لقد مر من الوقت الشيء الكثير منذ آخر رسالة كتبتها لك يا صاحبي… إن التـزامي بالكتابة إليك يرغمني على أن آخذ قلــــــمي أتأمله أقلبه بين أصابعي، فأحس فيه شغفا كبيرا نحو محاربة البياض… لكنني كعادتي أعاني من عسر الكتابة، غير أن صداقتك تجعلني أقاوم لأخط لك دائما.
مرة أخرى يا صاح، أصر على الكتابة، حتى أحافظ على عهد قطعته يوما معك وقطعته مع نفسي،أن تكون القراءة والكتابة كالصلاة بالنسبة لي، فعلا أمارسه خمس مرات في اليوم، فكما تجدد الصلاة قلب المؤمن،ولعل هذا ما قصده الفيلسوف الألماني شوبنهاور حين قال: ” لم تمر علي أية محنة، لم تخففها ساعة أقضيها في القراءة” إن القراءة والكتابة تجدد إحساسي وفكري وقدرتي على فهم هذا العالم المظلم. ولأهميتها فقد كان فعل القراءة أول أمر إلهي لنبينا محمد (ص) ولأمة محمد. إن إيماني بأهمية القراءة والكتابة ياصاحبي لا يجعلني فاعلا وممارسا، فلطالما مرت علي أيام لم اقرأ ولم أكتب فيها شيئا يذكر، وإنني فعلا لأخجل منك ومن نفسي ..لكن لا تعتقد يا صاحبي انها قلة احترام لك، أو إخلال بعهد قطعته معك منذ زمن. بل هو اشبه بعدم احترام لذاتي أنا وعدم تقبل لأفكاري أنا؟ لكن الكتابة ليست بالسهولة التي توقعتها ياصاح؟
عبثا أحاول أن أحول الرماد بداخلي إلى معنى ..إلى كلمات ..غير أن المعني لا ينبعث أبدا من الرماد، ولا الكلمة تخلق بين ثنايا الفشل.. ! أعرف أنك لن تتفق معي ياصاحبي، لأنك أنت الذي تقول دائما : لطالما انبعث المعنى بين ثنايا الرماد ومن صميم الفشل، وأنت تحاول أن تعلمني دائما أن الفشل من مفاتيح النجاح …وأتذكر انك تردد دائما على مسامعي ما ردده الفيلسوف العظيم ابن رشد كما تحب أن تسميه” لن يفلح الدمار في الإتيان على كل شيء “ فقط لتعلمني أنه سيظل هناك رماد وفشل يحوم ويحوم حول العالم ينتظر من يحوله إلى معنى ونجاح.
لا تجزع يا صاحبي، فإني أفكر دائما في حلول لتجاوز الأزمة …فالكتابة شيء جميل ..لهذا فقد أحببتها، هل تعرف ياصاحبي أني كنت أكتب ما يشبه الشعر ولدي محاولات قليلة جدا في القصة القصيرة رغم أنني لا أعرف في هذه الأخيرة إلا الاسم، فلطالما اعتقدت أن اسمها من حجمها، لكن ادركت بعد ذلك أنها حكاية صغيرة بأسلوب كبير جدا، تحتاج معه إلى قدرات خارقة للإمساك بمعنى المعنى، لقد حلمت يوما أن أمتهن الكتابة، حلمت دائما أن أرى اسمي في جريدة تحت قصيدة أو مقال أو أن أراه عريضا فوق غلاف كتاب …
ما لا يفارقني با صاح أني أحببت الكتاب منذ طفولتي، ربما لأنني رأيت فيه الأمل والنجاح … وخير جليس كما قال الشاعر، لكنني اشتريته بقدر أكبر وقرأته بقدر أقل، وهذه أغرب مشاكلي. في كل مرة أنظر فيها إلى خزانتي، ينطلق عداد الزمن في رأسي، أحاول أن أمسك بالزمن الكافي لقراءة كل تلك الكتب و كتب أخرى… في الوقت نفسه أتحسر، لأنني أعرف أنني لا أملك من الزمن ما يكفي، ولهذا تخور رغبتي وتزول أمام السواد، سواد الكتابة، وأمام البياض، بياض الورق، إن بياض الورق يحاربني، يربكني حتى أني أنسى أن أكتب ذكرياتي. وفي الوقت نفسه ليس هناك ما هو أحب إلي من معانقة الكلمة، والرقص بالقلم فوق البياض، ربما تكون الكتابة صديقة المعاناة مرتبطة بالفراغ أو الحب..بل قد يكون الفشل من أصدقائها، حتى أنك عندما تكتب تصبح صديق الفشل والضياع.
إن ما أريد أن أقوله ياصاحبي هو أن القراءة والكتابة ضرورة وليست ترفا أو اختبارا وفي كل الأحوال . وهنا أتذكر دائما ما يقوله الأديب والفيلسوف فولتير ” يقود الأمم هؤلاء الذين يقرؤون ويكتبون” هناك دائما ما يمكن وما يجب قراءته وهناك ما ينبغي كتابته، عن ذواتنا وعن واقعنا، إني أقول هذا لأن القراءة، ياصاح ، خاصية إنسانية،إنها فعل تتجدد به الذات بما تحمله من فكر وحربة وشعور وقيم اخلاقية … ومن لا يقرا فكأنه حكم على نفسه بمغادرة دائرة الإنسان، والأفضل من ذلك أن نعيد إنتاج ما نقرأ حتى نضيف المعنى للمعنى، لأن فن القراءة كما يقول فيليب هامرتون ” هو أن تتجاوز ما تقرأه بحكمة”.
المصدر : https://tinghir.info/?p=14335