كلمات توقير الكبير و طرق المصافحة عند أهالي مكون

admin
اقلام حرة
admin19 يوليو 2015
كلمات توقير الكبير و طرق المصافحة عند أهالي مكون
مصطفى ملو
من المعروف أن لكل مجتمع كلمات و ألفاظا يستعملها للتعبير عن توقير الكبير و احترامه,فنجد مثلا المجتمع المغربي الدارج(نسبة إلى الدارجة)يستعمل كلمات من قبيل”الحاج” أو “الحاجة” في التعامل مع المسن و إن لم يكن “حاجا” بالمعنى الديني,و لكن تعبيرا عن الاحترام الواجب له,اعتبارا للقدسية و المكانة الدينية للحج,أو ألفاظا من مثل: “الوالد,الوالدة,الشريف,الشريفة,عمي,خالتي…(حتى و إن لم تكن هناك قرابة ما,إلا أن استعمال هذه الكلمات في التعامل مع الآخر المسن يعني أنه محترم و موقر لأنه في مقام الوالد أو الوالدة و أنه شريف…) و في سوس يستعملون “دا” و هناك من يقول “دادا”,أما في الثقافات الأوربية فنجد الإنجليز يستعملون “Sir,Mistress,Master…”و الفرنسيون “Monsieur,Madame…” و الإسبان”señor,señorita…”وعلى هذا الأساس المبني على التنوع و الاختلاف,فإن”للمجتمع المكوني” هو الآخر كلمات يوظفها عند التعامل مع الكبار,فإذا قصدت واحة مكون المترامية الأطراف عليك التزود بالقاموس اللغوي المكوني خاصة ما تعلق منه بألفاظ احترام و تقدير الكبير,لأنك و لاشك ستصادف رجالا مسنين راكبين على بغالهم في تلك الفجاج أو جالسين أمام المسجد أو نسوة متقدمات في السن محلقات حول المنسج أو ينقين الزرع أو جالسات يتشمسن و ربما تجمعك بهم و بهن لقاءات إن كنت راغبا في السؤال عن أمر ما أو سبر أغوار الماضي المكوني و كشف كنوزه الدفينة.
لذا نرى أنه من المهم أن نعرض عليك بعض الألفاظ المستعملة لهذا الغرض,حيث إن المكوني لا يستعمل كلمة “عمي” للتعبير عن توقير و احترام من يكبره سنا,كما هو الشأن عند العطاويين و المرغاديين من قبائل المنطقة و الدوارج المغاربة(كما وضحنا سلفا),بل إنك قد تكون محط السخرية و مثار الاستغراب إن أنت استعملتها مع أحدهم,لأن المكوني لا يوظف هذه الكلمة(عمي) إلا عند التعامل مع عمه الحقيقي أي شقيق والده,أما الشيخ المسن أو زعيم القبيلة(أمغار) فينادى عليه احتراما و توقيرا “خاو”,فيقولون مثلا “خاو موح”,”خاو علي”…و الطريف في الأمر أن “خاو” تستعمل كذلك عند التعامل مع النساء المسنات فيقول الطفل الصغير أو الشاب لمن تكبره سنا”خاو عيشة”,”خاو يجة”… !!!
و من الألفاظ الأكثر استعمالا عند التعامل مع الكبار و التي يختص بها الذكور دون الإناث “واباWaba “,فيقول الأخ الصغير لأخيه الكبير “وابا عبد الله”,و يقول الشاب لمن يكبره سنا “وابا أولعيد”,”وابا سعيد”…و تعتبر كلمة “خالي” كذلك من قاموس التوقير و الاحترام عند أهالي مكون إلا أن استعمالها ضئيل جدا,و في حالة التعامل مع أصحاب السلطة أو “الطبقة المثقفة” كالفقهاء و الأساتذة فيستعملون كلمة “السي” للتعبير عن رفعة مقامهم و سمو مكانتهم.
هذا بالنسبة للتعامل مع الذكور,أما الكلمات التي تختص بها النساء,فنجد “للا” مضافة إلى اسم المعنية بالتوقير فنقول مثلا” للا يزة”,”للا حليمة”…
و المثير هنا أن “خالتي” لا تستعمل عند المكونيين إلا للدلالة على الخالة الحقيقية أي شقيقة الأم و ليس على التوقير عكس بعض المناطق الأخرى.

