أيــت عــكــي طــالــب
فمن عالم المجرفة أي تلك الآلة الفلاحية الصغيرة التي تسمى بتكلزيمت التي تختلف تسميتها من منطقة الى أخرى، المهم، كان ابن أيت فلان يحملها و يضعها على كتفيه متجها الى الحقول حيث الماء والأعشاب والفصة ومجموعة من الغلاة الأخرى والتنقل بين قنوات سواقي الحقول بهذف استرجاع المياه من الساقية الكبيرة نحو قناة الساقية الصغيرة بغية سقي ابن ايت فلان حقلة الذي يتوفر على غلة قد تكون ما قد تكون الا أنها تبقى في حاجة ماسة الى الماء الذي يسير عبر السواقي صباح مساء وينتظر شخص أيت فلان بمجرفته تحويلها عن طريق بناء قنطرة صغيرة بالأحجار وبمواد بلاستيكية تجعل من الماء يتسرب ويدخل في اتجاه غلة حقله، الذي ينتظر من غلته أن تكبر متتبعا مراحلها لأنه في الحقيقة لا يعرف حقيقتها الا هو.
فابن أيت فلان نعرف عنه التفاني والاخلاص في عمله و لمجرفته حيث احترام نوباة الناس الاخرين ومساعدتهم على أن يتمكنوا في سقي غلات حقولهم المزروعة، نراه منتشرا ومعمرا في الحقول وبالابتسامة العريضة و الواسعة متصف وبالاحترام و الكلام الطيب متداول في حواراته ونقاشاته وللمصلحة العامة والخير يعمل، قد نراه بين الفينة و الأخرى وملابسه مبللة بماء السواقي وبتربة الحقول والطين متسخة، هو قوي البنية و عضلات يديه ممتلئه لو صرفق أحد لرأى النجوم بالنهار،الا أن عنوانه هو السلم اذ العداوة وهو لا يجتمعان، فابن أيت فلان كان رجلا ذو الشأن العظيم وكان يحترمه الجميع.
فابن ايت فلان يقضي يومه في الحقول بحيث تجري في دمائه دماء الحقول بغلاته، اذ نجده لا يكون مرتاحا الا أذا زارها وأطل عليها من قطعة مزروعة الى أخرى وهكذا دواليك يوما بعد يوم الى أن جاء يوم سمعنا ووجدنا فيه أن ابن أيت فلان أراد أن يدخل عالم لعبة السياسة.
وهكذا اذن يسري على ابن أيت فلان ذاك القول الذي يقول اسمع أرزري أي سمع ولم يشاهد حيث سارع ابن أيت فلان الى عند الخياط من أن أجل أن يقطع له الخياط ويفصل له كوستيما و كرافطا يلج بهما عالم لعبة السياسة، بعد أن قصد حانوت بائع الصبابيط واشترى النوع الوحيد فيه لعل أن ابن أيت فلان ينسى حيث ما كان فيه ويتخلص من شبح المجرفة ويرمي بها الى مكان يدعى بتخبوت مكان وضع الآلات الفلاحية ويهجر اكمون وتوساطين و السواقي و الفصة و امراشن وأن يطلق اللاعب في عالم غريب عنه كل الغرابة لعله يفلح وينجح.
فكما هو معلوم فابن أيت فلان لم يعرف الطريق الى المدرسة بحيث مر أمام المدرسة بالليل لظرف من الظروف كتلك المتعلقة بالاقصاء و التهميش و ما الى ذلك في زمن كانت فيه المدرسة والأقسام تمنح لأبناء بابا و ماما.
رغم ذلك وجهل ابن أيت فلان بالقراءة و الكتابة، فقد وجد ابن أيت فلان نفسه محفزا من طرف أعمامه وأبناء أعمامه الكثر وأناس اخرين ينتمون الى عظمه، حيث وجدناه بعد أن تلون بلون حزبي يعمر مع أولئك الذين يفهمون بعض القشاوش في السياسة اذ لا نجده يعمر الحقول كما كان، اذ أصبح منشغلا وينتقل من ذاك المكان الى ذاك ويلتقي ويجلس مع هؤلاء ومع أولئك لعله يقنعهم ويتخلص هو من شبح المجرفة التي تراوده منذ أن فتح عيناه ووجد أن المجرفة على باب تاخبوت المظلمة وعلى جدارحائطه متكئة تنتظر ابن ايت فلان أن ياخذها على كتفيه، ولعله أيضا ينجو من أشواك الحقول ومتاعب الفصة و امراشن وما الى ذلك.
