كثر الحديث عن توافق عيد ميلاد المسيح عليه السلام مع عيد مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ودون الدخول في بسط الحديث عن تصور المسيحية فيما يخص طبيعة المسيح، هل هو الله المتجسد على الأرض؟ أم هو إله وإنسان؟ يكفي أننا نحن المسلمين نعتقد أن المسيح رسول مصدقا لقوله جل في علاه(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ). فإني سأبين في هذا المقال مدى صحة توافق العيدين وذلك بتخصيص الحديث عن ميلاد المسيح عليه السلام.
تحتفل جل الطوائف المسيحية بعيد ميلاد المسيح يوم 25 دجنبر، إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة؛ إذ لم يعلن عن تاريخ ميلاد المسيح إلا في عام 130م تقريبا على لسان البابا تيليسفور. وبرغم ذلك فقد تعرض هذا التاريخ إلى تقلبات عديدة إلى أن تم الاتفاق على أن يوم 6 يناير أثبت التواريخ وأقربها إلى الصحة. لكن الكنيسة التي كانت تعرف أن الاحتفال بالعيد الشمسي الكبير في 25 دجنبر، هو ما درج عليه الوثنيون، فهو تاريخ الانقلاب الشمسي الشتائي في التقويم الروماني القديم، تقويم جوليان، والذي يوافق ميلاد الإله ميترا، إله الشمس القهار.
وقد اضطرت الكنيسة تحت ضغوط قوية وبسبب استمرار الاحتفالات الشعبية الوثنية بميترا أن تختار هذا النهار أيضا للاحتفال بميلاد المسيح. خاصة وأن الإنجيل يصف المسيح وصفا شمسيا، إذا صح التعبير، بتأثير المفردات والاصطلاحات الإيرانية والمصرية القديمة. نقرأ في لوقا1/78-79 (بِأَحْشَاءِ رَحْمَةِ إِلهِنَا الَّتِي بِهَا افْتَقَدَنَا الْمُشْرَقُ مِنَ الْعَلاَءِ. لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ). وفي إنجيل يوحنا1/5(وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ).
في المقابل نجد عيد الميلاد -على حد تعبير أندريه نايتون- تقاليد شعبية وتفاصيل غريبة غير متوقعة ما زالت تحمل أصولها الوثنية معها بالتأكيد، إن أهالي البروفانس في جنوب فرنسا يضعون أمام الطفل المحتفل به، وذلك قبل ثلاثة أسابيع من عيد الميلاد، صحونا يملؤونها بالقمح(وفي المدن يستخدم العدس)ويروى أن القمح والعدس بغزارة من أجل أن تظهر أوراقها قبل عيد الميلاد. يقول…ولا شك أننا لا نستطيع أن نفسر هذه الظاهرة تفسيرا مسيحيا، فهي بقية من بقايا عبادة الإله أدونيس إله الخصب والزراعة. وما زالت هذه الشعائر تقام بصورة بريئة من غير أن يعرف المحتفلون بها أصولها الوثنية. ولقد كان عباد أدونيس فعلا يزرعون أمام صنمه حبوب القمح ويروونها لتنمو بسرعة. وكانت حدائق أدونيس وسيلة سحرية تهدف إلى تصوير الازدهار. ونقل هذا التقليد من أدونيس إلى المسيح هو دليل آخر على التقارب بين مفهوميهما. هكذا، يظهر جليا الحضور الوثني فيما يتعلق بعيد الميلادي المسيحي، يقول أندريه نايتون ليس في المسيحية أجمل وأبهى من عيد الميلاد…لكننا نندهش حين نعلم أن تاريخ الميلاد ظل ملتبسا لفترة طويلة، وأنه ليس هناك من مصدر تاريخي موثوق يمكن الاعتماد عليه لتحديد التاريخ الصحيح لميلاد المسيح.
جملة القول، إن القول بتوافق عيد ميلاد المسيح عليه السلام مع عيد ميلاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هو قول مردود عليه؛ وذلك لكون تاريخ ميلاد المسيح عليه السلام غير معروف البتة، وتاريخ 25 دجنبر إضافة إلى مصدره الوثني، فهناك نص إنجيلي يفهم منه أن تاريخ الولادة السابق غير مقبول، جاء في إنجيل لوقا2/7-8 (فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ. وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ). وهذا لا يمكن أن يحدث في فصل الشتاء حيث شدة البرد، مما يعني أن المسيح ولد قبل تاريخ25 دجنبر، ومن ثمة بطل القول بتوافق العيدين هذه السنة.
المصدر : https://tinghir.info/?p=14649