اللغة الأمازيغية والتعليم الصّريح: رهانات المستقبل في المنظومة التربوية المغربية

هيئة التحريرمنذ 8 ثواني
اللغة الأمازيغية والتعليم الصّريح: رهانات المستقبل في المنظومة التربوية المغربية

بقلم : عبد الواحد بومصر .

في الآونة الأخيرة، شهدنا تحولاً ملموساً في مجال تدريس اللغة الأمازيغية بالمغرب، ينبع من الاعتراف الدستوري بها عام 2011 ، ومن الجهود المؤسساتية التي بذلت عبر المعاهد ومراكز الأبحاث المختصة. ومع ذلك، لا تزال العملية التربوية تواجه تحديات عدّة، أبرزها توحيد المعايير اللغوية ومواكبة منهجيات التدريس الحديثة؛ إذ أشارت بعض الدراسات إلى أن خيار «الأمازيغية المعيارية» الذي اعتمده المغرب قد ولد ارتباكاً في صفوف التلاميذ في مناطق الجنوب الذين يتحدّثون الفرع اللغوي “تاشلحيت”، حيث وجدوا أنفسهم أمام لغة مدرسية مختلفة عن لغة تداولهم اليومية.
في سياق إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التعليمية، يمكن القول أن منهجيات التدريس التقليدية التي اعتمدت على التعلم الضمني، لم تعد كافية لضمان اكتساب متين ومستقر للغة، خصوصاً عندما يكون المتعلّم غير ناطق أصلي بها. ومن هنا برزت الحاجة إلى اعتماد مقاربة التعليم الصّريح ( explicit instruction )، التي تضع القاعدة اللغوية بوضوح، ثم تمرّ عبر تمارين موجهة إلى التطبيق المستقل. فعلى سبيل المثال، في إحدى الدراسات الحديثة، تمّ التركيز على صيغ جمع الكلمات كإحدى التعلمات التي تربّك المتعلّمين، واقترحت الدراسة تسلسلات واضحة تبدأ بتنشيط المعارف السابقة، ثم عرض القاعدة، ثم ممارسة موجهة، ثم تمارين مستقلة، ثم تقييم.
إذا ما طبقنا ذلك على تدريس تاشلحيت في منطقة الجنوب، فإنه يصبح من الضروري أن يصمم المدرس بتنسيق مع المفتّش درساً يبدأ بتمكين المتعلم من روابط كفيلة بوضعه في سياق تداول عبارة مألوفة في بيئته اليومية، ثم يعرض القاعدة في صيغة واضحة .على سبيل المثال، تحويل المفرد ⴰⵔⴳⴰⵣ إلى جمع ⵉⵔⴳⴰⵣⵏ ، ثم يقود التلميذ لممارسة موجهة ضمن الصف، وبعدها إلى تمارين فردية أو جماعية، ثمّ أخيرا نشاط تقييمي. بهذا المسار، تضمن المقاربة وضوحاً أكبر وانتقالاً منطقياً في التعلّم، بدلاً من الاكتفاء بالاستماع أو التقليد.
من جهة أخرى، أن إعداد العُدَة والوسائل والمراجع التربوية المناسبة، يُعدّ أحد الأسس الهامة؛ فلا يكفي وجود اللغة في المنهج، بل ينبغي أن تتوفّر أدوات واضحة ومتدرجة تدعم المدرس والمتعلّم على حدّ سواء. وفي هذا السياق، يمكن للورشة المنظمة بمدينة مراكش يومي 28-29 أكتوبر 2025 ، أن تؤدّي دوراً محورياً؛ إذ تمثل فرصة لتقاسم هذه العُدَة وتوحيد الرؤى بين المفتّشين والمنسّقين على الصعيدين الإقليمي والجهوي.
ختاما، يمكن القول أن تدريس اللغة الأمازيغية اليوم، يقف عند مفترق بين الإرادة القانونية والمؤسّساتية من جهة، وبين الممارسة التربوية الواقعية من جهة ثانية. إن اختيار مقاربة التعليم الصّريح، يدعونا إلى إعادة النظر في تصميم الدرس، أدواته، وأساليب التقويم. ولأن اللغة الأمازيغية ليست مجرد مادة دراسية فحسب، بل جزء من هوية ثقافية، فإن جودة تدريسها لن تنعكس فقط على نتاج التعلّم، بل على شعور المتعلّم بالانتماء والاعتراف الثقافي. وبذلك، فإن الورشة المنظمة تمثل لحظة مفصلية لإطلاق مسلسل تحوّلي ليس فقط في عدد الدروس التي تُدرّس، وإنما في طريقة التعليم نفسها، وطريقة النظر إلى الأمازيغية كأداة للتعلّم والتمكين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة