الواقع العربي.. والبلادة السياسية..

admin
اقلام حرة
admin7 مارس 2015
الواقع العربي.. والبلادة السياسية..
يوسف عشي

تتبخر أحلام كل آمل في غد عربي أفضل.. ويتنامى الشعور بالإحباط.. وينمو الشعور بالدونية أمام قلة الحيلة والغبن الذي يعيشه المواطن العربي.. تلكم أيها السادة ليست هالة سوداوية  يتمنى المرء إحاطة نفسه بها بقدر ما يستبسل الواقع العربي بخنقنا من خلالها..

    ويبدو أن الأمر لا يتوقف عند مستوى الشعور القومي الماتح من روح الوحدة وما إلى ذلك من الشعارات التي بات الواقع يؤكد تراجعها وربما تواريها إلى غير رجعة.. كما يبدو جليا أمام العيان تلاشي الشخصية العربية القومية التي طالما حلم بها المواطن العربي واستنشق عبير ألوانها من المحيط إلى الخليج.

    لكن، ما الذي يدفعنا إلى الإقرار بنتائج هذه الرؤية القاتمة؟ أليس ثمة خطأ منهجي – ربما حتى نتمناه – هو المتسبب في هذه الاستنتاجات اللامرجوة؟.. نقول وبكل ثقة كما قال المفكر والفيلسوف الأماني العتيد ليبنتز: ثمة دائما سبب كاف لكل واقعة.. والحال أننا أمام سببين، في اعتقادنا، ليس فقط كافيين بل إنهما فاعلين ساهما ويساهما إلى حد الساعة في تكريس الدونية العربية وتوسيع دائرة العقدة المفتعلة القائلة بالتفوق الغربي اللامحدود زمانا ومكانا.

      ويتلخص السببين كما نزعم في مفهوم واحد: وهو الغباء.. لكنه غباء مزدوج : فوقي وتحتي – إن صح القول – الأول ربما يكون من المقدور معالجته بل وحتى التخلص منه رغم قوة حامليه واتساع نفوذهم وطول أيديهم. بينما يبدو من المستحيل أو على الأقل من المعجز والصعب جدا تجاوز الثاني ، على الأقل في الظرفية الحالية. مما يجعل أي خطاب قومي نهضوي لا يعدو كونه نوع من المهاترة الطوباوية  أو حتى اليوتوبية التي لا أمل في ترجي – حتى الترجي- حدوثها.

     ويقتضي الإلمام بالغباء الفوقي منحه درجة عالية من التركيز أثناء التحليل وذلك لكونه يتصل بالفاعل الأول أو المحرك الأول على المستوى السياسي ذلك الذي أنيطت به مهمة رعاية شؤون العباد والبلاد، وذلك الذي لا سلطة فوق سلطته إلا سلطة العلي القدير، إنه أيها السادة ذلك الذي يقدر ويقرر ولا يجد رادعا لقراره إلا ما شاء الله.. صاحب العصمة الدستورية والقانونية والأخلاقية والدينية والاقتصادية والرياضية والتنموية ووو… ذلك الأول في كل شيء بتعبير ماكيافيللي والرائد في كل شيء المالك لزمام الوحش القاهر الليفييتان بتعبير هوبز.. إنه الحاكم الدنيوي الأوحد الذي لاقرار بعد قراره ولا مشورة بعد مشورته ولا حكمة بعد حكمته ولا كمال في الدنيا غير كماله.. ولهذا نحن ملزمون بطاعته أخلاقيا ودينيا ودستوريا وقانونيا..ووو..

    ولأن سلطة الحاكم تبدو مطلقة، – ونحن هنا لا ننازعه فيها بل لا ندعو حتى إلى تقليصها – فإن قراراته تبعا لذلك يجب حتما أن تكون صالحة وحكيمة ليكون تدبيره متناسبا مع حجم مسؤوليته، لكن ماذا لو تصورنا أيها السادة أن صاحب هذه السيادة نأى بها جنبا واستخلصها لنفسه دون العباد؟ ألا يكون ذلك ضربا من الغباء التاريخي؟ فلطالما قرأنا في التاريخ عن زعماء وملوك وأباطرة هدموا صروح حضارات برمتها.. ولكي لا يفهم كلامنا على نواهله.. ونتهم بالمس بذوي السيادة وجب التوضيح والتدليل من الواقع العربي المرير..

     كلنا تتبعنا العديد من التسريبات التي تبثها قنوات إخبارية عالمية ومواقع إلكترونية بشأن ذلك المتفرعن – وليس الفرعون – بمصر.. حينما يسمع القاصي والداني، العربي والعجمي، القريب والبعيد.. كيف يسب ويهين من يضع نفسه على أعلى هرم الحكام العرب وجيرانه ويستهزئ به وبمن معه بل ويتطاول ومن بمعيته على سيادة الدول التي تسببت ولا تزال في وجوده على رأس السلطة الانقلابية بمصر، في حين يقبع صاحب السلطة الشرعية في غياهب السجون.. يتطاول ويسب ويسخر ويستهزئ.. وبالمقابل  نقرأ اليوم ونشاهد زيارة هذا المتفرعن لمن سب على رؤوس الأشهاد.. ذلك الذي تمثل قيمته قيمة أمة بأسرها.. وليس فقط قيمة الدولة التي يحكم باعتبار قداسة البلاد وقيمة العباد الذي يقبع على سدة حكمهم.. نشاهد المتفرعن يُستقبل استقبال الملوك والقادة الحقيقين.. بل نشهد استمرار الدعم الذي يبدو لامشروطا له ولمن معه من الانقلابيين والقتلة المجرَّمين بشهادة أعتى المنظمات الحقوقية العالمية.. وهنا نعود إلى توصيفنا للسبب الأول في هوان الأمة ذلك المتعلق بما اسميناه بالغباء الفوقي.. حيث يبدو لكل ذي عينين أن صاحب السيادة الذي يَترجَّى من وراء دعمه للمجرمين حتى في حقه هو نفسه، الخير..ويترجى صلاح الأمور في بلاده بمواصلة سياسية تدبير الأزمة باختلاق الأزمة،ويظن أن بهذا سيحقق الهدف المنشود في بقائه على قمة هرم السلطة.. نقول مع كامل الإحترام لعالي المقام :ما هذا سوى ضرب من البلادة السياسية التي ربما ستأتي على الأخضر واليابس..

    فعوض النهوض بالمسؤولية على النحو الأمثل مثلما هو الحال في تدبير شؤون الحرمين الشريفين والقياس على ذلك والقيام بالإصلاحات السياسية القمينة بدرء الخطر على مملكة بيت الله الحرام واتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان تطور وتقدم البلد سياسيا واقتصاديا حتى لا تضطر البلد للعودة للجمل والخيمة بعد نفاذ المخزون الأسود، نرى من يُجمِّل في أعين صاحب السيادة التمادي في خنق الوعي العربي الساعي إلى الإنعتاق من أتون التخلف، مثلما فعلت أوربا نفسها قبل ما يزيد عن القرنين ونيف..  والحال أن الأمور حسب هذه الرؤية الإصلاحية ممكنة جدا بل تضمن للحاكم النهوض بمسؤوليته وأداء أمانته التي توصله إلى مصاف السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله.

     وتعريجا على المستوى الثاني، ذلك الذي نعتناه بالغباء التحتي –إن صح التوصيف – لنعلق بعنق الزجاجة.. فالمسؤول هنا ليس شخصا أو أسرة أو حتى حكومة.. إنه السيل الغثاء كما وصفه خير الخلق.. إنه المواطن العربي الممتد ديموغرافيًّا من المحيط إلى الخليج.. ذلك الذي حاول على استحياء بالنظر إلى نسبة البلدان التي عرفت ما سمي بالربيع العربي..حاول أن يغير واقعه المريض.. لكنه وبمجرد الوقوف عند أولى الحواجز.. حوَّل ربيعه إلى خريف، وعوض الثبات على خطى النضال سار على خطا تسبح عكس التيار.. وهو يرى بأم أعينه حجم الهوان الذي باتت الأمة تعاني منه بسبب من أنيطت به مهمة صونها.. يرى ويسمع بأم عينيه خسيسا يسب ويزدري ذوي الشأن في البلاد، أولي النعمة.. أولائك الذين تعد كرامتهم من كرامته بل يعتبرون عنوانا لسيادته.. أولائك الذين ولو أخطأوا.. يظلون دائما على رأسه تاجا يلمع ويرفع على جبين وطنه.. أولائك الذين يمكن معاتبتهم على الخطأ.. وحتى إزالتهم من المسؤولية.. فالانتخابات كفيلة بإزالة بعضهم فيما عدم الإصرار على بيعة من لا يصلحون منهم يجعل الصالح فقط من أسرهم أو حتى دوائرهم يعتلي سدة الحكم ويقود البلاد إلى مجدها مرجعا إياها إلى السكة الصحية ولنا في أردوغان وآل تميم العبرة في ذلك..

      إن الواقع العربي ليس يتيما.. وإنما هو سليل حضارة ومجد.. كما أن حكامنا ليسوا بذلك السوء بالقدر الذي نحن بغبائنا وخوفنا المرضي من دفعهم إلى الخطأ في حقنا.. فالمشكل أيها السادة ليس في ملك أو رئيس.. لأن التاريخ اثبت جدارة الملوك والرؤساء.. لكنه أثبت أيضا، أنه بعد تخاذل الشعوب تنهار الحضارات وتهون الأمم.. فالمشكل ليس في نظام الحكم.. بل المشكل مع كامل احترامنا للجميع في الغباء المزدوج..

    غباء الشعب الذي يقبل من لا يصلح لحكمه.. وغباء من يعتقد أن سياسية العصا والجزرة صالحة لحكم شعبه.. بينما نتوفر دائما وأبدا على قدرات ومؤهلات خارقة .. وكذلك على عقول وسياسيين مكرة.. لكن يتم التصرف بتلك القدرات من خلال قلب المكر إلى غباء..

   نستسمح ممن لمس في كلامنا  تجريحا أو تطاولا غير مقصود.. لكن نكرر دائما.. “نحن لا نتهم أحدا.. لكن من حقنا مساءلة الجميع”.. السلام عليكم.

يوسف عشي

cleardot - تنغير أنفو :: الخبر اليقين بين يديك

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.