بين المطر والثلج: حين فقدت القرية مناعتها الاجتماعية !

هيئة التحريرمنذ 5 دقائق
بين المطر والثلج: حين فقدت القرية مناعتها الاجتماعية !
أبو هداية التودغي

لم يكن المطر يومًا في ذاكرة المغاربة سوى بشارة خير، ولا كان الثلج سوى رمزًا للنقاء والعطاء. لكن في السنوات الأخيرة، تغيرت الصورة بشكل مقلق؛ فأصبح المطر مرادفًا للفيضانات، والثلج عنوانًا للعزلة والأزمات. هذا التحول يعكس بوضوح كيف فقدت المجتمعات القروية والجبلية جزءًا من قدرتها التقليدية على التكيف، لتجد نفسها اليوم في موقع الاتكال شبه المطلق على تدخل الدولة.

لقد كان سكان الجبال في الماضي يواجهون قسوة الطبيعة بما توفره لهم مناعة الاكتفاء الذاتي: تخزين المؤونة، بناء مساكن مقاومة للبرد، وتفعيل التضامن الجماعي. أما اليوم، فقد تراجعت هذه الآليات أمام ضعف البنية التحتية وهجرة الشباب نحو المدن، لتصبح كل أزمة موسمية اختبارًا قاسيًا لمدى قدرة الدولة على التدخل السريع.

ويبرز إقليم تنغير كنموذج صارخ لهذه المفارقة. فالثلوج التي تتساقط بكثافة تتحول إلى حصار يعزل القرى ويقطع الطرق، فيما السيول الجارفة تدمر المحاصيل وتضرب في عمق الاقتصاد المحلي. أما الفيضانات، فهي تزيد من هشاشة البنية التحتية وتضع السكان أمام معاناة مزدوجة: مواجهة الطبيعة القاسية من جهة، وانتظار تدخل عاجل من السلطات من جهة أخرى.

إن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل يمكن للمجتمع القروي أن يستعيد جزءًا من مناعته الاجتماعية؟ الجواب يكمن في إعادة إحياء المعارف التقليدية ودمجها مع الوسائل الحديثة، من الطاقة الشمسية إلى وسائل النقل الملائمة للثلج، ومن التنظيم المحلي إلى تعزيز التضامن. فالدولة، مهما بلغت إمكاناتها، لا تستطيع وحدها أن تكون البديل عن روح المبادرة المجتمعية.

بهذا المعنى، فإن استرجاع الثقة في الذات الجماعية ليس مجرد خيار، بل ضرورة وجودية لضمان أن يبقى المطر والثلج كما كانا دائمًا: رمزًا للحياة، لا عنوانًا للأزمات.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة