كلما ضج بمغربنا الحبيب حادث أو تجاوز أو ملف فساد واختلاس مال عام أو حراك يروم التأسيس لديمقراطية حقيقية ، وارتفعت الأصوات الجادة المسؤولة للمطالبة بالمحاسبة وإعمال المقتضيات وترتيب المسؤوليات والجزاءات ، بما ينسجم مع الشعارات المرفوعة ودولة الحق والقانون التي نرومها جميعا ، إلا و تخرج جهات و “ماكينات” إعلامية مجهزة معدة بعناية ، لتوزيع نظرية المؤامرة ، والحديث عن وجود رؤوس فتنة ن وأيادي تريد إشعال النار، في وطن يغلي بما هو اختلالات وخروقات بجميع المجالات وفي كل القطاعات .
استجد هذا مع جريمة الخميس الأسود ، والذي شجت فيه رؤوس أساتذة متدربين بالمغرب ، وملأت دماءهم الشوارع بالعديد من المدن ، وتوزعت صورهم وفيديوهاتهم الموثقة ، على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع والجرائد المغربية الوطنية والإذاعات والقنوات الدولية والعربية .
إشعال الفتنة أو النار ، ما صحة هذا الكلام ؟ ومن الذي يريد فعلا العبث واللعب وينهب ثروات الوطن ليل نهار ، ويعرض البلد للكوارث والعنف بالمغرب ، نجاه الله من عبث “الصبيان” وأحلام أصحاب الثورة “الحمراء” ؟
أعتقد حسب رأيي وباستقراء للأحداث ومتابعة المعطيات ، لن يشعل فتيل موجة عارمة قادمة أحد إلا ممارسات لازالت مستمرة وفساد واستبداد يستشري ، وملفات تكشف ، دون أن تجد طريقها للحل ،”قوم” يختلسون الملايير يوميا ، وترحل الأموال إلى سويسرا ، وحكومة قيلت أنها بصلاحيات أوسع فإذا هي موظفة عند القصر ، تتجرع الخيبات والويلات وتسحب منها الملفات ، آخر هذه الأعطيات بأوامر عليا وتعليمات ، “صندوق العالم القروي للسيد أخنوش ، ومشروع الطاقة للسيد الباكوري ” ، حكومة على صدق رجالاتها وحسن نواياهم وجديتهم في إرادة ما سموهم الإصلاح من الداخل ، وأعني حزب العدالة والتنمية بما ثبت عنه بالوقائع والمعلومة المضبوطة نظافة يده ونقاء سريرته وإخلاصه في العمل وخدمته للصالح العام ، لم تجد مما رفعته إلا الخواء والهواء ، حين تحركت قوى التحكم في اتجاه كبحها ، وأمام رئيس حكومة ، كان حرصه الكامل ولازال ، أن يرضي القصر ويرسل بريد الانسجام مع السلطة بمنطق التكامل والطاعة والتماهي والتنازل تلو الآخر ، عله يجد الآذان الصاغية ويطوي مرحلة قيل أنها بنيت على الصراع ، لكن دون جدوى ، فالأمور مازادت إلا فداحة وتسلطا .
أليس من جرد حكومة سياسية من صلاحياتها وجعلها أضحوكة ، هو من يغامر بوطن بأكمله لسلطة لا تريد أن تتخلى عن القرار لصالح قوى وطنية منتخبة تسمح للشارع والشعب أن يحاسبها بمقابل غموض ومساحات بيضاء مستمرة لجهات خارج الدستور ؟
أليس من يحتكر القرار السياسي بالمغرب بعيدا عن صناديق الاقتراع ويفوت الإنجازات والحسنات إلى مؤسسات خارج القانون ، هو من يضرم النار في الهشيم ؟
الشعب قال كلمته في 20 فبراير، وتغيرت موازين القوى حين تخلى الناس عن فكرة “الأحزاب الثمانية” ، وتم التنازل على مضض والسماح بصعود الإسلاميين فيما اعتبره كثيرون لحظة تبريد أجواء إلى أن تمر العاصفة ، ودخلوا للمشاركة في التسيير والتدبير على نسبية ذلك ومحدوديته ، ألم يدق ناقوس الخطر أننا بإزاء مرحلة أخرى ؟
ولنعد بقراءة سريعة لخروقات نربطها بما نحن فيه اليوم ، من قبيل تسريب الرياضيات ولا جزاء لحد الآن ، فياضانات طانطان ولا مجيب ، ملف كمال عماري رحمه الله وجناته طلقاء أحرار بعد سنوات وملفه في المحكمة ، صفقات وزارة التعليم التي بدل ان يتم القبض على مرتكبيها ، تم الزج بمصدرها في السجن وإخراسها حسب جريدة المساء ، ولامتسع ولا وقت للتطويل والتطبيل فتكفي اللبيب الإشارة فقط .
وتصفح أنت كل يوم ويلات وطني وصرخاته التي تغص في الحلق وتضر الخلق ولا حق !
الحديث عن نار تشتعل ووقود يذكيها ، ليس بنشر أخبار زائفة أمام شعب مغربي ذكي واع متواصل في عالم اليوم وانتشار الفيسبوك ، أو الحديث عن فزاعة أو شماعة أجنبية أو وطنية ، على عكس ذلك استمرار الوضع ، وعدم التغيير، هو ما يؤجج الأوضاع ويدفعها للمجهول والاحتقان على جميع المستويات بما كسبت أيدي المسؤولين والمسيرين الفعليين .
إذن الأصل هو حل المشاكل ونزع الفتيل وفتح الحوار وفسح المجال ، لوطن يجب أن نبنيه جميعا لغيرتنا عليه وحبنا له لكي نراه كما نصبو له متطورا متعددا متنوعا حداثيا منافسا قويا .
الذي يحرص على مصلحة الوطن يجب أن يفوت على “الصبية” الإشعال وأن تتجه الرياح للديمقراطية ، وتوضيح السلطات وفصلها، وحين يقع التجاوز تتم المحاسبة بسرعة ، بلد يجب أن يتحرك في اتجاه ربط المسؤولية بالمحاسبة وفتح الملفات من جديد للحيتان الكبيرة الضخمة المستولية على كل شيء بدل الاقتصار على أكباش فداء هناك وهناك من صغار الموظفين ، إعمال القانون ومعاقبة من ارتكبوا جريمة الخميس الأسود وغيرها من الانتهاكات الجسيمة قديما وحديثا ، وإلا فالتسيب والاستهتار واستمرار الوضع بترقيعات ورتوشات لن يصمد ، أمام غضب متصاعد جماهيري يتسع ويتعاظم ويتضخم ، مع عالم متحرك وسيولة معلوماتية وإعلامية كبيرة وكثيرة جدا .
والحديث عن أي ذريعة في أي فجيعة ، لن يغنينا إذا باغتتنا الأحداث مرة أخرى ،لتدك كل المكتسبات والتراكمات ، نسأل الله العفو العافية لبلدنا من محارق الشرق والغرب ، جعله الله آمنا مطمئنا من كيد الكائدين .
المصدر : https://tinghir.info/?p=14964