شكر خاص و خالص ليوسف أيت صالح أمين “تعاونية شريحة صاغرو بزاوية البئر-خميس دادس”
1-مدخل عام
شكر خاص و خالص ليوسف أيت صالح أمين “تعاونية شريحة صاغرو بزاوية البئر-خميس دادس”
تشتهر واحتي مكون و دادس بشجر التين الذي يعتبر من الأشجار المستوطنة بالمنطقة,ومن الأدلة على أنه شجر أصلي في المنطقة وليس وافدا عليها كما قد يعتقد البعض,أننا و أثناء معاينتنا الميدانية صادفناه في أماكن وعرة و على علو شاهق يصعب الوصول إليها,مما يعني أنه(شجر التين) نبت في هذه الأماكن “نبتا ذاتيا” وليس”بفعل فاعل” عن طريق الغرس,أي أن منشأه و منبته في المنطقة,و مما يزيد من ترجيح الأصل المحلي للتين المكوني و الدادسي ما ذهبت إليه الباحثة فاطمة عمرواي حين قالت”…يعتقد أن جنبات واد دادس عند اكتشافه على يد مولاي باعمران,كان غابة من أشجار التين و الزيتون,وهو اعتقاد يطرح مجموعة من التساؤلات,ويجعل شجر التين شجرا دادسيا منذ القدم”(1).
2-“تازارت إزضان” قديما
نظرا للانتشار الكبير لشجر التين فإن الإنتاج يكون وفيرا في الواحتين خلال كل موسم جني,إنتاج يتجاوز الحاجيات المعيشية اليومية,فيوجه جزء كبير منه نحو البيع.
وفرة الإنتاج دفعت المكونيين و الدادسيين إلى البحث عن طرق مختلفة و ابتكار أساليب متنوعة من أجل استغلال أكبر للمنتوج و الحفاظ عليه إلى وقت الحاجة مادام استهلاكه كليا و هو طازج أمرا غير ممكن,فكانوا يجففون التين و يطلقون عليه “تازارت تاقورارت Tazart Taqurart” و يملحونه للحيلولة دون تعفنه و تسوسه,ثم اهتدوا إلى دقه إلى أن يتحول إلى ما يشبه عجينا سموه”تالبّوزت Talbbuzt” التي تحولت فيما بعد إلى “تازارت إزضان Tazart Izdan” و هي أكلة عرفت بها الواحتان منذ القدم و ماتزال إلى اليوم من الأكلات الرئيسية عند أهالي المنطقة و خاصة في فصل الشتاء و في موائد الفطور خلال شهر رمضان,و يرجع السبب في اللجوء إلى سحق التين بواحة مكون إلى كون الشيوخ غير قادرين على تناول التين المجفف لأنه يكون صلبا مما يسبب لهم وجعا في الأسنان أو لأنهم فاقدون لها أصلا(2).
تمر “تازارت إزضان Tazart Izdan” أولا بمرحلة التجفيف التي تكون على أسطح المنازل أو في بيادر صغيرة معرضة لأشعة الشمس و التهوية تعرف محليا باسم “إفسران Ifseran “,حيث تفرش لها حصوات لمنع التصاق الأتربة بها و تحاط بأحجار تحد بيدر “إفسر Ifser ” فلان عن بيدر فلان,كما تستعمل هذه الأحجار لمنعها من التشتت(3),بعد تجفيفها تحت أشعة الشمس تمر”تازارت=التين” بمرحلة تجفيف آخر تحت الظل و في مكان بارد,و لأجل ذلك يتم نشرها ليلا في الأسطح لأن البرودة تمتص مياهها و تجعلها صلبة و قابلة للطحن بشكل جيد,في حين أن تعرضها لأشعة الشمس من جديد يجعلها ندية و طحنها غير تام فتتحول إلى عجين ناقص الطحن,لذلك يستحسن جمعها من الأسطح قبل شروق الشمس (4).
بعد مرحلة التجفيف تأتي مرحلة الانتقاء و التنقية التي تتولاها النساء,حيث يقمن بعزل الثمار الرديئة عن الثمار الجيدة و فصل الأخيرة عن الجزء الذي تلتصق به في الشجرة “تاكبّوستTakbbust أو تاخنزورت Takhnzurt”, و فتحها لإزالة ما قد يعلق بها من أتربة و أوساخ(5).
ثم تأتي المرحلة الآخرة و هي “مرحلة الطحن” التي كانت فيما مضى تتم عن طريق الدق بواسطة مدق يدوي مصنوع من جزئين من الحجر يسمى “تافردوت Tafrdut ” أو على صخرة تسمى “إفليلو Iflilu”,لتصبح “تازارت إزضان” بعدها جاهزة للأكل,و تجدر الإشارة إلى أن هناك من يخلط الجوز و اللوز بالتين مما يضاعف من لذته و قيمته الغذائية(6).
3-تازارت إزضان حديثا
في الآونة الأخيرة لم تعد عملية الطحن تتم بتلك الطريقة التقليدية التي تحدثنا عنها سلفا,بل حلت المكننة مكان المجهود العضلي للنساء,فظهرت مجموعة من المطاحن العصرية التي تتولى هذه المهمة و انتشرت بكثرة في نواحي قلعة مكونة و بومالن دادس على شكل “مقاولات صغرى” تتكلف إما بالطحن فقط للراغبين في ذلك,حيث يتراوح ثمن الطحن بين نصف درهم و درهم للكيلو,أو تقوم بالعملية من البداية إلى النهاية,أي شراء المادة الأولية ثم تنقيتها فطحنها و تسويقها(7).
و يبلغ ثمن “العبرة”(ما بين 10 و 13 كيلو) من التين المجفف الذي تنتشر نقط بيعه إما في الأسواق المحلية أو في محلات داخل دواوير دادس و مكون ما بين 40 و60 درهما في حالة وفرة المنتوج و يصل حتى 150 درهما في حالة ندرة المحصول(8).
و من جهة أخرى برزت تعاونيات متخصصة في هذا الميدان ك”تعاونية شريحة صاغرو بزاوية البير-سوق الخميس دادس”,التي تشغل حوالي 20 عاملة و تعتبر رائدة في هذا المجال,إذ انتقل إنتاجها من 20 طنا سنة 2013 إلى 35 طنا سنة 2014 ومن المنتظر أن يصل إنتاجها هذه السنة إلى 50 طنا توزعه محليا و في الأسواق الوطنية(الدار البيضاء,أكادير,أسفي,طنجة…),حيث يعرض منتوجها في بعض الأسواق الممتازة بهذه المدن و في متاجرها الشعبية(9).
منتوج “تعاونية شريحة صاغرو” لا يقتصر فقط على الأسواق الوطنية و المحلية,بل تخطاها إلى الخارج,إذ يؤكد يوسف أيت صالح أمين التعاونية,بأن كميات مهمة تصل إلى إيطاليا و هولاندا و فرنسا و كندا,و حتى تل أبيب بإسرائيل,ليس عن طريق التصدير,إنما عن طريق الجالية المحلية المقيمة بهذه الدول و بعض يهود المنطقة(Tiylit) الذين يأتون من إسرائيل سنويا لزيارة قبور و موطن آبائهم و أجدادهم,و الذين لا بد أن يأخذوا معهم أثناء العودة شيئا يذكرهم بماضيهم و ماضي آبائهم,شيئا من “رائحة الوطن الأم”,وهو “تازارت إزضان Tazart Izdan”.
منتوجات “شريحة صاغرو” التي تحاول التجديد فيها بإبداع أنواع مختلفة من التين المطحون,فإلى جانب “التين الخالص” نجد التين المطحون مع التمر و “كوكتيل” مكون من التين و الجوز و اللوز و التمر,و تين مطحون بزيت الزيتون التي يتم ترقيد أعشاب طبية محلية فيها,توجد في أوزان و أشكال متنوعة تختلف أثمانها حسب المكونات التي رأينا سلفا و حسب نوع التعليب,إذ تتراوح بين 6 دراهم لربع كيلو بالنسبة للتين الخالص و 7 دراهم لنصف كيلو في حالة الكيس البلاستيكي الشفاف,في حين يتضاعف الثمن إلى 13 درهما لنفس الوزن في حالة العلبة البلاستيكية,أما “الكوكتيل” فيصل ثمنه إلى 13 درهما لكيس بلاستيكي وزنه نصف كيلو,و يتضاعف الثمن بالنسبة لعلبة من نفس الوزن(10).
4-فوائد التين المطحون و قيمته الغذائية
يكون الإقبال بكثرة على استهلاك التين المطحون في واحتي مكون و دادس في فصل الشتاء,فمنذ القدم فطن المكونيون و الدادسيون إلى أن “التين فاكهة الصيف و مؤونة الشتاء”,فأقبلوا على تجفيفه و تخزينه ثم دقه و طحنه,لمواجهة ليالي الشتاء الطويلة و الباردة و تحسبا لمجاعة أو جفاف قد يضرب المنطقة(مثل جفاف و مجاعة 1982),أو لفيضانات تحول مناطق شاسعة من الواحتين إلى جزر معزولة عن العالم الخارجي بلا مؤونة و لا طعام غير ما وفروه في “أحانو نلخزين Ahano n Lkhzin”(11) من تين مجفف و جوز و لوز…
و ليس المكونيون و الدادسيون وحدهم من أقبلوا على تناول التين إما طازجا في فصل الصيف أو مجففا في وقت البرد,بل لقد عرفه الإغريقيون و الرومان كذلك,حيث دلت حملات التنقيب في مدينة بومبي(Pompeii مدينة رومانية قرب نابولي الإيطالية) على وجود التين المجفف…و من هنا كان للتين قدسية عند الرومان(12),و يرجع سبب الإقبال عليه بكثرة في فصل الشتاء إلى كونه غني بالسكريات مما يعطي للجسم سعرات حرارية تمنحه القوة و الطاقة اللازمتين لمواجهة قر الشتاء,حتى أن أهالي دادس و مكون يعتبرونه “علاجا للبرد”(13).
و لما كان التين يمد الجسم بالطاقة فقد أقبل عليه العبيد و المزارعون و الرياضيون إلى درجة أن الدولة الإغريقية في فترة من الفترات التاريخية منعت تصديره إلى الدول الأخرى(14).
يتكون التين من سكر “الديكستروز Dextrose” الذي يشكل 50% من مكونات التين,إضافة إلى فيتامين A و B و c و نسب عالية من الكالسيوم و أملاح الحديد و البوتاسيوم,و تبلغ السعرات الحرارية ل100 غرام من التين الطازج 70 سعرة في حين تصل إلى 270 سعرة لنفس الوزن بالنسبة للجاف(15),و هذا يؤكد الإقبال الكبير على التين الجاف خاصة في أوقات البرد.
لقد استعمل التين في الطب القديم,حيث يعتقد أنه يجلو رمل الكلي و المثانة و يغسل الكبد و الطحال و يسكن العطش و السعال,و ينفع في خشونة الحلق و القصبة الهوائية(16),كما له استعمالات و فوائد لا تعد و لا تحصى فهو يستعمل كذلك كملين طبيعي,و مهديء للأعصاب…
على سبيل الختم,لا تنسى و أنت تمر من أحد المراكز الحضرية لواحتي مكون أو دادس(قلعة مكونة,سوق الخميس,بومالن دادس),أن تأخذ معك إلى جانب قنينات ماء الورد أكياسا من التين المطحون فقد يعينك في طريقك,و قد لا تجده في مدينتك,و إن وجدته فبأضعاف سعره,لأن المكونيون و الدادسيون-على حد علمنا-هم الذين يتفردون بطحن التين !
1-دادس Dads من بداية الاستقرار إلى تدخل الكلاوي.ذ فاطمة عمروي ص 104ط 1مطبعة Net Impression,Ouarazazte
2-رواية شفوية من دوار بوتغرار(واحة مكون) يؤكدها يوسف أيت صالح الذي يعطي المثال بنفسه هو الذي لا يستطيع أكل التين الصلب لما يسببه له من أوجاع في الأسنان.
3-معاينة ميدانية من بوتغرار و أيت سدرات الجبل السفلى.
4-يوسف أيت صالح أمين تعاونية شريحة صاغرو.
5-رواية شفوية من دوار احديدة-جماعة أيت واسيف(واحة مكون).
6-رواية شفوية من دوار أكوتي(واحة مكون)+معاينة ميدانية.
7-رواية شفوية لصاحب مطحنة التين في قلعة مكونة+رواية شفوية لصاحب محل تجاري لبيع العطور و منتوجات الورد و التين المطحون.
8-معاينة ميدانية+رواية شفوية ليوسف أيت صالح.
9-يوسف أيت صالح.
10-يوسف أيت صالح(ملاحظة الثمن هنا أوردناه بالجملة).
11-غرفة غالبا تكون مظلمة توضع فيها بعض المتلاشيات و ما تجود به الأرض من محاصيل(ذرة,شعير,جوز,لوز,تين…),إلى وقت الحاجة,و يكون مفتاحها بيد المرأة الأكبر سنا في البيت.
12-موقع ويكيبيديا الإلكتروني.
13-رواية شفوية للمهدي أيت صالح مدير تعاونية شريحة صاغرو.
14-موقع ويكيبيديا.
15-نفسه
16-نفسه+رواية شفوية ليوسف أيت صالح تؤكد أن التين المطحون خير علاج لخشونة الحنجرة و السعال و ألم القصبة الهوائية.
المصدرتحقيق :مصطفى ملو
المصدر : https://tinghir.info/?p=13704