نستنتج مما تقدم أن المكونيين لا يستعملون للتوقير العبارات الدالة على علاقة الدم ك”خالتي” و “عمي”,في حين يستعملون كلمة “خالي” في حالات نادرة جدا.
كما وجب التذكير بأن “خاو” يشترك فيها الرجل/الذكر و المرأة/الأنثى.
أما عن طرق المصافحة فإن من عادة المرأة المكونية(نسبة إلى المجال الجغرافي المكوني) أن تصافح أخرى يدا بيد,تقبل إحداهن يد الأخرى من الظهر مرتين,و في المرة الثالثة تقبل رأس أصابعها هي,هذا عندما تكون المرأتان المتصافحتان في نفس السن أو متقاربات فيه.
أما عندما تكون المرأة الشابة أمام من تكبرها سنا فإنهما تتصافحان بنفس الطريقة مع إضافة حركة أخرى و هي أن الشابة تقبل جبهة التي تكبرها سنا أو تلمسها بأصابعها(أي جبهتها)ثم تسحب يدها نحو فمها لتقبلها,كأنها تتبرك بهذه الجبهة و تعتبرها هامة كبيرة ينبغي الاقتداء بها.و هذه الطريقة في المصافحة هي نفسها المنتشرة عند النساء العطاويات.
ليس عيبا عند المكونيين أن يصافح الرجل المرأة و تصافح المرأة الرجل يدا بيد,كما هو الشأن عند باقي قبائل الجنوب الشرقي,إلا أن هذا الأمر يقتصر على المسنين و الكهول,و لا تتعدى هذه المصافحة أن يقبض أحدهما بيد الآخر ثم يسحبها بسرعة مقبلا رأس أصابعها(أي أصابعه هو و تقبل هي رأس أصابعها) و قد يحدث أن يقبلا يد بعضهما البعض من الظهر بلا عقد و لا إشكاليات,أما الشباب من الذكور و الإناث فمصافحتهم هي أن يلامس أحدهما يد الآخر ثم يقبل رأس أصابعه و تفعل هي نفس الشيء مع أصابعها مما يفقد لمصافحتهما الحميمية و “يبرؤها مما قد يحوم حولها من الشكوك”,و قد لا يتصافحان في لقائهما أمام الناس.
و عند لقائهم(أي الشباب ذكورا و إناثا) مع من يكبرهم سنا من الرجال فإنهم(و إنهن) ينحنون لتقبيل يده دون أن يبادلهم بنفس الأمر,و هذه العادة هي السائدة عند أغلب الجنوب شرقيين كتعبير عن الاحترام و التوقير !!

إلا أن المؤسف هو أن هذه العادات ذات الدلالات العميقة,الخالية من البرتوكولات و التصنع المليئة حميمية عذرية و احتراما عفويا ماضية في الاندثار,فأصبحت ترى الشابة المكونية تصافح زميلتها مصافحة عصرية تقتصر على التقبيل في الوجه دون استعمال الأيدي,و أضحيت ترى الشاب المكوني يصافح صديقه وجها لوجه ثم يتوجه بيده نحو قلبه,بل صار الذي يتصافح ب”الطرق التقليدية” ينظر إليه ك”رجعي” و “متخلف”,و قد عاينت ذلك من خلال تعاملي مع تلامذتي,ففي السنوات الأولى كنت أتصافح مع أحدهم فيقبل رأس أصابعه,لكن بعد أن انتقلوا إلى المستوى الثانوي و قصدوا قلعة مكونة أصبحوا يصافحونني مصافحة عصرية,يعني أنهم صاروا”حداثيين” و كأن لسان حالهم يقول “لقد تركنا خلفنا ما وجدنا عليه آباءنا”,و قد ذكرني ذلك بقصة حكاها لي أحد شباب بلدة “عمار” الواقعة بالقرب من ألنيف,حيث قال أنه ذات يوم بينما كان يصافح امرأة مسنة,لم يقبل رأس أصابعه كما فعلت هي,بل وضع يده على قلبه كما هي عادة كل الشباب,فما كان من المرأة إلا أن ثارت في وجهه قائلة:” يا قليل الحياء أهذا ما تتعلمونه في المدرسة؟أهكذا يتصافح الناس؟ما هذه المصافحة الغريبة…” !
meloooooo55
الصورة من مسرحية لتلامذة مدرسة إمزيلن(إغيل نومكون)

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.