عندما كان الحطب رمزا للغنى أو الفقر ووسيلة لتملك الأرض عند بعض قبائل الجنوب الشرقي

admin
2015-04-15T21:56:54+00:00
اقلام حرة
admin14 أبريل 2015آخر تحديث : الأربعاء 15 أبريل 2015 - 9:56 مساءً
عندما كان الحطب رمزا للغنى أو الفقر ووسيلة لتملك الأرض عند بعض قبائل الجنوب الشرقي
مصطفى ملو
هذه مساهمة متواضعة مني في مجال علم الاجتماع القروي تتعلق بما كان سائدا عن بعض القبائل الأمازيغية في الجنوب الشرقي,فيما يخص علاقتها بمادة “حيوية” لم يكن يمكن تصور حياة هذه القبائل بدونها,إنها الحطب.
*الحطب ركن من أركان الحياة في البادية المغربية !
لم يكن يمكن تصور الحياة في البادية المغربية بدون حطب,فبه كان يطهى الطعام و به كان يواجه البرد و تتم التدفئة,كما كان يستعمل في  بعض الحرف كالحدادة التقليدية(Tamzilt)(1) لصهر الحديد و تحويله إلى وسائل و أدوات فلاحية.
و لما كان الأمر كذلك,فقد كان من الطبيعي أن تشكل هذه المادة عصبا من أعصاب الحياة المهمة كالماء و الهواء,حيث لم يكن بيت يخلو منه قبل أن تزحف البوطاكاز لتعوض مصدر الوقود و الطاقة ذاك و لو بشكل نسبي في بعض المناطق(و خاصة الجبلية كإغيل نومكون بإقليم تنغير) التي مازالت تعتمد في أغلب حاجياتها(التدفئة و الطهي) على هذا المصدر,إما لقلة ذات يد الساكنة و إما “لوفرة الغطاء النباتي و أماكن الاحتطاب” و إما للاعتقاد السائد بأن الطعام المطبوخ بالحطب”أصح و أجود” من الطعام المطبوخ بالكاز(2).و على عكس ذلك نجد مناطق أخرى(منطقة ألنيف مثلا)يكاد الاحتطاب ينقرض فيها(3),لتوالي سنوات الجفاف من جهة و لاعتبار توفير البوطاكاز أصبح”ضرورة من ضروريات الحياة الكريمة”,بل و رمزا لرغد العيش من جهة أخرى,فالنساء لم يعدن يقبلن أن يقطعن عشرات الكيلومترات لحمل “القناطر المقنطرة” من الحطب على ظهورهن كما أضحين يرفضن أن يعملن”حملات حطب”عكس ما كان عليه الأمر سابقا !
7atab2016
                                                                                                                                          برنوصية مع حزمة حطب ضخمة(يجهل مصدر هذه الصورة و تاريخها)
*عندما كان الحطب رمزا من رموز الغنى أو الفقر عند بعض القبائل الأمازيغية في الجنوب الشرقي
في المجتمع الأمازيغي العطاوي و تحديدا عند قبيلة أيت خباش كانت كل امرأة تحاول جاهدة أن تجمع الكثير من الحطب,حتى يكون حطب عائلتها أكثر من حطب العائلات الأخرى المنتميات لنفس الدوار.
كانت النساء يتنافسن و يقطعن مسافات طويلة مشيا من أجل الاحتطاب و التباهي بالحطب,إلى حد أنهن  كن يجمعن أكواما كثيرة حتى و إن لم يكن في حاجة إليها.تعرفون لماذا؟
لأن العائلة الكثيرة الحطب كانت عند هؤلاء مرادفة للعائلة الميسورة التي تعيش في بحبوحة و ترف من العيش(حتى و إن كانت في الواقع لا تملك عشاء ليلتها) والتي تطبخ و تستهلك الكثير من الطعام وبسبب ذلك تكثر نساؤها من جمع الحطب لطبخ الطعام الكثير,أما من كان حطبه قليلا,فهذا يعني أن رب هذا البيت شحيح و بخيل و أن أسرته تعاني الجوع و ضنك العيش,و هذا هو السبب في قلة حطبها لأن لا طعام عندها لتطبخه!
بخلاصة لقد كان شعارهم” كم عندك من حطب كم تساوي” !
