منذ منحه رئاسة الحكومة و بنكيران لم يتوقف يوما عن التذكير ب”إنجازه الكبير” المتمثل في نجاحه في القضاء على الاحتجاجات,حتى استحق أن ينال لقب “رجل مطافيء ليس كباقي رجال المطافيء”,فإذا كان رؤساء الحكومات في دول أخرى يفتخرون بما قدموه لأوطانهم و شعوبهم من رخاء في العيش و ما شيدوه من بنيات تحتية و ما حققوه من تقدم في التعليم و الصحة و الاقتصاد و مختلف المجالات,فإن رئيس حكومتنا هو الوحيد في العالم-ربما-الذي “يعتز” بالقضاء على الاحتجاجات !فهل فعلا نجح في ذلك؟
الواقع الذي يعيشه المغاربة و يتعايشون معه إما مباشرة أو عن طريق ما يصلهم من أخبار عبر وسائل الإعلام المختلفة,يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مزاعم بنكيران كاذبة,و يبرهن على أنه فاشل حتى فيما يدعي أنه ناجح فيه,و ما يقول عنه إنه من انجازاته العظيمة التي لم يسبقه إليها أحد ألا و هي القضاء على الاحتجاجات و تحقيق الاستقرار و كأن مغرب ما قبل بنكيران كان يعيش حربا أهلية(و يا للسخرية) !!
فعلى العكس تماما مما يزعمه بنكيران و يروج له أتباعه و مناصروه,نسجل بأن الاحتجاجات في عهده ازدادت حدتها بشكل غير مسبوق و تنوعت أشكالها و تعددت الفئات المشاركة فيها و زادت درجة الاحتقان الاجتماعي,حتى أننا لا نبالغ إذا قلنا بأنه ما من فئة اجتماعية في عهده إلا و خرجت للاحتجاج,وعليه فالوضع في “فترة حكمه” أصبح شبيها ببركان قابل للانفجار في أي لحظة بسبب سياسته الفاشلة في كل شيء بما فيها فشله في وقف أو على الأقل التخفيف من الاحتجاجات.
ففي عهد حكومة بنكيران عرف المغرب أطول إضراب مصحوب باحتجاجات يومية في قطاع التعليم(110 يوما من الاحتجاجات بشوارع الرباط شارك فيها 6000 أستاذ و أستاذة في إطار التنسيقية الوطنية للأساتذة المجازين المقصيين من الترقية),و في عهده عرف قطاع الصحة احتجاجات و إضرابات غير مسبوقة و توقفت الدراسة بكليات الطب لأسابيع,و في نفس الفترة خرج آلاف المواطنين في طنجة و تطوان و المضيق و قبلها الرشيدية و مكناس…للاحتجاج على غلاء أسعار الماء و الكهرباء,و في “زمن” بنكيران خرج أزيد من 9000 أستاذ متدرب قبل أسبوع للاحتجاج على المرسومين القاضيين بفصل التكوين عن الوظيفة و تقليص منحة التكوين,و هي الاحتجاجات المتواصلة منذ أسابيع و إلى حدود كتابة هذه السطور بشكل يومي في مختلف مراكز التكوين مرفوقة بمقاطعة شاملة للدروس النظرية و التطبيقية…هذا “دون احتساب” الاحتجاجات اليومية لمئات المعطلين وأخرى “تندلع” بين الفينة و الأخرى في مناطق شتى.فعن أي نجاح في القضاء على الاحتجاجات يتحدث بنكيران؟
لحسن حظ بنكيران أن المغاربة ليسوا فقط بعيدين عن الكرم,و ليسوا فقط غير متبرعين بالأموال,كما صدر مؤخرا عن مؤسسة بريطانية تعنى بالأعمال الخيرية,لأن بنكيران لم يترك لهم-أصلا- مالا يتبرعون به,بل إنهم أيضا بعيدون عن التضامن فيما بينهم ضد السياسة التفقيرية لحكومة عبد الإله,إذ لو كانوا كذلك-أي لو كانوا متضامنين- لسقط بنكيران و من معه منذ السنة الأولى,فلنتخيل كيف كان سيكون الوضع لو خرجت باقي المدن للتضامن مع ساكنة الشمال ضد “أمانديس”؟و لنتخيل الوضع لو خرج كل رجال و نساء التعليم للتضامن مع إخوانهم المتدربين و قبلهم المجازين؟و لنتخيل الوضع لو أن عائلات المعطلين خرجت للاحتجاج…؟
لحسن حظ بنكيران كذلك أن ما يسمى بالنقابات تخلت عن مهمتها التي هي الدفاع عن العمال و أصبحت متخصصة في إصدار البيانات تلو البيانات و الحوار من أجل الحوار,فلنتصور الوضع لو كانت في المغرب نقابات قوية فعلا تقف إلى جانب العمال المضطهدين و المسلوبي الحقوق كما هو الحال في تونس حيث النقابات يحسب لها ألف حساب.الأكيد أنه لو كانت عندنا نقابات بهذا الشكل ما تجرأ بنكيران على “التبوريد” على الشعب و ما افتخر بالقضاء على الاحتجاجات,لأن ذلك يعني ضمنيا أنه(بنكيران) هو أكبر قامع لحرية الاحتجاج و التظاهر في المغرب,و هي تهمة خطيرة في قاموس الدول الديمقراطية,في الوقت الذي يعتبرها بنكيران مفخرة له و لحزبه و آله و صحبه.
الخلاصة أن بنكيران على عكس ما يروج له عن نفسه هو أكبر مؤجج للاحتجاجات بسياسته غير المحسوبة العواقب,بل هو أكبر محرض عليها عندما يدعو بنبرة المتحدي المعارضة و النساء و كل الشعب للخروج إلى الشوارع للتظاهر ضده إن كان لا “يحبه”,فلحسن حظه أن لا معارضة عندنا,و إلا ما اغتر هذا الغرور و ما طلبها بالاحتجاجات,إنما فعل لأنه يعرف ألا حياة لمعارضة و لا أمل في نقابة !!
و لحسن حظه أن هناك أبواقا إلكترونية و ورقية تقدم فشله نجاحا و باطله حقا و الخرافة علما و الظلم عدلا…
و لحسن حظه كذلك أن بدء خطاب بالبسملة كاف لجعل شعب يعتبر الدين وتره الحساس يعتقد أن فقره من عند الله,و أن ارتفاع أسعار الماء و الكهرباء من عند الله,و أن هطول المطر و تراجع أسعار النفط بركة من عند الله على بنكيران و حزبه المختار…
المصدرمصطفى ملو
المصدر : https://tinghir.info/?p=13844