عبد الهادي جلال… حين تنطق اللوحة بلغة الطين والنخيل والهوية

هيئة التحريرمنذ 18 دقيقة
عبد الهادي جلال… حين تنطق اللوحة بلغة الطين والنخيل والهوية

تنغير أنفو

الفنان التشكيلي عبد الهادي جلال، من مواليد يوم 25 مارس 1982، بحي تاوريرت نيمزيلن – تنغير، جهة درعة تافيلالت، المملكة المغربية.يعتبر فنانا عصاميا، مبدعا في الفن التشكيلي يتميز أسلوبه الفني بالجمع بين التشبث بالأصالة والتجديد.شارك في عدة معارض مرتبطة بالصناعة التقليدية على المستوى المحلي والجهوي.

كما قام بتأطير ورشات الرسم لفائدة الأطفال.كما شارك في العديد من الأنشطة والمناسبات الفنية والثقافية داخل الإقليم، خاصة الأنشطة التي تبرز التراث المحلي والهوية البصرية لواحات تودغى، أعماله تحاكي الروح الجماعية والموروث المحلي وتعكس حسًا تعبيريًا بصريًا راقٍ.

الجانب التقني:اسم صاحب اللوحة: عبد الهادي جلال عنوان اللوحة: “القصبة”تاريخ إنجاز العمل: 2025

الخامة والحامل: صباغة على قماش.تحليل تشكيلي للوحة “القصبة”تمثل هذه اللوحة التشكيلية عملاً بصريًا نابضًا بروح الجنوب المغربي، حيث يبرز الفنان معمار “القصبة” كرمز محوري، ليس فقط باعتبارها بنية مادية، بل ككيان ثقافي واجتماعي ووجداني. فاللوحة لا تنقل مشهدًا واقعيًا بقدر ما تعبّر عن “حمولة رمزية”، تعكس الانتماء إلى الأرض، والتشبث بالجذور، والحنين إلى ماضي الأجداد، والخوف من اندثارها (القصبة) تفاديا لاندثار الهوية في زمن التغيرات المتسارعة، التي يعرفها العالم بأكمله، وليس المنطقة فقط، وهي بمثابة “وثيقة ترافع” من أجل القيام بما يلزم للحفاظ على التراث.

التكوين والبنية البصرية:القصبة تحتل مركز اللوحة، ما يمنحها وزنًا دلاليًا كبيرًا. عمقها المعماري، المتمثل في الأبراج الأربعة والزخارف الطينية، يعكس أصالة البناء التقليدي التاريخي المغربي، القائم على الطين، الشمس، والبساطة الوظيفية، خاصة أن اختيار الرسم من الوضعية الأمامية للقصبة يوحي بالصلابة والاستقرار، وكأنها “تواجه” المتلقي، لا لترويه فقط، بل لتسائله أيضًا عن علاقته بالتراث والانتماء.الألوان والدلالات:استخدم الفنان في رسم اللوحة ألوانا مختلفة، يطغى عليها اللون الدافئ، في رسم “القصبة”، المتمثل في اللون البني، لون التراب، لتجسيد جدران وهيكل القصبة؛ بينما وظف اللون الأخضر للنخيل؛ والأزرق للسماء والجبال، وهذا التباين والتمايز بين الألوان ليس عشوائيًا، بل يحمل دلالات:o البني: الارتباط بالأرض، بالتاريخ العريق بالجذور والهوية..o الأخضر: الأمل، الحياة وسط القحط..o الأزرق: الانفتاح، الروح الطيبة، الطمأنينة، والاستقرار..كل هذه الألوان موزعة بعناية لتخلق “توازناً بصريًا وروحيًا”، تجعل المتلقي يتفاعل مع المشهد، ويشعر وكأنه داخل مشهد حقيقي، يجعله جزءا منه، وكأن الفنان يقحم المتلقي في اللوحة، ويجعله عنصرا فاعلا وحيويا فيه.

