عبد الحكيم الصديقي
تعطي الساحة السياسية بمدينة تنغير الانطباع بأنها دخلت حالة من البيات الشتوي بعد انحسار دور العديد من الفاعلين السياسيين في الظهور بمظهر الطهرانية والعمل بنظرية “واضمم يدك إلى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء آلية انتخابية أخرى”، وذلك راجع لتجاهلهم وضع الديمقراطية كقاعدة وكهدف لهذه الساحة، هذا الانطباع ربط به هؤلاء بين مثاليتهم التهويمية في تدبير الشأن المحلي، وبين استمرار حالة العطالة التي تعرفها الساحة السياسية التنغيرية، وذلك لاعتقادهم أنهم الفاعل السياسي الوحيد القادر على تقديم ما يشبه الضمانات على أحقيتهم في وراثة التموضع على كراسي تدبير الشأن المحلي.
إن هذا الانطباع وهذا الموقف يتعارض مع الاختيارات الاجتماعية المعلنة لهذا الحزب، ومع تطلعات الذين صوتوا عليه، ومع مبادئ العدالة الاجتماعية، كما أنه يأخذ مسارا متعارضا مع التحول الديمقراطي الذي يتطلع إليه المجتمع التنغيري، ولذلك يتساءل العديد من المتتبعين للوضع السياسي بتنغير عن حقيقة امتلاك حزب العدالة والتنمية بالمنطقة لبرنامج واضح المعالم ومؤسس على معطيات دقيقة تنم عن إلمام كاف ببنية المجتمع التنغيري، بل إن التساؤل يمتد ليشكك في مدى إدراك هذا الحزب لمدلول برنامجه السياسي المنبثق من مرجعيته وأيديولوجيته المحافظة.
ولا أدل على ما تمت الإشارة إليه من ضلوع بعض قيادات الحزب بتنغير في تنمية الشعور بهذا الانطباع خصوصا بعد اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، إذ بدأت أنظارهم تتجه نحو إحداث صراعات افتراضية تتخذ شكل حملات انتخابوية سابقة لأوانها، تتقدم للكتلة الناخبة بمجموعة من الوعود التي اعتبروها صادقة في زعمهم يكشفون من خلالها العديد من الخروقات التي تورط فيها سماسرة العقار الذين كانوا على رأس تدبير بلدية تنغير في الولايات السابقة لولايتهم الفاضلة، طبعا دون مراعاة لبعدها الزماني والمكاني، أو تفعيل لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، معتمدين في هذا الكشف المعجز والخارق على مواقع التواصل الاجتماعي، كتقنية وتكتيك للتحكم والسيطرة على السيرورة الطبيعية للمشهد السياسي.
في مقابل هذا الكشف الموساوي والفيض الافتراضي الذي يعمل بشكل أو بآخر على نخر المقاربة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، هناك من شيوخ الحزب ومريديه من نهج نهجا آخر هو أقرب إلى الفوضى السياسية والدفع باتجاه التفكيك السياسي نتيجة الاحتماء بالبداهات، منه إلى المساهمة في تخليق العمل السياسي والعمل على أولوية التوافق بين المكونات السياسية المحلية ذات العمق الشعبي، يتجلى هذا المظهر في نشر هؤلاء لأخبار كاذبة ومزيفة مع سبق الإصرار والترصد، بهدف التشكيك في مصداقية أحزاب أخرى والضرب في شرعيتها القانونية والتنقيص من قياداتها، وذلك كما قلنا سابقا نتيجة لاحتمائها بالبداهات التي تقولب عقل ذلك الفاعل السياسي، وتوجه تحركاته، وهو دليل أيضا على جموده الفكري متعدد الوجوه، الذي تضبطه أفكار محسوبة يدور في فلكها، وأكيد أن عدم اطلاعه على التفاصيل والجزئيات وتحري الحقيقة والصدق قبل نقل تلك الأكاذيب، يجعل منه كائنا انتخابيا موسميا بامتياز، نظرا لخروجه من خيمة حزبه مائلا، مصداقا لقول القائل: كيف يستقيم الظل إذا كان العود أعوج؟.
لقد أضحى هذا الخواء الفكري والشعبوية في التنظير والخطاب الذي يحرص على دغدغة مشاعر المجتمع التنغيري ومخاطبة وجدانهم مظهرا من مظاهر الداء العضال الذي أدخل هذه النخب السياسية في بوتقة تزييف الوعي الجماهيري والتعبئة الانتخابية المدججة والمهتجسة بفكرة التصارع اللاعقلاني على تدبير الشأن المحلي. ومن هنا كانت الدعوة إلى المصالحة بين المعرفة والسياسة لتخليق العمل السياسي والنهوض بالوعي السياسي للمجتمع التنغيري دعوة ملحة ورؤية بديلة عن السياسة الشعبوية المبتذلة التي ستؤدي لا قدر الله إلى مخاطر على مستوى المجتمع والدولة والأمة.
المصدرعبد الحكيم الصديقي
المصدر : https://tinghir.info/?p=10119