بعد أقل من شهر سيخلد سكان المغرب الكبير حلول رأس السنة الأمازيغية 2966، ويقتضي الأمر تذكير رئيس الحكومة المغربية بإصرارنا على تبليغه وتذكيره أن تخليد رأس السنة الأمازيغية لن ينتهي بعناده وتجاهله له، كما أنه لن ينتهي برحيل من يطالبون به اليوم، فالثقافة الأمازيغية أمانة على أعناقنا وعقيدة تنتقل منّا إلى أبنائنا ومنهم إلى أحفادنا…
نتذكر جيدا أننا ومنذ سنة تقريبا، بعثنا عبر المنابر الإعلامية المغربية بتهنئة إلى السيد رئيس الحكومة بحلول رأس السنة الأمازيغية. ليس مهمّا إن كان رئيس الحكومة قد اطلع عليها أم لا، لأننا ندرك جيدا أنه يجد صعوبة كبرى في التمييز بين قناعاته الشخصية ومرجعيته التي تستحمل الاختلاف والنسبية من جهة، وبين وضعه الإعتباري بصفته رئيسا للحكومة المغربية التي يفترض أن تنتصر لقيم المواطنة الحقة التي لا يمكن ادعاؤها في ظل تغييب العدالة الثقافية واللغوية، واستمرار كل أشكال الاستصغار والتحقير للثقافة واللغة الأمازيغيتين.
ونغتنم مرور سنة على تهنئتنا للسيد رئيس الحكومة بذات المناسبة لنذكره أن سكان شمال أفريقيا عموما والمغاربة بشكل خاص خلدوا وسيخلدون مناسبة رأس السنة الأمازيغية، ولا نعتقد أن رئيس الحكومة يجهلها، اللهم إذا تعمّد أن يتجاهلها كما عوّدنا أن يفعل مع الملفات ذات الصلة بالأمازيغية، وهو الحدث الذي يستقبله سكان المغرب الكبير بشتى أعراقهم وألوانهم وألسنتهم ومعتقداتهم بغير قليل من الحفاوة والاستبشار، حدث يجدّد فيه الإنسان ارتباطه وتشبثه بهذه الأرض التي تنعم عليه بكل الخيرات ويعبر لها عن وفائه بكل الطقوس، حدث يطغى فيه الطابع الاحتفالي المتوارث عبر العصور.
لن نخفي اعتقادنا بعجز السيد رئيس الحكومة عن إدراك دلالات ورمزية هذا الحدث وعمقه التاريخي، وكذا حمولته الحضارية الكبيرة، وعلاقة كل ذلك بحقيقة هوية هذه الأرض التي يتأكد سنة بعد أخرى أن هناك من يتضايق من ذكرها. لاشك أن السيد رئيس الحكومة يدرك جيدا أن المغاربة، وإن اختلفوا في تسمية هذا الحدث ومهما تنوّعت مظاهر تخليده من منطقة إلى أخرى، يكرمون هذا اليوم بطقوس خارجة عن المعتاد.
إن تمكين المغاربة أولا من معرفة كل الحقيقة حول مرجعية وحيثيات وتجذر هذا الحدث العابر للحدود القطرية بين الدول المغاربية يظل مسؤولية تاريخية على عاتق الدولة المغربية، وهو الذي سيرسّخ، لا محالة، في وجدان المواطن تلك الخصوصية المغربية وذلك الاعتزاز بالذات اللذين سلبتهما النّظم اليعقوبية لدولة ما بعد الاستقلال، كما يتعين على الدولة إتاحة الفرصة للمغاربة للاستعداد الواجب لتقاسم طقوسية هذا اليوم، وذلك عبر إقراره عطلة رسمية ضمن الأيام المحتفى بها.
إن مصالحة المغاربة مع حضارتهم المتجذرة في الحوض المتوسطي وتاريخهم المجيد الذي يؤرخ لثلاثة وثلاثين قرنا من البناء والتفاعل خيار وليس اختيار،يظل واجبا أخلاقيا بل وقانونيا على عاتق من يدبّر شؤونهم خاصة بعد تغييرات “الربيع الديمقراطي”، وخصوصا أن الأمم في الشرق والغرب تسعى جاهدة إلى النبش والبحث عن أي خيط يقودها إلى أعرق الحضارات التي بناها الأجداد.
