حسن أعبدي
يتسم الخطاب اللغوي الانتخابي بالمغرب خلال الحملات الانتخابية بتوظيف معجم لغوي غني بالدلالات والرموز والعلامات السيمائية والبلاغية التي تمتح من مختلف المجالات المعرفية.
الأمر الذي يستفز البحث والدراسة والتحليل العلمي الأكاديمي للكشف عن مكنونات هذا الخطاب سواءا المكتوب أو المسموع أو المرئي وغيره.
نظرا للتشابه الكبير وعدم القدرة على التمييز بين خطابات وبرامج هذه الأحزاب، كما يشير العديد من المتتبعين والمحللين إلى جانب بعض الفاعلين في الشأن السياسي والحزبي بالمغرب في مختلف وسائل الإعلام.
فهذا الخطاب خطاب لغوي ولساني قبل أن يكون خطابا سياسيا حزبيا ومجتمعيا، يعبر عن السياسة اللغوية والوضع اللغوي بالمغرب، من خلال المتح والتمسح باللغة والمركبات الاستعارية و الاصطلاحات المترجمة والمعربة وتوظيف أساليب لغوية وبلاغية تكاد تكون متقاربة.
هو خطاب في مثل هذه الوضعية قال عنه الدكتور محمد العمري الخبير المتخصص في البلاغة الجديدة بأنه يجعل المتلقي يحس بأنه أمام خطاب مُزحلِق مخادع ”وأنه”علةُ العِلل هي البرامج حيثُ اختلط الحابل بالنابل”. فهي لعبةٌ بلاغية: إعطاء الانطباع بالنزاهة وخدمة الوطن.. الخ.
التركيز في هذه المقالة المتواضعة لن يكون إلا على الخطاب المكتوب في وثائق وأوراق في أغلب البرامج الأحزاب في الانتخابات الترابية 2015 ، المنشورة على الشبكة العنكبوتية، أوالموزعة على الكتلة الناخبة في الشوارع والأزقة، كل ذلك بعيدا عن المواقف والتناقضات والصراعات والعلاقات والتحالفات والتفاعلات السياسية والحزبية.
بعد الإطلاع عليها وتفحصها وتقليب دفاتها. دون الحديث على جوانب النبرة الصوتية ولغة الإشارة والجسد والظروف العامة والسياقية والمقامية للخطاب وما إلى ذلك من جوانب أخرى مثل الإفراط في الكلام، وضرورات تكرار الكلام، الهذر، التكلف، الإسهاب كما عند الجاحظ في كتابه البيان والتبين، وكما نجد في كتب التواصل والاتصال الجماهيري والإعلامي والخطابة والخطاب.
ظهر بشكل جلي أن أمرا يلفت الانتباه في هذه المنشورات خاصة في النقط والمحاور الإجرائية والواجهات المطروحة في هذه البرامج أن هناك توظيف لصياغة لغوية مكثفة ومتنوعة تتراوح بين مصادر الأفعال وأفعال المضارعة.
فالبرامج التي تعتمد وتوظف مصادر الأفعال على سبيل المثال لا الحصر :
(تقوية، تعزيز،الإشراك،الترشيح،الالتزام،العمل، إنعاش،تقويم،تعزيز،اعتماد، تحسين،المساهمة،الارتكاز،إحداث،النهوض،إيجاد، رصد، دعم، توفير،خلق، هيكلة،استقطاب، تشجيع، تشييد، حصر،تنظيم،إخراج،الاهتمام، تنزيل، تعبئة، تطوير، تنمية،إعداد، إعمال،تثمين،وضع،تعبئة، إقامة، تقوية، تعزيز،تكريس، الرفع،الارتقاء،تعميم،التصدي،التتبع،السهر،الحرص،عقلنة،إقرار،بلورة،إحداث،التقييم،ضمان،
إبراز،تعزيز،تهيئة،استحضار… إلخ).
يتبين بتتبعها وتعميق النظر فيها أنها تتسم بالتعميم والتعويم والاختزالية والتكثيف بصفة ألفاظ فضفاضة دون تحديد وتركيز وتعيين وتفصيل وتدقيق.
بينما التي توظف أفعال المضارعة في صيغة مستقبلية وعدية عهدية في صيغة المبني للمجهول بضمير المخاطب الجمع مثل : يلتزم، يقترح،يعتمد، حسب،يعتبر،تلتزم، يتضمن،يعتزم،سنعمل، نتعهد، نراهن، نعتبر، تعتقد،… وهلم جرا.
تحاول بذلك الاقتراب من التدقيق والتفصيل والإجرائية دون التوضيح والتحديد والتركيز، وبصياغة غير مرفقة بأرقام وإحصائيات ومواعيد محددة وخطط واضحة ومرسومة ووفق قواعد ومعايير مضبوطة.
فهي أفعال كلامية لا تحتمل إلا احتمالا واحدا الكذب بعيد كل البعد عن الإجرائية والتنفيذ والتطبيق والفعلي والالتزام والتطمينات والضمانات الحقيقية المجدولة.
فيلاحظ أن الأفعال لم توظف بشكل كبير بينما طغت مصادر الأفعال بشكل كبير.
فهذا أحد متتبعي الحملة الانتخابية ليونيل جوسبان يقول بصدد البرنامج الانتخابي لليسار : ” في هذا المشروع، كثير من الاقتراحات إلى درجة غياب الأفكار ”
” فبقدر ما تكون صيغة ما بالغة الإيجاز ومشحونة دلاليا، بشحنة دلالية جامعة globalise فكرة أو عدة أفكار بجعلها في صيغة جوهر مبهمة، بقدر ما تكتسب القوة والجاذبية”.
هذه الفرضية النفسية – الاجتماعية التي تذهب إلى أن الشخص يحس بانجذاب أقوى نحو فكرة ما، حينما تكون هذه غير محددة. هذا الضرب من الصياغة، الذي تم تحليله في عديد من الدراسات، له غاية هي توليد أثر البداهة.
فلا يكون الخطاب خطابا منسجما ومتسقا ومتكاملا إلا إذا كان جامعا بين الإقتناع أولا ثم الإقناع ثانيا.
ولا يمكن لخطاب الاستقناع والتقنع أن يكون خطابا وبالأحرى أن يقدم برنامجا حقيقيا واضحا دقيقا ومضبوطا.
كما أن حضور العنصر الأول وغياب الثاني أو العكس أو غيابهما معا يجعلنا أمام أوراق عادية جدا لا ترقى لمستوى الخطاب والبرنامج.
لذلك فاللجوء لمثل تلك الصياغات اللغوية يجعل القارىء العادي – وما بالك بالقارىء اللبيب- يحس ويستشعر بأن البرنامج غير واضح وغير محدد وغير مقنع.
وفي هذا السياق يقول باتريك شارودو حول الخطاب في الإقناع السياسي بأن الخطاب السياسي ” يضع في صدارة عمله القصد إلى إثارة التفكير والفعل أكثر من القصد إلى البرهنة. لايتعلق الأمر بإقامة الحقيقة بالفعل، باستقلال عن الآراء، وإنما يتعلق بمحاولة تحويل ( تقوية) الآراء المطبوع بالانفعال.
فهو يتأرجح بين نظام العقل ونظام الهوى، جامعا بين اللوغوس والإيتوس والباتوس لأجل محاولة الجواب عن السؤال الذي يفترض أن المواطن يطرحه. ما الشيء الذي يفرض القبول ( أو الإذعان ) بهذه القيمة أو تلك؟.
فهل تعكس هذه المصادر والأفعال الموظفة في هذه البرامج الأمر الواقع ؟
وهل الخطاب اللغوي للبرامج الانتخابية للأحزاب المغربية في الانتخابات المحلية والجهوية خطاب إقناعي حجاجي وبرهاني ؟
بمعنى هل هذا الخطاب نص متماسك ونسيج متسق ومنسجم ؟
هل اللغة تشكل عائقا أحيانا في التعبير عن البرامج الانتخابية أم الإنتاج اللغوي الانتخابي معيب في أصله أم أن هذا تعبير عن الوضع والمشهد اللغوي العام بالمغرب ؟
هل يعمق ويعاد النظر قبل صياغة مثل هذه الخطابات ؟
لماذا لا تعتمد البرامج الانتخابية على لغة أرقام وإحصائيات ومعطيات وبيانات
وخطط ورؤى دقيقة واضحة ومحددة؟
لماذا تم طغت الصياغة المصدرية على الصياغة الفعلية في هذه الخطابات؟
ألا تعبر هذه العبارة الواردة في أحد البرامج الانتخابية ” ليس هذا برنامجا في حد ذاته، بل هذه هي أولوياتنا. ” على أنها خطابات تعويمية تعميمية ؟
ما قيمة هذه البرامج في ظل طغيان خطاب التعيين على خطاب الانتخاب؟
المصدرحسن أعبدي
المصدر : https://tinghir.info/?p=11349