محمد أيت الحاج كاتب روائي
وباحث في علم الاجتماع، ومشرف تربوي.
مجتمع تسود فيه مفاهيم من قبيل الحشومة والعار والخوف دون القدرة على السؤال والبحث عن الأجوبة العقلانية والمعقولة، ينتج لنا أفراد يسكنهم الخوف والخضوع والجهل، والإيمان بأفكار مدمرة لا أساس ولا مرجع منطقي لها، بل تظل أفكار ظلامية تزرع في نفوسهم الخضوع و أمراض وعقد نفسية ترافقهم طوال حياتهم، وقد تظهر في بعض أفعالهم وممارساتهم اليومية، لذلك كان مجتمع الحشومة سابقاً له إيجابياته وسلبياته في بعض المواقف، خاصة تلك المرتبطة بالمجتمع الأنثوي، حيث القمع وممارسة الفلسفة الذكورية في بعض الأمور من قبيل ترسيخ تمثلات اجتماعية حول ولوج المرأة سوق الشغل أو إتمام دراستها، ونجد هذه الاشياء في المجتمعات القروية في وقت سابق، لكن حاليا بفعل العولمة والتكنولوجيا أصبحت منظومة القيم في هذه التنظيمات الاجتماعية تعرف تحولات كبرى، في ظل غياب الضابط الاجتماعي الذي يؤطر العلاقات الاجتماعية، و استقلال الأسرة والوكالة الاجتماعية التي لا تقوم في وقتنا الحاضر بمهمتها كما ينبغي، مما أنتج لنا خلل وظيفي في بنية هذه التنظيمات الاجتماعية.
والسؤال المطروح هنا هو: هل مجتمع الحشومة ترك أثر نفسية واجتماعية في المخيال الجمعي للأفراد؟ أم هناك أسباب أخرى أسهمت فيها التقنية في ظل غياب الضابط الاجتماعي الذي يؤطرها؟
من خلال هذه السؤال يتضح لنا أن هناك عوامل أخرى اكتسحت مجتمع الحشومة وسيادة القيم والأخلاق كما كان في السابق، بحيث أصبحنا نشاهد ظواهر جديدة مصاحبة للعالم الجديد، الذي يعمل هو الأخر إلى توظيف وسائله وأساليب لمحاربة كل ما يرتبط بالحشومة، بدريعة الانفتاح والتطور، مدمرا بذلك القيم ومنظومة في الأخلاق، خاصة في وقتنا الراهن التي استقالة الأسرة من مهامها ولم تعد تمارسها، بل تركت كل شيء للشارع ولوسائل التواصل الاجتماعي، ولا أحد قد ينكر هذا الواقع والحقيقة، وفي أنفسهم يعتقدون أن هكذا يكون التطور والتقدم، أن تتوفر على هاتف وصبيب أنترنت وتكون لك القدرة على صناعة الفيديوهات وتصميم الصور ونشرها عبر المنصات الرقمية، بحثا عن الشهرة وفي الغالب المال بكل الوسائل، دون استحضار الضابط الأخلاقي والقيم، وهذا شيء مدمر للهوية الإنسانية، وهذا الأمور تكرس أفعال لها أثر على البناء النفسي والاجتماعي للأفراد، وعلى المسار العام للمجتمع بصفة عامة، وعلى هذا الأساس لابد من التفكير في تأطير هذا المجتمع الذي خرج من بوتقة الحشومة والعار إلى مجتمع التحرر والدمار الأخلاقي، لهذا لازم التفكير مستقبلا في بناء إطار أخلاقي وقيمي وقانوني يؤطر تعامل الأفراد مع الوسائل الجديدة ” التكنولوجية”، لكي لا يجد الفرد نفسه بدون هوية أو قيم و أخلاق.
وفي هذا المقال حاولت إبراز أوجه مجتمع الحشومة ومجتمع التقنية أو العولمة، بغية إظهار المخلفات التي ترسخت في إذهان الأفراد، والتي لازالت تقود بعض أفكارهم إلى يومنا هذا، بالرغم من الإيمان بالتحرر المزيف، فهناك سلبيات تظهر لنا من خلال الظواهر الشاذة التي نشاهدها اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من عنف جنسي وجسدي وأخلاقي، هي نتيجة للتحرر المزيف الذي يكشف المستور والطابوهات المجتمعية التي كان مجتمع الحشومة يخفيها في ثيابه بدريعة العار وغيرها من المصطلحات، لكن يبقى أثرها إلى يومنا هذا في البناء النفسي للأفراد الذين عاشوا في تلك الحقبة وقاموا بتمرير بعض الأشياء إلى الجيل الجديد عبر التنشئة الاجتماعية، ولكن مع تقدم وسائل وتقنيات التواصل الاجتماعي ظهرت ولم تعد كما في السابق، بل خرجت عن السياق وأضحت تهدد النظم الأخلاقية و القيمية للمجتمع المعاصر.