الطريف و المتناقض في الأمر أن النساء العطاويات كن فيما مضى يتسابقن لجمع الحطب,و يتنقلن لأجل ذلك مسافات بعيدة لأن كثرة الحطب كانت بالنسبة لهن مصدر افتخار و اعتزاز و دليل رخاء و رفاه و برهانا على الجد و الكد لخدمة العائلة,في حين أن عطاويات اليوم يعتبرن توفر البوطاكاز من أولويات الحياة,وأن الاحتطاب مظهر من مظاهر التخلف الذي ينقص من إنسانيتهن,فشتان بين معتقدات نساء الأمس و أفكار نساء اليوم!
*عندما كان مكان وضع الحطب وسيلة لتملك الأرض(4) !
كان المجتمع الأمازيغي في الجنوب الشرقي كما في باقي المناطق مجتمعا اشتراكيا و قد اتخذ ذلك عدة تمظهرات ك”أمردول”,”أودال”,”تاويزا”…(5)و لكن زحف الرأسمالية المتوحشة مكن من زعزعة هذا “النظام الجماعي” الفريد,فحلت الملكية الفردية مكان الملكية الجماعية,و بدأت روح التعاون و التضامن في السراء و الضراء التي كانت سائدة بين أبناء القبيلة الواحدة تتلاشى شيئا فشيئا وأصبحت العائلات التي كان عدد أفرادها يبلغ العشرات تنقسم بسرعة مفرخة أسرا نووية شعارها”راسي يا راسي”.
و لأن من طبيعة الإنسان حب التملك,فإن الكثير من الناس يحاولون و بكل الطرق الزيادة في ممتلكاتهم,خاصة عندما يتعلق الأمر بالأرض التي يرتبط بها الكائن البشري ارتباطا حميميا و يحبها حبا وحشيا لا يمكن وصفه,مصداقا للمثل المغربي القائل”الرجل هو اللي يموت على ولادو و اللا على بلادو(أي أرضه)”,أي أن الأرض من أحق ما يستحق أن يموت الإنسان من أجله,بل الموت أهون من رؤيتها و هي تغتصب من طرف الغير,و لأجل ذلك اندلعت حروب و معارك طاحنة.
ولأن الأمازيغ من أكثر الشعوب تشبثا بالأرض,فقد كانوا يحاولون بدورهم توسيع أراضيهم بعدة طرق  التي لعل أطرفها و أغربها في الجنوب الشرقي هو وضع الحطب بشكل مشتت على أوسع مساحة ممكنة و الحرص على عدم تجميعه على شكل أكوام في مكان واحد,لأنه مع مرور الأيام سيصبح هذا المكان,أي مكان وضع الحطب(6)في ملكية العائلة صاحبة الحطب بعد أن كان أرضا جماعية في ملك القبيلة,و دليل الملكية أنه مكان حطب أيت فلان !
7atab2015
 صورة لأكوام من الحطب و التي لاشك أن أماكن وضعها ستتحول مع مرور الوقت إلى ملك لأصحابها(الصورة مأخوذة من بلدة ألمدون جماعة إغيل نومكون)
————————————————————————————-
1-بصدد كتابة مقال عن هذه الحرفة بمنطقة الجنوب الشرقي و تحديدا بإغيل نومكون
2-روايات شفوية و معاينة ميدانية من إغيل نومكون(إقليم تنغير)
3-معاينة ميدانية من منطقة ألنيف(إقليم تنغير)
4-سجلنا أن هذه “الظاهرة” كانت حاضرة عند قبائل أيت عطا و مكون و إمغران
5-أمردول يعني أرض رعوية جماعية خاصة بقطيع قبيلة ما و يمنع على القبائل الأخرى الاقتراب منها,أما أودال فهي عكس أمردول أي أنها أرض جماعية يمنع على نفس القبيلة الرعي فيها و تاويزا و تعني العمل الجماعي التطوعي الذي فيه مصلحة القبيلة.
6-تسمى أكوام الحطب عند أيت عطا Isgharn(إسغارن) و عند قبائل مكون Awudiy(أووديي) و عند قبائل إمغران(Asrs) التي نعتقد أنها تعني مكان وضع الحطب أكثر مما تعني الحطب نفسه,لأن فعل isrs في الأمازيغية يعني وضع.

مصطفى ملو

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.