بعيدا عن المبادرة الجمعوية التي نستحسنها ونثمنها على كل حال، إن مبدأ الإنصاف يفرض نفسه في كل الوضعيات، وبالعودة إلى رأس السنة، نجد الدولة المغربية تحتفي بفاتح السنة الميلادية والهجرية وتعتبرهما يومي عطلة رسميين، والحال هذه، واستحضارا للعدالة والمساواة الواجبتين بين الثقافات، ما من مبرر لهذا التنكر الرسمي لرأس السنة الأمازيغية، فالمغرب غني بالتعددية والتنوع، وبالتالي يجدر بالدولة الاعتراف الرسمي بهذا التعدد الثقافي ومأسسته بشكل فعلي وعملي بعيدا عن الشعارات الجوفاء.
إن من حق المغاربة اليوم أن يعاتبوا الحكومة، خاصة أن الدولة المغربية تتغنى ب”الانفتاح” الرسمي على الحقوق الأمازيغية وتحقيق “مكتسبات تاريخية”، مكتسبات سرعان ما أذابت جليدها التراجعات غير المسؤولة والتملص الفاضح لحكومة ما بعد “الربيع الديمقراطي” في نسخته المغربية، والتي عقد عليها البعض الآمال للخروج بالأمازيغية من عنق الزجاجة التي صنعها المشروع الناصري- البعثي الذي يقضي بعروبة التاريخ والفضاء المغاربيين وارتباطهما اللامشروط بالشرق الأوسط.
لقد جاء الدرس مرّة أخرى من خارج الحدود، فها هي منظمة اليونسكو التابعة للامم المتحدة تقرر ضم إحتفالات رأس السنة الامازيغية الى قائمة الثراث العالمي اللامادي، تلك المنظمة التي تعلم وتدرك رمزية الحدث وأصالته، وتعتبره تقليدا تاريخيا عريقا تمارسه مجموعة بشرية و تتداوله الأجيال، بل أكثر من ذلك، قررت المنظمة الأممية أيضا ضم أبجدية تيفيناغ باعتبارها تراثا انسانيا لامادي بعد أن وصفها رئيس حكومتنا ذات يوم ب”الشنوية” دون أن يكلف نفسه الاعتذار للمغاربة إلى حدود اليوم ، كما تم صنفت اليونسكو الطبق الاصيل “الكسكس” والذي يميّز الثقافة الأمازيغية في قائمة التراث الثقاقي اللامادي.
إن السيد رئيس الحكومة المغربية وبقوة القانون، مطالب بتمكين المغاربة من تخليد ذكرى حدث رأس السنة الأمازيغية وترسيم يوم فاتح السنة الأمازيغية الذي يوافق الثالث عشر من يناير في التقويم الميلادي كيوم عطلة رسمية مؤدى عنه، بالنظر إلى كون الدولة المغربية قد صادقت على المواثيق الأممية والمعاهدات الدولية التي تنص على عدم التمييز، ولعل آخرها ما صدر يوم الثامن عشر من شهر غشت سنة 2010، ويهم التوصيات الصادرة عن لجنة القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري بجنيف ، ولجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولا نشك بتاتا في كون السيد رئيس الحكومة قد اطّلع وفهم التوصيات المنبثقة عن أشغال الدورة الثالثة عشر لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة بجنيف يوم الثاني والعشرين من شهر ماي سنة 2012 بعد مناقشته للتقرير الدوري الشامل للمغرب 2008/2012″. إلى جانب توصيات الخبيرة المستقلة في الحقوق الثقافية المعتمدة من قبل مجلس حقوق الإنسان.
في الختام، إن السنة الأمازيغية حدث تاريخي له من الدلالات والرمزية الشيء الكثير، من هنا لا يستقيم أن تستمر هذه السياسة الأيديولوجية الضيقة التي تحتقر إنسان المغرب وتقزّم تاريخه وتعبث بثقافته وتسيء إلى عبق هذه الأرض، فمتى ستكف الحكومة عن التجاهل الرسمي لدعوات النسيج الجمعوي المغربي بترسيم هذا الحدث وضرورة الاعتراف السياسي به ؟؟؟ ونكرر تهنئتنا للسيد رئيس الحكومة:
سنة أمازيغية سعيدة معالي رئيس الحكومة. وبالأمازيغية نقول لكم:
أسكاس أمغودو أفلكاي ئشنان….
المصدر : https://tinghir.info/?p=14425