نظمت الجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب ، بمشاركة جمعية ضحايا معتقل تازمامارت ، وعدد من الجمعيات الحقوقية المغربية ومناضلين من ضحايا سنوات الرصاص ، وبمواكبة إعلامية من طرف عدد من وسائل الإعلام الوطنية ، يوم السبت 05 دجنبر2015 ، قافلة طبية وحقوقية إلى تازمامارت مرورا بمدينة الريش إقليم ميدلت ، تحتشعار “قافلة تازمامارت ضد النسيان من أجل الحقيقة والإنصاف وجبر الضرر وعدم التكرار.”.
المنظمون لهذه القافلة وضعوا من خلال برنامجها المكثف والمتعدد الأبعاد، عدة أهداف تتمثل أساسا في حفظ وإنعاش الذاكرة الجماعية لهذه المنطقة التي شكلت في الماضي مسرحا للعديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان،. كما استهدفت القافلة إثارة الانتباه إلى معاناة سكان المنطقة من استمرار العزلة والتهميش والحرمان من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل حث الدولة المغربية على إيجاد حل عادل و منصف لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، كما اعتبر المنظمون ، أن هذه القافلة التحسيسية، هي بمثابة إعلان للرأي العام الوطني والدولي، عن كون ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب لا زال مفتوحا، كما هي تذكير بمطالبهم الأساسية التي لا تقبل التأجيل.
انطلاق القافلة كان من الدارالبضاء في اتجاه مدينة الريش يوم الجمعة 04 دجنبر 2015 ، بعد قضاء الليلة في هذه الأخيرة ، توجهت القافلة صوب قرية تازمامارت صباح يوم السبت 05 دجنبر ، وجدت في استقبالها عددا غفيرا من سكان القرية ومن ضحايا سنوات الرصاص وفعاليات سياسية ونقابية ، وجمعية محلية للتنمية بتازمامارت ومسؤولي فروع جمعيات حقوقية بالمنطقة وممثل اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان ، بالإضافة الى بعض عائلات الضحايا الذين قضوا في هذا المعتقل الرهيب ومفجر معركة مولي بوعزة المحكوم عليه بالإعدام وآخرون من خنيفرة واملشيل…
اللحظات التي ميزت وصول القافلة إلى المعتقل السيئ الذكر، تمثلت في الوقوف على المكان الذي كان يتواجد به المعتقل السري الرهيب الذي عانى منه 58 معتقلا زهاء 20 سنة ، والذي قضى به 29 ضحية تحت التعذيب النفسي ولم يبقى منهم سوى 26 . وانعدام أبسط الشروط الإنسانية والقانونية للاعتقال ،حيث تقدم لتقديم الشروحات والتوضيحات حول هذا المعتقل عبد الله أعداو ، وهو معتقل سابق ، ليوضح قائلا : ” بأن زنازن المعتقل ومرافقه قد تم هدمها عن آخرها بواسطة جرافة كبيرة ورغم ذلك لم تستطع الهدم فاستعانوا بالديناميت لصلابة البناء ، وذلك ضدا على رغبة الناجين منه و رغبة عائلات الضحايا المتوفين و رغبة المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف و كل المنظمات الحقوقية التي طالبت بالتحفظ على هذا المعتقل والعمل على صيانته وترميمه وجعله مركزا للذاكرة حتى يظل تذكار لما وقع . وقد لاحظ المشاركون في القافلة أن المعتقل لم يبق منه سوى قبور الضحايا المتوفين، وهي قبور لا تحمل أسماء الضحايا، بل أرقاما وحروفا لاتينية ! وعندما تساءل المشاركون عن سبب عدم كتابة أسماء الضحايا على قبورهم ، كما الحال في قبور المسلمين ، علل عضو أخر من الناجين ذلك بكون 7 متوفين لم تحدد بعد هويتهم. كما تحدث عبد الله أعداو عن نوعية الحديد الذي استعمل في بناء المعتقل والذي ذكر بأن هذا النوع لا يتداول اليوم لآن شدة سمكه وصلابته..
المعتقل السابق محمد المرزوقي وقف أمام قبور الضحايا وطلب من المشاركين في القافلة تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم والترحم على أرواح الضحايا، وذلك في أجواء رهيبة اختلطت فيها ذكريات المفقودين بدموع أفراد عائلاتهم ودموع الناجين من جحيم تازمامارت ودموع المشاركين في القافلة.
بعد الترحم على ضحايا معتقل تازمامارت توجهت القافلة إلى مقر جمعية تازمامارت للتنمية ، حيث وجدت في استقبالها أعضاء الجمعية ، الذين هيئوا ظروف اشتغال القافلة الطبية الذين توزعوا في مقر الجمعية لتنطلق عملية استقبال مرضى القرية والقصور المجاورة ، حيث تم فحص أكثر من 300 ساكن و ساكنة وتم توزيع عليهم الأدوية الكافية لكل مريض.
