، إلى درجة أصبح فيها اسم قبيلة ينعت باسم حزب لا يغني ولا يسمن من فقر. إنها سياسة جعلتنا نلتقي ونلتف حول رقصة أحيدوس، دون (الاكتراث) للأمور الاقتصادية والسياسية، التي لابد (لها) أن تكون لنكون. لقد تأملنا أنه لا شيء سينفعنا إن لم نكن واعين بماضينا، لأنه مفتاح لفهم حاضرنا الملوث بإيديولوجيات باردة، تسعى إلى قتل الإنسان الذي بداخلنا، وتجعل أجسادنا ملك للآخر الذي سيستخدمها لحرث عقولنا المسلوبة منا.
بقلم الشهيد عمر خالق، بتاريخ: 10 أكتوبر 2014.
المصدر : https://tinghir.info/?p=15728