محمد أيت الحاج
يظل الإنسان في عصرنا المعاصر يعيش على وقع الثورة التكنولوجية، التي إكتسحت بشكل كبير حياته، بحيث نجده اليوم لا يقدر مسايرة أنشطته و ممارسته اليومية دون حضورها، الأمر الذي قد ينعكس بشكل سلبي على سلوكاته اليومية في المجتمع.
و غالبا ما نجده مغترب الهوية في جماعته الصغيرة ” الأسرة”، الامر الذي يترتب عنه بزوغ العديد من القيم و السلوكات الجديدة التي يجسدها عبر منصات التفاعل الإجتماعي، بدورها تفتح له المجال للتعبير الحر عن مكبوتاته و ضغوطاته النفسية التي يواجهها في واقعه اليومي، إنها تمنح له تأشيرة العبور إلى عوالم أخرى، بحيث يجد نفسه أمام واقع و تجربة جديدة تحرره من سلطات و حتميات مجتمعية نوعا ما.لكن المسألة لن تتوقف عند هذا الحد بل تجاوزت التصورات و الاستعمالات العادية للتقنية، كونها أصبح تجسد ممارسة و سلوكات لها نتائج على السير العادي في الحياة اليومية، إذ أصبحت تسيطر بشكل كبير على الفرد، و تقوده أحيانًا إلى دخول في حالات نفسية غير عادية” العزلة الرقمية”، و التي تسهم في تطوير و بزوغ أمراض نفسية و إجتماعية بمستوى عالي جدا، خاصة في صفوف الشباب و المراهقين.و ما نشاهده من فضائح قيمية و غيرها في مواقع التواصل يؤكد تفكك منظومة القيم ” الضابط الاجتماعي”، مما يستدعي التدخل العاجل، من أجل تنظيم الفضاء الرقمي وفق المحددات و المعايير المجتمعية و الأخلاقية و القيمة، بغية الحفاظ على توازن الوكالة الإجتماعية التي تعنى بالتنشئة الإجتماعية.
و في هذا الصدد بالذات يمكن الإشارة إلى مساهمة الدكتور الشكدالي في هذا الباب، و الذي طرح مسألة الإنسان المرقمن من خلال منظور علم النفس الاجتماعي، و في بمثابة مرجع أساسي لتناول مسألة الإنسان و الظاهرة الرقمية في سياق مجتمعنا المغربي، الذي يعيش على إقاع تحولات إجتماعية كبيرة، تستدعي حضور العين السوسيولوجية و السيكولوجية لفهم و تحليل و تفسير الظاهرة في عمقها النفسي و الاجتماعي و القيمي، لذلك من الضروري طرحها كمجال بحثي بهدف فك طلاسيمها.
و لا أنسى أيضا مساهمة الدكتور سعيد بنيس محاولته لفهم اليقينيات المحلية عبر كتابه الموسوم ب “تَمَغْرِبِيتْ”، إنها برايغم يسهم في فهم الهوية و الأنساق القيمية السائدة على سبيل الذكر في المجتمعات المحلية، لهذا لابد لنا كمهتمين أو باحثين في المجال الاجتماعي أو النفسي العمل على بناء براديغمات جديدة، من شأنها المساهمة في فك و فهم و تحليل و تفسير الظاهرة الرقمية بإرتباطها مع الفرد.محمد ايت الحاج، باحث في السوسيولوجية
المصدر : https://tinghir.info/?p=74906