فيما انتقلت القافلة الحقوقية ، إلى خيمة كانت قد نصبتها اللجنة التنظيمية بساحة مقر الجمعية حيث اجتمع السكان ، لتنطلق أشغال الندوة الحقوقية التي توزعت الى ورشات : أولها حول : “العدالة الانتقالية” ، التي تمحورت حول مبادئ العدالة الانتقالية والتجربة المغربية و الحق في معرفة الحقيقة ، حصيلة التجربة المغربية و أفاق استكمال الحقيقة وعدم الإفلات من العقاب .الورشة الثانية : “جبر الضرر الفردي والجماعي . وتطرقت الورشة الثالثة الى : الحفاظ على الذاكرة منها المقابر الفردية والجماعية و المعتقلات السرية .
العروض التي قدمها عدد من المناضلين من جمعيات مدنية و حقوقية ، معتقلين سياسيين و نقابيين قدموا من الدار البيضاء و مراكش والرباط ، أجمعوا كلهم على رد الاعتبار لقرية تازمامارت التي بقيت كما كانت في عهد المعتقل ، ورغم الوعود التي أعطيت من طرف المسؤولين والهيئات الحقوقية للنهوض بالقرية كلها كلام في كلام .
وشدد في هذا الصدد المتدخلون ، العمل على جبر الضرر الفردي و الجماعي بالشكل الذي يمكن الضحايا و ذوي الحقوق من العيش بكرامة ، مطالبين بالحفاظ على ذاكرة الاختفاء القسري ، والتحفظ على مراكز الاعتقال و المدافن الفردية والجماعية لتبقى تذكار معماري قابل للزيارات حتى لا يتكرر ما جرى ، وخاصة المعتقل الرهيب تازمامارت ..
كما طالبوا الدولة العمل و بالإلحاح على رد الاعتبار لقرية تازمامارت والمنطقة بأكملها ، وذلك بتأهيلها لتصبح مواكبة لمدن الإقليم الفتي ، وفك العزلة عنها بتعبيد طرقها وربط المستوصف الوحيد بالماء و الكهرباء و تزويده بما يلزم من الموارد البشرية و الأدوية ، حتى لا يظل وصمة عار في جبين الدولة التي تبني المراكز الاجتماعية وتبقى مهملة ، كما عبروا عن تخوفهم من مضاعفة الهدر المدرسي لدى فتيات القرية اللواتي ينقطعن عن الدراسة ، بسبب البعد عن المدارس ، في زمن تتبجح الدولة بتشجيعها لتمدرس الفتاة ، وبصفة عامة طالبوا بجبر الضرر الجماعي الحقيقي لسكان هذه القرية ولكل المتضررين من سنوات الرصاص
وصرح الدكتور المانوزي عبد الكريم رئيس الجمعية الطبية للجريدة قائلا : هذه المبادرة هي الثالثة التي تقام بهذه المنطقة وبهذا المعتقل ، اليوم جئنا بعد الرحلة الأخيرة مند سنتين ، لنقف عن ما استجد من الأوضاع ، وبالخصوص الانتهاكات الجسيمة التي تهم اللحن المنظمة . جئنا بقافلة طبية متعددة الاختصاصات التي ستقوم بتشخيص و توجيه المرضى ، وإعطاء الأدوية حسب الإمكانيات المتاحة ، و بالخصوص تدقيق بعض الأمراض . وكذلك جئنا بقافلة حقوقية التي ستشتغل بدعم من المنظمات المعروفة وذات مصداقية بما فيها المنظمة المغربية والجمعية المغربية ومنتدى الحقيقة والإنصاف والعصبة المغربية . مضيفا أننا كنا سنشتغل بالمستوصف الموجود ، لكنه غير مؤهل لانعدام الماء و الكهرباء ، ونجاح هذا النشاط يرجع له الفضل للجمعية المحلية للتنمية .
وبالمناسبة وجه نداء إلى المسؤولين ، مذكرا بمرور ربع قرن ،على أن المغرب قرر طي صفحة الماضي وما زالت الأمور مع الأسف يقول المانوزي ، بعيدة المنال فيما يخص حقيقة جبر الضرر ، رغم وجود تقدم ملموس ، لكن ما زالت هناك أمور وجب الاشتغال عليها ، خاصة وأن هناك توصيات لهيئة الإنصاف و المصالحة التي أيدتها جميع الجمعيات وعاهل البلاد وافق عليها ولكن مع كامل الأسف مازالت لم تنفد.
المصدر : https://tinghir.info/?p=14280