مرت الأيام وامتلئت جعبة فكر أيت فلان وأصبح يروج للقيل و القال حتى وان لم يفهم معناه، حيث أصبح يكبر بالأشخاص الفلانيين ويصغر الاخرين حتى و ان لم يلتقي بهم ولم يراهم يوم من الأيام و ان حتى على التلفاز لأنه أصلا لا يتوفر على التلفاز.
أصبح ابن أيت فلان يقلد و يمشي مشية أولئك السياسيين ويتفركس بالكلام أثناء حديثه تراه يخلط بين لغة الحقول ومشتقاته وبعض من التويشيات السياسية المتآكلة ويعتقد أنه وصل الدروة وو صل القمة وما هي الا بداية وعالم غريب عنه كل الغرابة .
استطاع ابن ايت فلان أن يتخطى المرحلة الأولى وأن يفوز على خصومه لأن أعمامه وأبناء عمومته الكثر وأناس ينتمون الى عظمه كانو هم السبب في فوزه، وبالتالي انتشر القيل و القال عنه، وتساءل الكل عن فوزه، وقالوا كيف لابن أيت فلان الذي كان يعمر الحقول ولا تفارقه المجرفة أين حل و ارتحل في الحقول أن يفوز في الوقت الذي لا يقشر ولا يقشعر شيئا في السياسة، بمعنى أنه هو والسياسة بعيدان كل البعد كبعد السماوات والأرض، وهكذا اذن قالوا انتهت السياسة التي ما هي الا ملعبا ومرتعا لكل من هب و دب.
هكذا اذن لم يصدق ابن أيت فلان أنه في يوم من الأيام سيلج الجماعة الفلانية وسيجلس على كرسي ليست كباقي الكراسي ويجتمع مع أناس ليسوا كباقي الناس في اجتماعات وأي اجتماعات حيث كانت تعطى الكلمة لابن أيت فلان وقت اجتماع المجلس الفلاني ويتصبب عرقا ويتمتم في الكلام و وكان كلامه يستعمل فيه كثيرا كلمة المجرفة الذي تراوده أينما حل وارتحل لأن هذه الأخيرة شكلت طبقة من طبقاته الفكرية، وفي حالة ما اذا تعلق الأمر بكتابة شيء ما فتلك مشكلة أخرى، حيث كان يتكأ على صديقه في الحزب الذي يقوا له انت تعرفني جيدا من أكون ومن أي وسط أنا نابع، اذن تكلف أنت بالأمر.
الكل يعرف مستوى ابن أيت فلان، الا السياسة فهي في واد وهو في واد آخر لأن هذه المرة أصبح الأمر لا يتعلق بكيفية استعمال المجرفة ولا بسقي الحقول وما الى ذلك، وانما الأمر يتطلب العلم والمعرفة والتحليل وقراءات أفكار منافسيه و مشاريعهم السياسية المستقبلية ومصالحهم الشخصية، وبالتالي فقد أصبح ابن أيت فلان بمثابة تلك السمكة الصغيرة في أفواه القروش الكبيرة التي تمرر ما أرادت و تستولي على ما أرادت وتسرق ما وجدت وأمام أعين ابن أيت فلان الذي لا يقشعر شيئا و ما ابن أيت فلان الا كمثل ذلك البطق على حلبة السطرنج يتم تحريكه وقت ما يشاءون ويجمدونه وقت ما يشاءون في الوقت الذي هو يعاني الجمود أصلا، فرغم حضوره الا أنه يبقى بدون فاعلية وبدون جدوى، فلا ابن أيت فلان ساهم في تنمية مناطقه وفعل ما يشكر عليه، فقد خاصمه الكل، وحتى أعمامه وأبناء عمومته خصموه بعد أن وعدهم بأنه سوف يشغلهم في حالة فوزه ولا ناس ساكنته شرفهم ورفع من شأنهم .
هكذا اذن عرفنا عن حياة تجربة مسار سياسي تافه لابن أيت فلان الذي لم نعرف عنه سوى الفراغ الذي أمتلأه ليس الا.
ومرت الأيام، وابن أيت فلان وجدناه عاد الى عادته القديمة، وأصبح يعمر الحقول هو و مجرفته ، لكن السؤال المطروح هل سيكون ابن أيت فلان كما كان؟ وهل سيكون عالم لعبة السياسة لكل من هب ودب؟
المصدرأيــت عــكــي طــالــب
المصدر : https://tinghir.info/?p=10487