الرمزية والبعد التجريدي:اللوحة تتجاوز حدود المنظور الجغرافي، وتفتح الأفق أمام المُشاهد/ المتلقي، للسفر عبر نفسيته في فضاء رحب، في محاولة للبحث عن إجابات لأسئلة عميقة في كينونته النفسية والوجدانية، من قبيل:o ما معنى الانتماء إلى مكان؟o كيف نحدد وننشئ ذاكرتنا الجمعية؟o هل يمكن للعمارة أن تكون تعبيرًا عن الذات، وكيف؟القصبة، برمزيتها، تمثل “البيت الكبير”، الحاضن، للفرد وللجماعة، كونها حيزا مكانيا يلم الجميع، لكنها أيضًا، في المقابل، تعتبر رمزا للسلطة، وللهوية الفردية والجماعية. أما النخيل المنتصب في الخلفية فهو ليس مجرد نبات، بل شاهد على الصمود في وجه الزمن والجفاف، وتقلبات المناخ، وشاهدة على إرث الأجيال السابقة، التي كانت جزءا من المكان، وبالتالي عنصرا فاعلا من عناصر الهوية التاريخية والاجتماعية، التي تبقى دائما حاضرة بروحها وببصمتها في الوجود، لا تزال تؤثر بقوة في توجيه الأجيال الحالية واللاحقة بعدها، وهو ما يفرض على المتلقي، وبقوة، طرح التساؤل حول دور التاريخ في تشكيل هوية الحاضر والمستقبل، وهل للتاريخ سلطة على الحاضر، وبالتالي المستقبل، أم أن الإنسان هو من يجعل عليه قيود التاريخ / الماضي يكبله عن عيش الحاضر والمستقبل؟ الأسلوب الفني:ينتمي العمل إلى “الاتجاه التعبيري الرمزي”، حيث قام الفنان بالاهتمام بالتأثير البصري والوجداني النفسي، متخليا عن الدقة والواقعية في التفاصيل، فالفنان لم يرسم قصبة كما هي، بل كما يتم الإحساس بها، وهو أسلوب يخاطب الحس الوجداني والهوية التاريخية، والانتماء النفسي، للحيز الجغرافي، المتشبع بثقافة القصبات والقصور، عبر العصور.

خلاصة:”القصبة” ليست مجرد لوحة تشكيلية، بل وثيقة تاريخية، وهوية بصرية، تحفظ جزءًا من الذاكرة المغربية الجماعية، بشكل عام، والذاكرة الجماعية بمنطقة تودغى. هي رواية “شكلية لونية” تحكي بلغة الأشكال والألوان عن هوية تُقاوم النسيان، عن جدران قائمة شامخة، وعن نخيل باسق لا يموت. الجانب التقني:اسم صاحب اللوحة: عبد الهادي جلال عنوان اللوحة: “الهوية”تاريخ إنجاز العمل: 2025

الخامة والحامل: صباغة على قماش.الوصف العام:تستند هذه اللوحة إلى أرضية صفراء مشعّة، توحي بالضوء، الشمس، والحرارة الطبيعية (الصحراء)، تنتشر أشجار النخيل برموزها المألوفة بلون بني وأخضر متدرج، بينما تطفو فوقها رموز بيضاء وأخرى بلون الطين، تستدعي الأبجدية الأمازيغية (تيفيناغ) أو رموزًا طقسية قديمة. هذا التراكب والتمازج بين الرموز الثقافية والأشجار يمنح اللوحة طابعًا روحيًا وتأمليًا، ذا روح الهوية المتجذرة.التحليل الفني والرمزي:اللون كأداة تعبير: الأصفر الفاتح: خلفية قوية تُحاكي شمس الصحراء. لكنها ليست فقط حرارة طبيعية، بل حرارة هوية، ذاكرة، جذور. الأخضر: بدرجاته يشير إلى الحياة داخل الفضاء القاحل، وإلى قدرة الإنسان على مقاومة الظروف القاسية بالارتباط بالأرض، والتشبث بها.الرموز البيضاء والبنية: تعبر عن مكونات المجتمع المتنوعة، الإنسان الواعي بأهمية الأرض أساس الاستقرار.

الرموز الأمازيغية:استُخدمت هنا بشكل حر وتجريدي، دون ترجمة حرفية، وظيفتها ليست لغوية مباشرة، بل “رمزية”، بحيث إن حضورها فوق أشجار النخيل يوحي بكون الذاكرة والثقافة ليست منفصلة عن الطبيعة، بل مغروسة فيها، ومنسجمة معها، منها الرمز “ⵣ”، رمز الإنسان الأمازيغي، المتميز بالصلابة في مقاومة الاندثار والفناء، والتشبث بالحرية، مما قد يُوحي بأن الحرية متجذرة في هذه الأرض وسكانها.

تراكب المستويين:أشجار النخيل والرموز اللغوية الأمازيغية موضوعة في مستوى واحد بصريًا، دون عمق تقليدي أو منظور أفقي محدد، مع تباين في الحجم والاتجاه والألوان، وهو ما يمنح اللوحة بُعدًا رمزيا ونفسيا وثقافيا، بحيث تجعلنا اللوحة، ومن خلالها الفنان طبعا، أمام “رؤية مجردة وإحساس”، وليس مشهدا واقعيا بالضرورة، إضافة إلى أن التداخل يُحاكي العلاقة بين الطبيعة والهوية، حيث لا يمكن فصل الشجر عن اللغة، ولا التراب عن الذاكرة.البعد الرمزي:يمكن اعتبار هذه اللوحة “تجسيدًا بصريًا للهوية ككيان عضوي”، لا يتشكل فقط بالكلمات، ولا فقط بالأرض، بل بتفاعل الاثنين. وكأن الفنان يصرح أن: “كل رمز نكتبه، ما هو في الحقيقة إلا جذر من الجذور التي نغرسها”.

خلاصة:لوحة “الهوية” ليست فقط تعبيرًا جماليًا، بل هي تصريح بصري لهوية مقاومة، تأبى الاندثار والأفول والاضمحلال، فقد وظف الفنان فيها عناصر بسيطة لقول شيء عميق، وهو “نحن لا نحيا فقط في الواحة، بل نحيا بها، وبما تركه الأجداد من عناصر تشكل هويتنا”.إن استخدام الرموز الأمازيغية بتلقائية وعفوية، داخل، وبتداخل مع، الطبيعة هو دعوة صريحة للمصالحة مع الذاكرة والكينونة، ورفض للقطيعة مع الماضي والتاريخ.

الجانب التقني:اسم صاحب اللوحة: عبد الهادي جلال عنوان اللوحة: “المرأة التودغية”تاريخ إنجاز العمل: 2025

الخامة والحامل: صباغة على قماش.هذه اللوحة تمثل بورتريهاً لامرأة تقليدية، وُضعت بعناية وسط خلفية طبيعية مغربية، تبدو كأنها واحة نخيل وجبال بنفسجية في الأفق. التحليل الفني:الموضوع:المرأة هي محور اللوحة، ترتدي لباساً تقليدياً مزخرفاً وأكسسوارات (قلادة وردية)، مع وشاح يغطي جزءاً من رأسها، ما يرمز للأنوثة والهوية الثقافية بمنطقة تودغى. الابتسامة الخفيفة والملامح الكبيرة تعطي انطباعاً بالبساطة والعفوية، والصفاء الروحي للمرأة التودغية بشكل خاص، وللإنسان التودغي بشكل عام.

الألوان:استخدام الفنان الألوان الفاتحة والمشرقة (الأزرق، الوردي، البنفسجي، الأخضر، الأصفر) خلق في اللوحة جواً من الانشراح والسكينة، والهدوء النفسي للمرأة، التي تنقله بدورها إلى المتلقي، بشكل عفوي وفطري.الخلفية البنفسجية الجبلية والأشجار توحي بكون المرأة تنتمي إلى منطقة فلاحية واحية، وهي ألوان زاهية تجعل المتلقي يشعر بالاطمئنان، والانجذاب إلى الانغماس في الفضاء الواحي بتودغى.

الأسلوب:اللوحة بأسلوب فني تعبيري عفوي، لا يهتم بالدقة والاغراق في التفاصيل، بل يركّز على التعبير العاطفي والرمزي، فالعينان كبيرتان، ترمزان فيهما “نظرة فاحصة الوضوح والصفاء”، أما الزخارف على الثوب فتوحي إلى العناية بالحرف اليدوية والتقاليد، وإبراز أهمية الحفاظ على الموروث الثقافي والاجتماعي لمنطقة تودغى، كما ترمز إلى المكانة الخاصة للمرأة لدى الإنسان التودغي، الذي يعتبرها أيقونة الحياة، مصدر السعادة، وأساس التماسك والترابط العائلي والمجتمعي.

الرمزية والدلالات:المرأة كرمز للأرض والهوية: تمثل اللوحة تمجيداً للمرأة القروية/الصحراوية، حيث الطبيعة تحيط بها وهي مركزها. الوجه الهادئ والمنشرح في مقابل الخلفية الغنية، مما يعكس أن هذه المرأة تحمل في صمتها معاني التاريخ والتراث والاستقرار.الجبال البعيدة ترمز إلى الثبات، والتحديات التي تقف شامخة أمامها، بحيث إن المرأة التودغية تتميز بالقوة والصلابة، تجعلانها تتجاوز كافة التحديات، وتجعلها متجاوزة وراء ظهرها، بالرضا والاطمئنان.النخيل يشير إلى صفة الكرم لسكان منطقة تودغى، كما يرمز إلى الجذور العميقة في أرض المنطقة.

الرسالة الممكنة:قد تكون اللوحة تحيةً للمرأة القروية، لا بوصفها فقط ربة بيت، بل بكونها “حارسة للقيم الثقافية” وسط عالم يتغير بسرعة. حضورها الواثق وسط عالم طبيعي جميل وبسيط يعكس “انسجام الإنسان مع بيئته” عندما يحيا بهويته الحقيقية.

مبارك بويقوش: أستاذ مادة الاجتماعيات بالثانوية التأهيلية مولاي عبد الله بن حساين بتنغزوت، رئيس نادي تازوري للسينما والفنون.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة