فرنسا و عواقب الحيف اتجاه المهاجرين

admin
2015-12-31T19:04:10+01:00
اقلام حرة
admin31 ديسمبر 2015
فرنسا و عواقب الحيف اتجاه المهاجرين
تِسْليت أُونزارْ

ردا على صرخة العدد 179/نونبر/2015 لأمينة ابن الشيخ عن العالم الأمازيغي

تقول أمينة ابن الشيخ، الصحفية ـ المديرة المسؤولة عن جريدة العالم الأمازيغي في الصرخة (المقال) المشار إليها في العنوان، أن منفذي الهجمات الإرهابية الأخيرة في فرنسا، هم ضحايا بلدهم الأصلي المغرب، باعتبارهم يعيشون أزمة هوية. تُفَصل بأن أغلب المهاجرين المغاربة هم من أصول أمازيغية، بيد أن الدولتين المغربية و الفرنسية، أبرمتا اتفاقيات تنص فقط على تلقين اللغة و الثقافة العربيتين للمهاجرين، مع إغفالهما للغة الأمازيغية، الشيء الذي خلق عندهم أزمة هوية و جعلهم طرائد للتطرف.

كلام السيدة الصحفية معقول من ناحية أن المغرب أهمل الجانب الأمازيغي لمهاجريه ، بل أزم الوضع عندما ركز اهتمامه كليا على اللغة العربية و كل ما له علاقة بها، إذ أن للأمازيغ المغاربة الحق في تعلم ثقافتهم و لغتهم الأصل، لا أن يتم غسل عقولهم بمجرد عبورهم البحر نحو الضفة الأخرى و إحالتهم إلى عرب!

لكن الطرح الذي أختلف فيه مع كاتبة المقال، هو قولها إن المهاجرين ذووا التوجهات المتطرفة، هم نتاج لآلية التعريب التي ينتهجها المغرب في المهجر.

فلنعلم أولا أن أزمة الهوية التي يعيشها الأمازيغ عامة عبر عقود، لم تقدهم أبدا إلى أعمال عنصرية من حجم الإرهاب. منطقة القبايل في الجزائر خير دليل، فالمنطقة دائما في حالة استنفار و مواجهة مع النظام، لكن بدون عمليات من هذا النوع، و لم يكونوا أبدا ضحايا مستقطبين من طرف الإسلاميين، الذين نراهم يتبنون كل العمليات الإرهابية منذ سنوات. هذا كان على الهامش.

لنعد إلى فكرة أن التعريب على حساب الهوية الأمازيغية و أن الفقهاء المبعوثين من طرف وزارة الأوقاف هم العاملان الأساسيان اللذان ولَّدا لنا شبابا ضائعا هوياتيا. أتفقُ تماما فيما يخص فقهاء البعثات الإسلامية المغربية إلى المهجر، فخطبهم و مواعظهم في واد، و حياة الناس في واد آخر. شرخ كبير بين ما يقدمه الفقيه و بين ما يحتاجه المواطن هناك، هذا ما يخلق لدى هذا الأخير فراغا دينيا قد يملأه أي قادم بأفكار مسمومة متطرفة و بسهولة إن توفرت الشروط. لكن لا أتفق أن التعريب على حساب الأمازيغية هو السبب.

حتى نحيط بالموضوع، لنلقي بداية نظرة على الإحصائيات التي نشرتها الوكالة العالمية  “إل ـ إتش ـ في نيوز”، بأن الجنسية الأكثر انخراطا في صفوف داعش بين الأوروبيين هي التونسية، و أن فرنسا تأتي في الصف الأول من المجاهدين المنضمين، مع أدنى النسب في الدول اسكندنافية.

غير أن الرئيس الأسبق لحكومة دولة البوسنة و الهرسك “حارث سيلازيتش”، يصرح بأن البوسنه تعرف أكبر عدد من المنضويين تحت صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. لنقف قليل عند هذا التصريح و نتساءل لما دولة في منطقة البلقان، تعرف مثل هذا التوجه و بأكبر عدد في أوروبا؟

من تعُد به الذاكرة إلى بداية تسعينيات القرن الماضي و يقف على الحرب الصربية ـ البوسنية، سيتذكر التصفية العرقية و الإبادة الجماعية على أساس ديني و التي نهجتها صربيا ضد البوسنة. مخلفات هذه الحرب لازالت جسيمة على المستويين المادي و المعنوي، و البوسنيون ليسوا مستعدين لنسيان هذا الظلم الذي مورس اتجاههم فقط لأنهم ليسوا مسيحيين، و أكيد كل هذا خلق لديهم نظرة مختلفة للأمور و للآخر. هذه من بين الرواسب التي جعلت البوسنة و الهرسك تكون أول المخَرِّجين لذوي الفكر الداعشي الإرهابيأ، لا لأنهم كانوا يعانون أزمة هوية مثلا أو شيء من هذا القبيل.

بالنسبة لفرنسا، كلنا نعلم و كمواطنين مغاربة، أنها لم تعد ترقى إلى مصاف الدول ‘النقية” و أنها تعرف حيفا في التعامل مع ملفات المهاجرين. الأغنياء، المتعلمون و ذووا المستوى الاجتماعي الجيد؛ تحتضنهم و تقربهم، بينما المهاجرين من  الفئة المجتمعية الفقيرة أو ذات وضع اجتماعي و مادي غير لائق، فقد وضعتهم على هوامش و ضواحي المدن و خلقت لهم أحياء عزلتهم فيها، أحياء غير مجهزة و لا يزورها المسؤولون و لا تقربها الشرطة. أحياء اختلط فيها الكل بالكل، أحياء تزداد الحاجة فيها يوميا لكل شيء، فتتفاقم الأوضاع على مر السنين و الأجيال، و تصير مرتعا لكل فساد و عنصرية و تطرف.  

هؤلاء هم المغاربة الذين قد يكونون صيدا سهلا لأي توجه متطرف، توجه قد يريهم النعيم على شاكلتيه : الأخروي و الدنيوي، فينساقون وراءه لأن البلد الذي ساهم آباؤهم في بنائه و الذي وُلدوا و نشؤوا فيه، لم يقربهم و لم يحاول إدماجهم في منظومته و يعاملهم كأبناء له، بل أهملهم لأنه استنتج أنهم لن يقدموا له إضافة اجتماعية أو اقتصادية، بلد ترك في نفوسهم ثغرة تتوسع و تتوسع، و لم يحسب لمثل هذه السنوات الأخيرة حسابا، و لم يتصور أن الفكر الداعشي قد يتواجد و قد يهدده من عقر داره و بأبناء أهملهم في أحد الأيام و لم يعودوا يكنون له إلا كل السخط.

أزمة الهوية التي تحدثت عنها الصحفية أمينة ابن الشيخ، لها التأثير البالغ داخل أسوار المغرب، لكن المَوازين تختلف على مستوى المهجر، لأنه فوق أرض المستضيف، لا تأخذ الهوية ذاك الطابع الثقيل بين المئات من الجنسيات و الهويات الأخرى التي تبحث لها عن موطئ قدم. هناك يصبح هاجس الاندماج هو الأكبر و ليس إثبات الهوية الخاصة.

لنعلم أن المغاربة المهاجرين لا يعيرون الاهتمام الكبير للغة الأمازيغية بقدر ما يهمهم إتقان لغة البلد المضيف و الانصهار فيه. أن لا يتكلموا العربية أو الأمازيغية، لا يُخلف لديهم أزمة انفصام في الهوية، لأنهم في جميع الأحوال، ليسوا في بلد “عربي” يفرض عليهم عروبته، بل هم في فضاء أجنبي يَلزمُهم الانخراط فيه كليا، مما يعني أن الأمازيغ لا يشعرون بهذا التهميش الذي ركزت عليه كاتبة المقال، فهم ليسوا تحت رحمة البلد الأصل الذي أهمل هويتهم و لا يحسون وطأة هذا الإهمال.

التعريب الذي ينتهجه المغرب في فرنسا و باقي الدول الأوروبية، هو أكيد حيف ضد الأمازيغ، لكنه ليس بالسبب المباشر للتوجهات الخطيرة لدى شباب المهاجرين، لأنهم هناك لا يلمسون التفرقة من منطلق أمازيغي ـ عربي كما يلمسها المغاربة داخل المغرب. فئة النشطاء و الحقوقيين تستشعرها بالتأكيد، لكن ليس عامة الناس، تماما كما الشأن في الداخل، عامة المواطنين مازالوا غير مهتمين بالنقاش العربي الأمازيغي، و لو أن الوعي به في تنامي ملحوظ.

إن لم يكن البعد الهوياتي هو السبب في تخريج هؤلاء المتطرفين، فإلى ما يعود إذن؟

قد يكون السبب واضحا لكن يتم تحاشيه. بالنظر للتجربة البوسنية، علمنا أن التصفية على أساس ديني هي العامل الأول في توجه البوسنيين للجهاد في صفوف داعش، مما يعني أن أبناء هذا الشعب لم يتقبلوا التحامل على دينهم، الشيء الذي أدى ببعضهم إلى الوقوع في شباك الإرهاب.

مغاربة فرنسا المسلمون، منهم من يستنكر موجة الهجوم على دينه ـ بغض النظر عن من كرس الصورة السيئة عن الإسلام ـ، فيشجب في صمت أو تعقل، و منهم من ظروفه الحياتية أهلته ليكون فريسة مستساغة فينساق وراء الفكر المتطرف. هنا يأتي دور المساجد و أئمتها في تنوير المواطنين بحقيقة الدين  و عدم السماح لدوي الفكر المتشدد بالصعود إلى المنابر، و هنا يأتي دور السياسيين و أنظمة الدول المضيفة في كيفية التعاطي مع مسلميها. هي جهود متبادلة بين كافة الأطراف من أجل الحد من هذه التوجهات التي باتت تقسم العالم إلى أجزاء.

قبل أن أختم، سأعرج على أمر أبدا لم أتفهمه؛ لماذا فرنسا، عندما يكون أحد أبناء المهاجرين في الصدارة و ذو مركز مرموق، تنسبه لها و لا تذكر أبدا أصله؟ و لماذا دائما، عندما يقع حادث مثل الإرهاب، نراها تربط أسماء المتورطين، ببلدهم الأصلي؟ زْعما إلَ زْوين وْلدي، إلَ خايب ولدكم! أليست هذه عنصرية؟ أليس هذا انتهاجا لسياسة التفرقة بين مواطنيها؟ فهذا الإرهابي مثلا، من أنشأه؟ من رباه؟ من علمه؟ أين ولد؟ أية مشارب سياسية نهل منها؟ أية إيديولوجيات تشبع بها؟ أليس هذا كله ذو أصل فرنسي؟ أم المغرب هو الذي له الكلمة و اليد في تنشئة أبنائه و هو حتى لم يشهد ميلادهم؟

ما هذا الهراء؟

إذا فشلت فرنسا في تربية أبنائها، فلتتحمل العواقب. و إذا نهجت سياسة الميز بين مواطنيها، فهي تحصد ما زرعت. و لربما حان الوقت كي تنظر في كيفية تعاملها مع المهاجرين، عوض أن تنظر في التضييق على الدين و متتبعيه.

إذا أخذنا دولة السويد كنموذج في هذا الجانب، فسنجد أنها تسلك تعاملا مع مواطنيها على نفس الدرجة دون ميز بينهم على أساس أصولهم أو مستوياتهم، فهي مثلا أبدا لا تأتي على ذكر البلد الأصل للشخص المتورط في أعمال غير لائقة، حتى لا تنمي الإحساس بالغربة و التفرقة، فهو مواطن لديها بمجرد ازدياده فوق أراضيها أو بمجرد حمله جنسيتها. و هنا يظهر لنا الخلل في سياسة فرنسا اتجاه الأجانب الذين ينظر إليهم دائما على أنهم أجانب و لو بعد 100 سنة من التكاثر فوق خارطتها!   

مما تقدم، يتضح جيدا أن لا دخل للهوية فيما يعرفه المغاربة ـ الفرنسيون من تطرف، أكيد يودون حمل ثقافتهم و لغتهم معهم، لكن الأمر ليس بالسبب الذي قد تؤدي مخلفاته إلى توجه مثل الإرهاب. على المغرب أن يُكَون مبعوثيه من الفقهاء تكوينا يليق بتعاليم دين سمح و بما يليق مع متطلبات الحياة التي يعيشها المهاجرون في المهجر و ليس كما نعيشها نحن في المغرب، كما على دول المهجر و خصوصا فرنسا، أن تغير من نظرتها للمهاجرين و أن تدمجهم كليا، هاذْ الشي كامل أُو شوف تشوف!                                 

المصدرتِسْليت أُونزارْ

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.