قضت محكمة الاستئناف الجزائرية مؤخرا بتثبيت حكم السجن النافذ لخمس سنوات في حق الروائي بوعلام صنصال، هذا الحكم الذي يثبت بشكل واضح مدى رفض المتحكمين في دواليب النظام الجزائري لجميع الآراء المختلفة، ويضع الجزائر في خانة الدول التي لم تستوعب بعد قواعد ومبادئ الديموقراطية وفي مقدمتها مبدأ حرية الرأي والتعبير، الذي يعتبر جوهر الديموقراطية.
هذا الحكم الجائر يؤكد مرة أخرى بأن القضاء في الجزائر ليس سوى أداة وظيفية موضوعة لخدمة طموحات وأجندات النظام السياسي، المسيطر عليه من طرف جنرالات العسكر، الذين يؤمنون بالأوامر اليومية ويرفضون جميع المواقف المخالفة على اعتبار أنها رفض لهذه الأوامر، ذلك أن محاكمة الرأي هذه، ما هي إلا حلقة من مسلسل تعيشه الجزائر للتضييق على الحريات، هذا المسلسل الذي لم تمنع الأموال الكثيرة التي يصرفها النظام الجزائري من أجل تمويل حملات الدعاية لصالحه، من شيوع تفاصيله المعلنة عن تراجعات حادة في مؤشرات احترام الحقوق والحريات بالبلد.
لكن المثير للانتباه في هذه القضية هو الغياب شبه التام لمواقف المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية، التي غالبا ما كانت تسارع لدبج بيانات التنديد والرفض بخصوص قضايا مشابهة في دول أخرى، حيث لم نطلع على أي موقف واضح من هذه المؤسسات بخصوص الحكم على هذا الروائي، الذي جرت متابعته والحكم عليه بعقوبة سجنية فقط لأنه قال برواية تاريخية تخالف الرواية التي يحاول النظام الجزائري فرضها على التاريخ والحاضر والمستقبل.
إن هذا الموقف السلبي غير المبرر وغير المفهوم لهذه المنظمات، يطرح العديد من التساؤلات، حول مدى إيمانها بالحقوق، وحول مستويات المسافة التي تضعها مع جميع الدول، والأهم حول درجات الانتقائية التي تطبع تعاطيها مع ملفات حقوق الإنسان، ومستويات خضوع تحركاتها للأجندات والمصالح السياسية، ما يجعلها منظمات حقوقانية، لا يمثل الحق عندها إلا ذريعة لخدمة الأجندات المنخرطة فيها.
ذلك أن التعاطي مع الحقوق والحريات لا يمكن أن يكون تعاطيا مجزأ، محكوما بالموقف تجاه الدول، وبطبيعة التحالفات المؤسسة على المصالح السياسية والاقتصادية، بل هي تصورات عامة لحقوق إنسانية كونية مفروض الدفاع عن احترامها بشكل مبدئي، غير خاضع لأي حسابات سياسية أو اقتصادية، وهو ما لم يتحقق في قضية بوعلام صنصال، وما يفضح ازدواجية المعايير التي تحكم تحركات هذه المنظمات، بصورة تفضي إلى تراجع حضورها وإضعاف مصداقيتها، وبالتالي فقدانها لشرعيتها الأخلاقية.
والأكيد، أن صمت المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية، عن هذا الاغتيال المعنوي الذي تعرض له الروائي بوعلام صنصال، سيدفع النظام الجزائري إلى توسيع نشاطه في قمع الحريات والتضييق على الحقوق، حيث أن مواقف هذه المنظمات تساهم بشكل كبير في توجيه مواقف الدول العظمى، وبالتالي الرأي العام الدولي، وفي لفت الانتباه إلى الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الإنسان، وهو ما لم يحدث في هذه الواقعة، ربما لكون الجزائر شريكا استراتيجيا لهذه الدول، ما جعل المصالح تسبق المبادئ.
عموما، إن قضية بوعلام صنصال، لم تفضح فقط طبيعة النظام الجزائري الاستبدادي، ولم تمط اللثام فقط عن المعايير الازدواجية التي تحكم عمل وتدخلات المنظمات الحقوقية الدولية، بل إنها كشفت على أن هناك بون شاسع بين النزعة الحقوقية التي تنتصر للحق من أجل المبدأ، والنزعة الحقوقانية التي تستعمل الحق لتحقيق المصالح.